-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع
"الشروق" كرمته بالتنسيق مع مديرية الشؤون الدينية في باتنة

الشيخ البخاري..عالم الأوراس الذي عاش للقرآن وإصلاح ذات البيْن

الشروق
  • 3479
  • 2
الشيخ البخاري..عالم الأوراس الذي عاش للقرآن وإصلاح ذات البيْن
الشروق
تكريم عائلة الشيخ البخاري

تكملةً لسلسلة التكريمات الرمضانيّة التي سنتها مؤسسة “الشروق”، احتفاء بأعلام الإصلاح في الجزائر، احتضنت مدينة باتنة يومًا دراسيّا تكريميّا لروح العلامة الشيخ محمد معلم البخاري، وذلك بمبادرة مشتركة بين مجمع “الشروق” للإعلام ومديرية الشؤون الدينية، خصص لسيرة حياة ومناقب العلامة المفتي الذي وافته المنية شهر أفريل المنصرم.
وقد حضر الفعالية جمهور غفير من مشايخ المدينة وأئمتها وأساتذة الجامعة، حيث أكد بالمناسبة مداني بوستة، مدير الشؤون الدينية لولاية باتنة، أن الشيخ البخاري ترك بصمة واضحة في منطقة الأوراس عالما ومرشدا ومصلحا ومفتيا ومربيا ينطبق عليه الحديث الشريف “خيركم من تعلم القرآن وعلمه”، وهو فوق ذلك قدوة للأجيال قاطبة، ورمزا يشهد له الجميع بخدمة الدين والرسالة النبوية.
كما أبرز الدكتور مسعود فلوسي أن الاحتفاء بالأعلام أمر ضروري في حياة الأمم، فللعلماء وأعلام الأمة مهمة وأدوار خطيرة ليس أقلها ما عناه الحسن البصري بقوله لولا العلماء لصار الناس مثل البهائم، فهم يضطلعون بثلاث مهمات هي الحفاظ على المرجعية العقدية والخلقية والشرعية، وتحقيق القدوة العلمية والعملية، والقيادة الفكرية والتربوية، كما أنهم يحققون ذلك من خلال عشرة عناصر، بينها قول الحق والجهر به والصيانة من الفتن وحفظ الهوية من الذوبان والتحلل، والسعي لتحقيق وحدة الأمة ومقاومة الإحباط واليأس وبعث الأمل.
ولم يتأخر الدكتور شهر الدين قالة في إبراز مناقب الشيخ البخاري الذي لازمه لفترة طويلة بقوله إن الرجل كان يكره الظلم والاستبداد، ومهتم بشؤون المسلمين والأحداث الراهنة التي تقع في البلاد السورية والفلسطينية والقدس وغيرها من الوقائع، كما كان منشغلا بأحوال بلادنا. والشيخ الذي ولد العام 1931 بولاية تبسة اضطر للهجرة رفقة والده هربا من ضغط الاستعمار الفرنسي فانتسب لزاوية خربة ماطر بتونس التي أنشأها السعيد السطايفي وعبد الحميد بن عيسى المغربي، وقد كان لشيخه أثر بالغ في تحوّله للعلم حينما سمع البخاري يقول الآن أكملت فقال له الآن فقط جهلت، فانتسب للزيتونة التي تحصل فيها على الشهادة العالمية العام 1963.
وأوضح الدكتور شهر الدين أن الشيخ البخاري كان متأثرا بجملة الشيخ الغزالي الشهيرة التي يقول فيها أنه مثلما يصاب الجسم بفقر الدم يصاب العلماء بفقر العلم، لذا كان يوصي الأئمة بتوسيع المدارك الذهنية والعقلية والاطلاع على علوم الحياة والمادة والمنطق وله قولة طالما كان يرددها أمام الأئمة والتلاميذ، حيث يقول: “الذي لا يقرأ الرياضيات يصعب عليه الاستدلال بالنصوص، حيث تحتاج مواضيع أصولية وفقهية لتمارين عقلية لمعرفة العلل والقياس والسبر والتقسيم وغيرها”.
ويتميز الشيخ البخاري برؤية ثاقبة وحكمة بالغة وفقا لما يشهد به الدكتور قالة، حيث يعترف “كنا أحيانا نستغرب من الشيخ الذي نجتمع به في مجلس الفتوى وإصلاح ذات البين بعض الفتاوى والإجراءات التي تبدو لنا غريبة وكنا نجادله ثم يتضح لنا بعد فترة طويلة ومع مرور الأيام أن رأيه كان سديدا، كما أنه كان يتسم بالمرونة حتى وإن كان مضطرا لتقديم تنازلات في عديد القضايا ولا يتحرج عن فعل ذلك أبدا”. ويروي معارفه أنه ساهم بما يقوم به داخل لجنة الفتوى وإصلاح ذات البين في رأب صدع كثير من الخلافات، حيث تمكن من إنقاذ عائلة طرفاها أستاذ جامعي وأستاذة جامعية من ولاية قسنطينة، كانا على أهبة الشروع في إجراءات التطليق وتشريد الأولاد لولا أن قيض الله لهما الشيخ الذي دعاهم إلى بيته وأقنعهما بالعدول عن الطلاق، فاستمرت العائلة، كما لم تنس تلك العائلة زيارته كلما جاءت لباتنة.
وإذا كان الشيخ البخاري قد تقاعد من مناصب الإدارة في الشؤون الدينية لولاية باتنة العام 1997، غير أنه لم يتقاعد عمليا، حيث واصل عمله في لجنة الفتوى وإصلاح ذات البين الكائن مقرها بمسجد أول نوفمبر، ولم يحدث له أن تغيب عن جلساتها سوى خلال فترة مرضه في السنتين الأخيرتين.
وفي ختام الأشغال الدراسية وكلمات المتدخلين، كرمت مديرية الشؤون الدينية ومؤسسة الشروق عائلة الشيخ البخاري بشهادات شرفيّة ومنحها “درع الشروق”، فضلاً عن إهداء عمرة، منحت لإحدى بناته التي كانت قائمة على شؤونه في مرضه رحمه الله.

مدير الشؤون الدينية لولاية باتنة مداني بوستة:
هو مصلح وشيخ الأوارس..و”الشروق” شريكُ العلماء

في مستهلّ كلمته الافتتاحيّة، أشاد مدير الشؤون الدينية لولاية باتنة، الأستاذ مداني بوستة، بخصال الشيخ البخاري رحمه الها، واصفا إياه بأنه قامة من قامات العلم والإصلاح، وقال في هذا الجانب “نحن أمام رجل ترك بصمته في ولايات الأوراس علما ومربيا ومصلحا ومفتيا ومسؤولا، لم يترك التعليم القرآني، استحق الخيرية من منطلق “خيركم من تعلم القرآن وعلمه”، معروف منذ صباه بطموحه في التحصيل العلمي والمعرفي، ما جعله يلتحق بجامع الزيتونة وينال أعلى الدرجات التي جعلته يشتغل في عنابة قبل أن يستقر به المقام في باتنة”، كما نوّه الأستاذ مداني بوستة بمبادرات مجمّع الشروق الذي لم يتوان في أن يكون شريكا ومشاركا في اليوم الدراسي الذي تم تنظيمه على شرف الشيخ البخاري، مؤكدا بأن الشروق معروفة في تكريم العلم والعلماء، ما جعلها تكرس تقاليد مميزة في هذا الجانب.

الأستاذ عبد الحميد معلّم نجل الشيخ البخاري:
“والدي عاش يتيما لكنه ظل صامدا.. شكرا لكم على تكريمه”

شكر الأستاذ عبد الحميد معلم، مديرية الشؤون الدينية لولاية باتنة بالشراكة مع مؤسسة الشروق، إثر المبادرة التي تم القيام بها، من خلال تنظيم يوم دراسي حول سيرة ومسيرة والده الشيخ البخاري الذي وافته المنية يوم 8 أفريل المنصرم، مؤكدا بأن هذه المبادرة من شأنها أن تخفف على أبنائه وأفراده من ألم الفراق، وقال عبد الحميد معلم بأن الوالد الشيخ البخاري كان رمزا للأمن والعطاء، وقد سبقته زوجته (أم أبنائه) إلى دار الفناء قبل 11 شهرا، وأوضح عبد الحميد بأن والده تنقل إلى تونس للدراسة وعمره 12 عاما مرورا بعديد الزوايا إلى غاية التحاقه بجامع الزيتونة، مشيرا الى تنشئته الاجتماعية الصعبة، بحكم أنه عاش قسوة اليتم والفقر الشديد، لكنه ظل صامدا وكريما، حيث توفيت والدته وعمره عامين، وعاش في عائلة من 4 ذكور وبنتين، أما عن حياته العائلية فقد تزوج ابنة عمته ورزق بـ 3 ذكور و3 إناث، وقال عبد الحميد معلم بأن والده الشيخ البخاري عرف كيف ينال محبة طلبته بفضل إخلاصه، وقد تتلمذ على يديه إطارات ووزراء، لينتقل بعد ذلك إلى العمل الإداري في مديرية الشؤون الدينية كمفتش للأئمة، ثم رئيسا للجنة الفتوى، ناهيك عن مساهمته في جمع التبعات لتشييد مسجد 1 نوفمبر بمعية المجاهد الحاج لخضر، وقال عبد الحميد معلم بأن والده كان حريصا على الأعمال الخيرية وحلقات تحفيظ القرآن الكريم، وختم عبد الحميد قوله بالإشارة إلى الخصال الحميدة التي تعلموها من والدهم الشيخ البخاري، بحكم أنه كان يتصف بالورع والواضع وحبّ الناس، إلى أن توفاه الأجل إثر مرض لازمه منذ الصغر، بسبب إصابة إحدى رئتيه، ليشتد به المرض الذي لم يستطع جسمه مقاومته.

تلميذه الأستاذ غنام ربيعي:

“أنا مدين للشيخ البخاري بدراسة الفقه الإسلامي”

بدوره أكد الأستاذ غنام ربيعي في شهادته على أنه كان من التلاميذ الأوائل الذين درسوا في معهد التعليم الأصلي بباتنة، مشيرا بأن الشيخ البخاري درّسه مادة الفقه الإسلامي، وأوضح بأن هزل الشيخ البخاري جد، أما جدّه فلا أحد يستطيع مقاومته، وقال الأستاذ غنام ربيعي بأن الشيخ البخاري كان رفيقا للشيخ غمر دردور والتوهامي صحراوي ومسعود أونيسي.
وفي السياق ذاته أشار غنّام إلى حادثة طريفة وقعت له مع الشيخ البخاري في مادة الإنشاء، حين تعذر عليه القيام بتعبير كتابي بسبب عائق اللغة، وهو الذي لا يعرف سوى الشاوية حينها، ما جعله يعيد له كتابة السؤال ويودع الورقة، بعد أن استفسر الشيخ البخاري عن ذلك، اعترف له بعجزه عن الفهم، فشرح له مغزى السؤال، لكن الذي حصل هو أن كتابته للتعبير الكتابي كان خليطا من جمل بالعربية وأخرى بالشاوية، ما جعل الشيخ البخاري يستنجد بزميله التوهامي صحراوي لمعرفة معاني الكلمات المكتوبة بالشاوية، لكن رغم ذلك فقد أكد غنام ربيعي بأن الشيخ البخاري تنبأ له بمستقبل علمي مشرق، مشيدا في ختام حديثه بوقفة الشيخ البخاري الذي لم يوبخه، بل عرف كيف يحفزه ويقف إلى جانبه.

رفيق دربه صالح سهيل:
الشيخ البخاري لم يتخلف في حياته عن مجامع الصلح

من جهته، أوضح الصديق صالح سهيل، وهو أحد جيران ورفقاء الشيخ البخاري، بأن هذا الأخير كان حريصا على الصلح بين الناس، كما كان كثير التنقل بين البلديات والولايات حتى يكون في خدمة كل من يستنجد به طلبا للنصح أو المشورة أو الصلح على الخصوص، وكشف صالح سهيل بأن الشيخ البخاري كان يعاني من مرض السل منذ صغره، حيث تعرض له خلال فترة تنقله من المريج نحو تونس للدراسة، وقد عالجه طبيب برتغالي، لكن لم يتم بشكل فعال، ما جعل الشيخ البخاري يعاني في أغلب فترات حياته على مستوى الرئة، وأكد صالح سهيل بأن هذا المرض الذي عانى منه منذ الصغر لم يهزمه ولم يثنه عن طلب العمل والنشاط الدعوي، حيث قاوم بصمود حتى توفاه الأجل مطلع شهر أفريل المنصرم.

الحاج محمود بن سبع:
“رافق الحاج لخضر في جمع التبرعات لمسجد أول نوفمبر”

كما قدّم الحاج محمود بن سبع بنبرة صوته التي شدت أسماع الحضور عديد الجوانب التي تخص مناقب الشيخ البخاري، وقال في هذا الجانب “الشيخ البخاري تعرفت عليه في الثمانينيات، كان يجوب ربوع الجزائر رفقة المجاهد العقيد الحاج لخضر لجمع التبرعات لفائدة قلعة الإسلام مسجد 1 نوفمبر وكلية الشريعة بباتنة، كان رفيعا عطوفا، يقابل السيئة بالحسنة، لا يكل ولا يتعب، كان حكيما واعظا ومرشدا، يحث الناس على الخير والتآخي، وكان حريصا على تكريس حلقة تحفيظ القرآن الكريم في مسجد العتيق، أدعوا من هذا المنبر أن يتم إطلاق اسمه على مسجد أو مدرسة قرآنية تخليدا لذكراه، ولم لا يقع الاختيار على مدرسة القيقبة برأس العيون التي وضع لها حجر الأساس”.

الأستاذ لخميسي بزاز:
“أول أموال صندوق الزكاة جاءت على يد الشيخ البخاري”

أما الأستاذ لخميسي بزاز فقد أوضح بأنه تعلم الكثير من الشيخ البخاري رحمه الهك، وقال في هذا الجانب “هو أول رجل يحتضنني، لما توليت لأول مرة زمام مديرية الشؤون الدينية”، مضيفا “العلماء في هذه الأمة، هم بتلك الشواهد العمرانية، هم ذات المدينة، وهم معالم تدل على شيء في باتنة وبقية ولايات الوطن، فالعلماء يمثلون روح العمران وهوية المنطقة وروح انتسابها، لأنّ الذين مروا على باتنة يمثلون هذه المعالم، والشيخ البخاري منهم، عملوا بصدق فرفع الله شأنهم”.
وقال المتدخل في شهادته إنّ الشيخ البخاري يمثل المرجعية الدينية الوطنية، دافع عنها بصدق، كان يؤمن بالنسق العام الذي أجمع عليه الجزائريون، له نظرة ثاقبة للناس، وهو من طينة الذين يرون بنور الله، قمة في التواضع، وهو كبير في السن، كان في الصفوف الأولى خلال افتتاح صندوق الزكاة، كان يسير بين الناس لشرحه أمام الناس، لا يجد أدنى حرج، وقد كانت أول 10 ملايين على يد الشيخ البخاري”.

صديقه في التعليم الأستاذ عمر مذكور:
“كان المدرّس الجزائري الوحيد في معهد التعليم الأصلي”

كان للأستاذ عمر مذكور علاقة مع الشيخ البخاري، حين كان طالبا، أو بعدما أصبح زميلا له في معهد التعليم الأصلي بباتنة، حيث يقول في هذا الجانب: “تعرفت على الرجل سنة 1967، حين قدمت من الجزائر العاصمة التي درست فيها السنة الثانية والثالثة متوسط، وقد تحوّلت إلى معهد باتنة بسبب ظروف عائلية لدراسة السنة الرابعة متوسط، لم أدرس عند الشيخ البخاري لكن عرفته كأستاذ في المعهد التعليم الأصلي، انتقلت رفقة كوكبة من الناجحين إلى قسنطينة لمواصلة الدراسة، لكن الشيخ دردور عمل جاهدا لفتح ثانوية التعليم الأصلي في باتنة، وهو الذي حصل، حيث نلنا البكالوريا في المعهد، كان الشيخ البخاري هو الأستاذ الجزائري الوحيد في معهد التعليم الأصلي، حيث أن بقية الأساتذة من تونس والمشرق، بعد تخرجنا شجعنا الشيخ دردور والبخاري لتأطير المعهد، وقد كنا ثمانية، بعضنا عمل في التدريس والبعض الآخر في الإدارة، وأنا توليت منصب مراقب عام، وقد كان البخاري طائرا متنقلا بين التدريس والعمل في الإدارة كمساعد للشيخ دردور، ناهيك عن أعماله في مجال الإمامة والتدريس وغير ذلك، كان رجلا فاضلا عالما، ناهيك عن شخصيته وكفاءته، وكان خير سند للشيخ دردور في إدارة شؤون معهد التعليم الأصلي بباتنة”.
وكشف المتحدث أن فرصا مهنية أتيحت للشيخ البخاري في قطاعات أخرى، لكنه اختار الشؤون الدينية، وقد “عملت معه 5 سنوات، وعرفت فيه الكفاءة والإخلاص في العمل، والروح المرحة، كما عملت معه فيما بعد في نظارة الشؤون الدينية، بعدما تحوّلت كإطار في ولاية باتنة”.

إمام مسجد النور في باتنة سليمان ثابت:
“تعلمت من شيخي الحكمة والحلم والتواضع وكل أخلاق العلماء”

وقال الشيخ سليمان ثابت، إمام مسجد النور بالشمرة في باتنة عن الشيخ محمد بن البخاري معلم، بأنه عرفه معرفة شخصية مطلع التسعينات حين توظف في قطاع الشؤون الدينية مع بداية المحنة التي عاشتها البلاد، وكان يومها مسؤولا بالقطاع، مضيفا بأنه تعلم من خلال بعض المواقف معه ومجالسته في عديد من مجالس الصلح، الحكمة والحلم والأناة وبعد النظر والتواضع، وكل أخلاق العلماء، وأضاف قائلا “لقد أشعرني بما كان يكنه لي من ود بأنه أبي حقا وبلغ من احترامه وتقديره لي، حين التمسَ مني صدق الصلة بيننا، أنه إذا آتاه من يستفتيه أو يعرض عليه مشكلة من أبناء منطقة الشمرة يقول له لن أفتيك، اذهب إلى الشمرة عندنا فلان لماذا تأتون هنا وهو عندكم هناك، بل تشرفت بأن قبلني حكمًا مرتين بينه وبين بعض الخلق ممن لم يعرفوا قدره، ونزل على ما اقترحته عليه من حلول”، مضيفا “شيخنا البخاري صاحب فضل على الجميع ولن تسع الحديث عن فضله ومناقبه كلمات عابرات قليلات، ولا نملك إلا أن نسأل الله أن يتغمده برحمته الواسعة وأن يعوضنا عن فقده خيرا وأن يجعلنا من حسناته حتى نلحق به إلى الرفيق الأعلى”.

الأستاذ عبد الحميد مهدي:

“كان همّه الشباب يحفزهم على حفظ القرآن”

نوّه الأستاذ عبد الحميد مهدي بخصال الشيخ البخاري، مؤكدا بأنه تعرف عليه مع نهاية السبعينيات ومطلع الثمانينيات، وقد شرفه بكتاب مقدمة لمخطوط حرره أيام الجامعة ورأى النور بعد ذلك، عنوانه “أمة القرآن”، وقال الأستاذ عبد الحميد مهدي بأن الشيخ البخاري كان يهتم بالشباب، ويشجعهم على طلب العلم وحفظ كتاب الله، كما كان رأسماله التواضع والحكمة والأخلاق الرفيعة، ناهيك عن عمله الدؤوب لتوعية الناس ورفع راية الله في جميع الأماكن والأوقات.

الدكتور عبد الحكيم فرحات:

“أنقذني من التسرّب المدرسي وصنع منّي إمامًا وأستاذا”

أمّا الدكتور عبد الحكيم فرحات من قسم الشريعة بجامعة “باتنة 1″، فقد أكّد بأنه سيظل مدينا للشيخ البخاري، نظير وقفته وعمله الدوؤب في تحفيظ القرآن وتوعية الشباب وتعليمهم دون أن يطلب أي مقابل، وقال الدكتور عبد الحكيم فرحات في هذا الجانب: “قصتي مع الشيخ البخاري كانت مميزة، فهو الذي جنبني خيار التخلي عن الدراسة، بعدما قررت الانقطاع عنها، وجدته في مسجد العتيق يدرس القرآن الكريم بين المغرب والعشاء، بفضله حفظت 30 حزبا بأحكام التجويد، وكان يحرص على تعليمنا بطريقته الخاصة، إملاء وكتابة وتجويدا، كان حريصا على تقديم دروس التجويد والفقه بصفة يومية، والأكثر من هذا يبرمج بعد صلاة الصبح من كل خميس حلقة خاصة يتم فيها تلاوة السور الطويلة مع التفسير، وفي الصيف كان يأخذنا إلى معلم القرآن في حي زمالة، الشيخ البخاري كان يفكر بطريقة أخرى، يحاول أن ينفخ فيك، يعلمك بقسمات وجهه، بفضله تعلمت عدة متون، وبعد كل هذا يحرص على أن تكون الدراسة باللوحة، كل هذا دون مقابل”.

الأستاذ عبد الرزاق وزناجي:

“هو مصلح يغلب عليه الطابع الدعوي أكثر من التعليمي”

خلال الكلمة التي ألقاها الأستاذ عبد الرزاق وزناجي، أوضح أنّ الشيخ البخاري يعد مصلحا وليس معلما، بحكم أنه يغلب عليه الطابع الدعوي أكثر من التعليمي، وقد أشاد وزناجي كثيرا بخصال الفقيد، مشيرا بأن الشيخ البخاري خلّف آثرا كبيرا في النفوس، وساهم في التوعية والتكوين، وستظل حسب قوله بصمة الرجل خالدة، لأنه ساهم في تكوين أجيال تنتفع بها ومنها الأمة.

المفتّش جمال صوالحي: كنا نظنّه المحدّث البخاري من كثرة تداول اسمه!
وقال الشيخ جمال صوالحي، الذي سبق له أن اشتغل إماما ومفتشا في مديرية الشؤون الدينية لولاية باتنة، بأنه عرف الشيخ البخاري وهو طالب في الطور المتوسط، وقال الشيخ جمال صوالحي في هذا الجانب “كنا سابقا لا نسمع سوى مقولة رواه البخاري وقاله البخاري، وإذا بي أرى البخاري، حيث خصني عام 1992 بالترسيم في مسجد بن باديس، أذكر له الكثير من المواقف المشرفة، والتي تدخل في خانة التوعية والتدريس والعمل والهدوء والتواضع والحرص على الصلح، كما أذكر له حرصه على المرجعية الدينية”.

الشيخ محمد معلم البخاري في سطور

– ولد محمد معلم البخاري في 4 أفريل 1931 بمنطقة لمريج بالونزة ولاية تبسة.
– فقد والدته وعمره لم يتعد العامين.
– بدأ حفظ القرآن على يد والده البخاري الذي كان معلما للقرآن الكريم.
– هاجر وعمره 12 سنة إلى منطقة خربة عمالة ماطر بتونس رفقة والده هربا من بطش الاستعمار الفرنسي.
– انتسب لزاوية خربة ماطر حيث أتم تعلم القرآن قبل أن يلتحق بالزيتونة.
– تتلمذ على يد الشيوخ مبروك بن ثابت (الفقه المالكي) ومحمد تموليلي (النحو) محمد الباكوري (علوم الطبيعة) وحسين البجاوي (الرياضيات) محمد التومي (علم القراءات).
– شارك في النضال الوطني لتحرير البلاد من خلال انخراطه في هياكل جبهة التحرير الوطني في تونس.
– حصل على الشهادة الزيتونية العالمية سنة 1963.
– استقر بمدينة باتنة في العام 1963 تاريخ قدومه إليها للتدريس في معهد التعليم الأصلي (المعهد الإسلامي باتنة)، حيث يعتبر من مؤسسيه الحقيقيين رفقة الشيخ عمر دردور والشيخ توهامي صحراوي ومسعود أونيس.
– تقلد منصب مفتش للشؤون الدينية من سنة 1969/ 1973 بولاية عنابة، ثم عاد للتدريس بالمعهد الأصلي بباتنة ثم تقلد منصب ناظرا للشؤون الدينية إلى غاية تقاعده عن الخدمة سنة 1997.
– مارس الشيخ البخاري عدة مهمات خيرية، منها تأسيس مدارس قرنية لتحفيظ القرآن وتعليمه، كما تولى مهمة الإفتاء وإصلاح ذات البين بالهيئة المشكلة من عدة أئمة ودكاترة شريعة معروفين بباتنة.
– متزوج من ابنة عمه وله ثلاثة أطفال وثلاث بنات.
– وافته المنية يوم 8 أفريل 2018 بعد مرض صدري لازمه منذ الصغر، واشتد به طوال السنتين الأخيرتين، وقد توفيت زوجته قبله بـ 11 شهرا.

من كواليس التكريم

• فضّلت مديرية الشؤون الدينية لولاية باتنة بالتنسيق مع مجمع “الشروق”، إقامة اليوم الدراسي التكريمي للشيخ البخاري في المدرسة القرآنية التابعة لمسجد 1 نوفمبر بباتنة، وقد عرفت المناسبة حضورا غفيرا لطلبة الشيخ البخاري، وكذا الأئمة والعاملين في سلك الشؤون الدينية بعاصمة الأوراس وما جاروها، حيث اعتبر بعض الحضور، بأن هذا الحفل التكريمي يعد الأنجح، بالنظر إلى الحضور الغفير الذي غصت بهم القاعة، وهذا على الرغم من حرارة الطقس وشقة السفر في شهر الصيام والقيام.
• حرصت مديرية الشؤون الدينية ومجمع “الشروق” خلال هذا اليوم الدراسي على أن يتسم بنوع من الديناميكية، من خلال برمجة جلسة عرفت عديد المحاضرات والمداخلات التي قدمها أساتذة ودكاترة من قسم الشريعة بجامعة باتنة، على غرار مسعود فلوسي وشهر الدين قالة، والأستاذ الصادق معلم، إضافة إلى نجل الفقيد، الأستاذ عبد الحميد معلم، وقد سهر على تنشيط الجلسة الأستاذ سليمان ثابت، إمام مسجد النور بالشمرة، فيما تولى تنشيط اليوم الدراسي الأستاذ شملال الذي فسح المجال لعدد هام من الحضور لتقديم شهاداتهم حول مسار وخصال الشيخ البخاري.
• خص مدير الشؤون الدينية لولاية باتنة مؤسسة “الشروق” بكثير من الإشادة والتنويه، بالنظر إلى التقاليد التي كرستها في تكريم العلماء من أبناء الجزائر، معتبرا بأن هذا التقليد يعكس مكانة “الشروق” وحرصها على الاهتمام بأعلام الجزائر، وكل ما يتعلق بهوية وتاريخ الوطن.
• عرف اليوم الدراسي حضور أبناء الشيخ البخاري رحمه الله، حيث حظوا بالتكريم من قبل مجمع “الشروق” ومديرية الشؤون الدينية، وفي مقدمتهم ابنة الشيخ جميلة التي تحصلت على عمرة منحت لها نظير رعايتها لوالدها طيلة فترة مرضه، في الوقت الذي ناب الأستاذ عبد الحميد معلم عن بقية إخوته، بعدما كلف بإلقاء كلمة يتحدث فيها عن مناقب والده الشيخ البخاري بن معلم رحمه الله.
• كان الأستاذ جمال الدين ميهوبي، وهو والد وزير الثقافة عز الدين ميهوبي، ونجل الشيخ محمد الدراجي ميهوبي، مبرمجا لتقديم مداخلة خلال هذا اليوم الدراسي، إلا أنه تعذر عليه الحضور في آخر لحظة، وقد ناب عنه في إلقاء الكلمة الشيخ بوبكر، ومعلوم أن الشيخ جمال الدين ميهوبي سبق له أن اشتغل إطارا في مديرية الشؤون الدينية لولاية باتنة خلال فترة الثمانينيات، كما عمل في العاصمة وبسكرة وسطيف وعديد ولايات الوطن، وهو والد وزير الثقافة عز الدين ميهوبي، ونجل الشيخ محمد الدراجي ميهوبي الذي اشتغل أستاذا وقاضيا في عديد مناطق الأوراس قبل وأثناء الثورة التحريرية، وهذا بعدما درس على يد الشيخ بن باديس ودرّس معه في الوقت نفسه.
• وجد الأستاذ لخميسي بزاز صعوبات كبيرة في إلقاء مداخلته، حيث وقف مطولا أمام الميكروفون قبل أن يجهش بالبكاء ويغادر القاعة، معتذرا من الجميع، ليعود مجددا بعد حوالي نصف ساعة، حين استجمع مشاعره، وسبق للأستاذ لخميسي بزا زان تولي شؤون مديرية الشؤون الدينية لولاية باتنة في سنوات سابقة، وهو نفس الموقف الذي حصل للدكتور عبد الحكيم فرحات حين سرد جانبا من مناقب الشيخ البخاري، على ضوء معايشته له في مسجد العتيق.
• اقترح الحاج محمود إطلاق اسم الشيخ البخاري رحمه الله على أي مسجد أو مدرسة قرآنية، مقترحا أن يقع الاختيار على مدرسة القيقبة لتحفيظ القرآن بنواحي راس العيون بباتنة، خصوصا وأنه زارها وسبق أن وقف على أشغالها.
• أجمع بعض المتدخلين بأن الشيخ البخاري كان أفضل سند للشيخ دردور في تسيير شؤون معلم التعليم الأصلي منذ افتتاحه مطلع الستينيات، وهو أول معهد على المستوى الوطني، حيث أكدوا على حرص الشيخ البخاري على العمل والاجتهاد في هدوء وتواضع، ما جعله بمثابة القاعدة الخلفية لمعهد التعليم الأصلي، ناهيك عن تكريس جهوده في التوعية والإصلاح والفتوى.
• فاجأ إمام مسجد النور بالشمرة الشيخ سليمان ثابت (أبو عقبة الشمري) الجميع، بإلقاء قصيدة مرثية ارتجالية حول الشيخ البخاري، تطرق فيها إلى مناقب الرجل وتضحياته في سبيل العلم والإفتاء وإصلاح ذات البين، حيث عنونها بـ “مرثية بخاري الأوراس”، وهي القصيدة التي استحسنها جميع الحضور، خاصة وأنها كانت عفوية، وجاءت كما يلي:

مرثية بخاري الأوراس

أوراس الجهاديين صبرا على الخطب صبرا **إذ رماك الدهر بفقد ابنك سيد الفرسـان
لقد امتطى صهوة جواد لا يكبو في ركب الدعـ**ــوة المنصور وهو لم يزل من الشبان
يا باتنة صبرا لقد أشجاك فقدُ البخاري وهدك ** على نكبات الدهر رحيل القبطـــــان
سلام على حِلَقِ الذّكْر معطرة حين كانت زمانا ** بصوته صادحات من كل الأركــــان
سلام على المحجبات هن بناته بأرجاء باتنـــة ** يرصـعهن الحياء من أعماق الوجـدان
كان للبخاري وصحبه فضل انبعاثهن رغم أنف ** من تفرنس وتتور زمن العربان الغربان
سلام على كل بلبل صداح بآي القرآن مجودات ** كان للبخاري يد طولى في عشه المزدان
تبكيك يا بخاري المحاريب التي طالما وجهتهــا ** والمنابر حرقة وإن كانت هي من عيـدان
تبكيك مجالس الصلح حين تخلو من وقارك وتلـ ** ـهج ألسنة حضارها دعاء لك بالغفــــران
يبكيك ذووا الحاجات حين كانت تزدحم بهم أرجـ ** ــاء العتيق م دهرا من الإناث والذكران
تبكيك قوافل المسترشدين من عمق أوراس تأتيك ** تنشد ضالتها بها كـــل تائه وحيــران
هنيئا لك بخاري الأوراس إذ سلكت نهج ابن بخا ** رى جـدك فكنت حفيده في الإحســان
سلام عليك من كل فجاج الأوراس ووهاده يتهادى ** عليلا إليــك منها من كــــل الشطـــآن
نسيمه يحمل عبير كل زهرة نبتت في أرجائه تسبح ** بحمد ربها مـــلء فيها كما الرهبان
سلام عليك يا أخا الفضيلة حين زرعتها وتعهدتها ** بالصون من سطــوة بني الصلبـــان
كم لك من أفضال ومكرمات على بني الصحوة تخلد ** ذكـــرك عطرا بين بني الإنســان
لقد بيننا دهرك معلما للآي وها أنت ذا ترحل ياللهول**كما دردور وصالحي يا لكم من فرسان
سيظل أوراس لكم وفيا كما لابـن بولعيـــد والبشير ** ولخضـــر الحـاج وكل ركب الشجعــان
نعاهدكم آباءنا أنا على نهجكم لن نحيد وصيحتنا الله ** أكبر تحيا الجزائر نسمعهـا للطرشــان
يا ربنا جناتك الفيحاء نسألها لشيخنا المبجل ومـن **قبله من حداة الركب مكللة منك بالرضوان
ثم الصلاة والسلام على قائد الغر المحجليــن أبــي **القاسم نبينا صاحب الشريعــة والبرهـان
أبو عقبة الشمري

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
2
  • farid ben

    je suis de batna et je viens d'apprendre le décés du cheikh el boukhari rabi yarahmou lui et les chouyoukh de batna.noubliez pas chikh zemmouri med salah l'imam de la mosquée al atik de batna et l'ami du chikh boukhari et chikh dardour

  • عبد الله

    لقد درس أبي رحمه الله عند الشيخ البخاري و عمر الدردور و كان كثير الدعاء لهم فقد كان لهم الفضل الكبير في تعليمه و حصوله على سلاح العلم الذي سار به في طريق الحياة. و أتذكر أنه حكى لنا أن يوما احتج فيه الطلبة من نوعية الطعام فما كان من عمر الدردور أن أشار إلى أنه يسعى عند المحسنين و التجار من أجل توفيره لهم فقد كانت الجزائر حديثة عهد باستعمار و ينبههم أن الناس سوف يسألونهم غدا: ماذا قرأتم و ليس ماذا أكلتم .اللهم ارحمهم أجمعين.آمين