-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع
ليس قماشا فحسب

الشونڤاي… قصة بدلة “الرجلة” الجزائرية

فاروق كداش
  • 6828
  • 3
الشونڤاي… قصة بدلة “الرجلة” الجزائرية
ح.م

بدأت القصة عندما سمعت أحدهم يتكلم عن “الشونڤاي”، تلك البدلة الصينية الخاصة بالطبقة الكادحة وبمناضلي الحزب الشيوعي، غير أن هذا الشيخ “الهوزي”، أكد أنه سافر إلى شنغهاي الصينية واستقر فيها ثمانية أشهر، ولم يصادف أحدا يرتدي هذه البدلة الزرقاء، التي ترمز للرجولة والأنفة.. فما هو أصل هذه القطعة من ماضينا الجميل، التي لا تزال تركن في ركنها الركين في خزائن الكثير.

في السنوات السابقة، وخلال معرض شنغهاي العالمي، عرضت هذه البدلة في الجناح الجزائري، وأثارت انتباه الزوار وفضولهم في نفس الوقت، خاصة من طرف كبار السن والمعمرين، الذين تعرفوا عليها، ولكنها بدت لهم مختلفة بعض الشيء… هناك روايات عديدة حول أصل ما يسمى في العاصمة بـ”شليق البلا”، لكن أقربها إلى الواقع، هي التي تؤرخ لظهور البدلة في الجزائر بين الحربين العالميتين، الأولى والثانية، من طرف تجار صينيين قادمين في أغلبيتهم من ميناء شنغهاي، وحدث هناك تبادلا ثقافيا، بعيدا عن أعين فرنسا.. فمقابل سلع معينة، كان الجزائريون يحصلون على بدلة العمل هذه، التي كانت تعتبر فاخرة في زمن الفقر والميزيرية… واقترن تي شورت البحارة الأبيض المخطط بالأزرق ببدلة الشونڤاي، دلالة على ارتباطهما بالبحر والبحارة…

شليق عابر للقارات

وبعد نشوب الحرب العالمية الثانية، اختفى “البلو شونڤاي”، أو لنقل توارى عن الأنظار لمدة، وأخذت مكانه السالوبيت الأمريكية، غير أن الخياطين واصلوا في خياطته وبيعه، ولقي بعد الخمسينيات من القرن الماضي رواجا كبيرا، حتى في موانئ مدننا الساحلية، مثل الغزوات ودلس وتيڤزيرت وبني صاف وشرشال.. وفي تونس الشقيقة، يطلق عليه اسم “دينڤري”، وهو اسم المدينة التي يقال إن بلو شونغاي ينحدر منها. ويقول بعض المختصين في تاريخ الموضة والألبسة التقليدية إن هذه البدلة سافرت إلى مرسيليا، ولاتزال ورشات عديدة تصنعه وتصدره إلى حد الساعة.. ‪ولذا، يطلق عليه البعض “أزرق مارسيليا”… بعد الاستقلال، ازدهرت تجارة الشونڤاي، خاصة في الستينيات والسبعينيات، وبدأت تنطفئ في نهاية الثمانينيات، مع ازدهار جاكيت الجلد واللوك “بوحي”.

أسرار اللباس الأزرق

سألنا عمي العربي، وهو شيخ في السبعين، من مواليد باب الواد، عن ‪”‬الشونڤاي”، فأكد لنا أنه لا يمكنه تركه واستبداله بأي لباس آخر.. وأضاف أنه يحافظ على موروث عائلته: “الشيخ بابا كان يلبس شونڤاي”. وعن مكان شرائه، يقول عمي العربي إنه يقتنيه من طابلة عمي “بوعلام”، في سوق كلوزيل. وعن أسرار الحفاظ عليه، أخبرنا أنه عند شرائه يجب تثبيت اللون عن طريق نقعه في ماء البحر ليلة كاملة، أو استعمال عشرات الليترات من الماء المثلج، مضاف إليه 300 غرام من الملح، أو عن طريق حمام ماء، مضاف إليه 40 سنتيلترا من الخل الأبيض، ثم يتم بعد ذلك غسله جيدا ثم تركه يجف.. ولا يجب في أي حالة من الحالات غسله للمرة الأولى في الغسالة.

وإن سألت محبي الشنغهاي عن الماركات الأصلية يدلوك على الباعة والدكاكين التي تشتهر بيبع أفضل الماركات، خاصة المارسيلية منها، مثل “فيلو” و”أنتيشار” و”شنغهاي”.. وقد يحذرونك أيضا من التقليد.

رجولة للبيع

كثيره هي إعلانات بيع الشونڤاي على النت من صفحات فايسبوك، المتخصصة في البيع والشراء، إلى موقع واد كنيس، والكل يصيح بجودة منتجه وألوانه المتعددة، منها الأسود والرمادي، غير أن أكثر الألوان رواجا يبقى الأزرق، الذي ارتبط باسم هذه البدلة العتيقة.. أما الثمن المتداول، فيترواح ما بين 5000 إلى حتى 10 آلاف دينار، أو أحيانا أكثر حسب الماركة.

بالنسبة إلى أجيال عدة، تبقى صورة الشونڤاي لا تدل فقط على الرجلة والنخوة، بل تروي قصة رجال صمدوا في وجه التغيير، وتمسكوا بعادات الأجداد.. ورغم أن شبابنا اليوم يحاول أحيانا إحياء هذا التراث بارتدائه على الفايسبوك وأنستغرام، غير أن هذه المحاولات مآلها الفشل، لأن الشونڤاي ليس قماشا فحسب، بل عقلية رجولية، لا تتزاوج مع الجينز المقطع وتسريحة اللاعبين ولحية الموضة… فمن يمكنه الآن أن يضع نعناعة في أذنه وشاشية اسطنبول أو قبعة القبطان مع حذاء البابي، ويمسك بأصابعه سيجارة النسيم أو الأفراز ويدعي أنه هوزي الـ2019.. طبعا لا أحد.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
3
  • علي الجزائري الامريكي

    كنت ألبسها و أحبها كثيرا و لا زلت أتذكرها لحد الآن.

  • شخص

    الآن أصبح الرجال (عفواً الذكور) يصرون على لبس الجينز المزيّـر و المقطع و القمصان المزيّرة و كأنهم يريدون إظاهر المفاتن كما تفعل الفتيات فضاعت الأمة و لا حول و لا قوة إلاّ بالله !

  • kamel

    c'est du n'import quoi, je vous conseil de lire ton histoire qui notre fierté. ce vêtement a un rapport avec la trahison en ce qu'on appel la bluite. .