-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

“الشروق”… نجاح من رحم المعاناة

بشير فريك
  • 436
  • 0
“الشروق”… نجاح من رحم المعاناة
ح.م

ونحن نسترجع الذكرى الأولى لرحيل الأخ الفاضل، المرحوم علي فضيل، طيب الله ثراه، سأحاول بتواضع، المساهمة في إحياء هذه المناسبة الأليمة، باسترجاع ما خزنته الذاكرة حول المرحوم، علي فضيل، وصرحه الإعلامي الحضاري والفكري، جريدة “الشروق اليومية”، قبل أن يحوّلها إلى مجمع إعلامي ضخم، ظل رقما محوريا في معادلة الحياة العمومية الوطنية، سياسيا وإعلاميا وفكريا وثقافيا، حيث وجد نفسه مجبرا على مواجهة حقول الألغام، التي تعج بها الساحة السياسية والإعلامية، منذ بداياته في أسبوعية “الشروق العربي”، التي أشرقت من المغرب العربي لتضيء الآفاق الإعلامية والثقافية الفكرية، إلى غاية المشرق العربي. ومع ذلك، زار السجن، نتيجة خطه الوطني المناهض لجنرالات انقلاب جانفي 1992.

فبصرف النظر عما قرأته وعرفته عن علي فضيل، لاسيما مع بداية التعددية الإعلامية، في أسبوعيته الرائدة “الشروق العربي”، فقد كان أول لقاء لي معه في 1996، عندما زارني في وهران، وأنا على رأس الولاية، وكان برفقة الأخ الصديق، الكاتب الإعلامي المتميز، سعد بوعقبة، الذي تعرفت عليه سنة 1985، عندما كان رئيسا لتحرير صحيفة الشعب.

كان موضوع الزيارة هو التماس تدخلي من أجل استرجاع مبلغ ضخم آنذاك، لدى الموزع المعروف محليا، صاحب نشرية محلية بالفرنسية.. قمت بما أمكن لي، بناء على علاقات شخصية، لا رسمية. منذ ذلك الوقت، بقينا على تواصل خلال المناسبات والأعياد.

 وبإنهاء مهامي في 1999، صرت أزوره في مقر الأسبوعية دوريا، إلى أن ظهرت فكرة إطلاق يومية “الشروق”، التي كان اعتمادها بحوزة المرحوم، علي فضيل، ولم يتمكن ماديا من إصدارها، فضلا عن التخوف من تشبع الساحة الإعلامية وفشل المشروع.

التقينا في مجموعة صغيرة في البداية بمكتبه، في المقر الحالي لجريدة “الشروق اليومي”، وكان الاتفاق على خوض التحدي ودخول الساحة الإعلامية بيومية “الشروق”، موازاة مع “الشروق العربي” التي تبقى ملكيتها لعلي فضيل حصريا.

كانت الجماعة من القامات الإعلامية الوطنية العروبية، يتقدمهم: سعد بوعقبة، عبد الله قطاف، بشير حمادي، رحمه الله، مصطفى هميسي، علي فضيل، بشير فريك، يوسف حمروش، رحمه الله، حددنا مبلغ مساهمة كل شريك، وشرعنا في اجتماعات تحضيرية، لإعداد مشروع وثيقة الشراكة، وتم تحديد مهام كل عضو من الأعضاء المؤسسين.

عقدنا سبعة لقاءات، وفي الوقت ذاته، كنت ألاحظ مجريات الحديث والنقاشات، والعلاقة بين الشركاء، وانتهيت إلى قناعة أن هذا الفريق لا ولن أنسجم معه، فقررت الانسحاب قبل التوجه إلى الموثق للإمضاء على عقد التأسيس والشراكة.

حاول الأخ سعد بوعقبة والمرحوم علي فضيل إقناعي بالعدول عن قراري بالانسحاب، إلا أنني صمّمت وغادرت، متمنيا طول العمر للمولود الجديد وظلت علاقتي بجميع الإخوة جيدة، بمن فيهم الذين رحلوا، رحمة الله عليهم.

انطلقت “الشروق اليومي” مع علي فضيل وعبد الله قطاف والمرحوم بشير حمادي وسعد بوعقبة، بانضمام شركاء آخرين، أمثال الصديق الشاعر سليمان جوادي.. فحققت قفزة غير متوقعة في ظرف زمني قياسي، وأصبحت تتصدر الساحة الإعلامية بقوة، من خلال سبق الخبر ومصداقية المعلومة والخط الافتتاحي العروبي الوطني.

بعد خلاف الشركاء، تعثرت نسبيا لاعتبارات منطقية، إلا أنها سرعان ما انطلقت من جديد من وحي خبرة وحنكة ومثابرة علي فضيل، وحسّه الإعلامي والتجاري، حيث التفت حوله كوكبة من الأقلام الشابة المؤمنة بالرسالة الإعلامية، فارضة نفسها في نقل الخبر وتحليله، والتعليق والحوارات والروبورتاجات، وكشف عورات الفساد والمفسدين، وإيصال صوت من لا صوت له في الجزائر العميقة وطنيا، والدفاع باستماتة عن القضايا العادلة في فلسطين والعالم الإسلامي، بما فيها محنة مسلمي الروهينغا والصحراء الغربية، والتصدي للمتطاولين على الإسلام ورسولنا وقائدنا محمد “صلعم” إلخ…

أضحت “الشروق” قلعة من قلاع الهوية الوطنية، من خلال قناعات ومواقف رئيسها ومديرها، علي فضيل، كما شكلت منارة فكرية منيرة، من خلال تلك الصفحات الأسبوعية والدورية، التي وضعت تحت تصرف خيرة النخبة الفكرية الوطنية، من علماء أكاديميين جامعيين، وباحثين وسياسيين، في شتى فروع الفكر والثقافة، حيث استقطبت “الشروق” جحافل القراء من مختلف المشارب والأصناف، وبلغ السحب أرقاما قياسية غير مسبوقة، حتى في العالم العربي، حيث تجاوز سقف المليونين، عندما تصدت للهجمة الإعلامية المصرية على الجزائر وشهدائها، أثناء السجال الكروي الجزائري المصري الذي انتهى بواقعة أم درمان السودانية، التي اختطفت فيها الجزائر تأشيرة التأهل لكأس العالم لكرة القدم.

كان علي فضيل، رحمه الله، يشق طريقه بثبات، محققا مزيدا من النجاحات والانتصارات، مؤسسا مجمّعا إعلاميا ضخما، بتدشينه- لأول مرة في الجزائر- السمعي البصري، من خلال قناة “الشروق”، التي تبث من الأردن، لتتدعم بقنوات متخصصة، فارضة وبقوة نفسها على المشاهد الجزائري والعربي والدولي.

ولأن أعداء النجاح كُثر، والحسد مستشرٍ في المحيط الإعلامي الموبوء، فقد تعرض علي فضيل إلى مؤامرات ودسائس في السرّ والعلن، من رفاق المهنة أحيانا، وتوظيف رموز نظام بوتفليقة وعصابته ضده وضد مجمّعه، مشهرين سيف الإشهار أحيانا والمطابع العمومية أحيانا أخرى، معرضين نحو ألف مستخدم من صحافيين وتقنيين وعمال إلى خطر البطالة، فصمد وواجه نحو ثمانية أشهر من دون إشهار ولا طباعة، إلا أعدادا قليلة جدا، في حدود 5000 نسخة، بعد أن كانت بمئات الآلاف من النسخ، ولم يسرّح المستخدمين، وكان صبورا ينشر أمل الانفراج لدى الصحافيين وإطارات المجمّع، دافعا الأجور، رغم الإفلاس الذي برمجه السعيد بوتفليقة لمجمّع “الشروق” من أجل إخضاعه وتركيع علي فضيل.. ولكن هيهات هيهات.

شاءت الأقدار أن يرحل سي علي متأثرا بالضغوطات والمضايقات التي واكبت مسيرته الثرية، وأثرت على قلبه الذي توقف عن النبض بعد مقاومة بطولية لأعداء الوطن والوطنية والنجاح.. وعند ربهم يحتسبون.

لقد راهن المنافسون والحاسدون على انهيار مجمّع “الشروق” بوفاة مؤسسه، إلا أن الصرح لا يزال شامخا والبناء صامدا، بفضل النساء والرجال في مختلف مواقع المناصب للمجمّع، وهم مصرون على مواصلة التحدي والاضطلاع بالأمانة والرسالة التي ناضل وكابد من أجلها المرحوم علي فضيل.. فألف ألف رحمة على روحه الطاهرة، وألف تحية تقدير واعتزاز للفرق الساهرة على استمرارية صرحنا الإعلامي الفكري، وإلى الإمام.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!