-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع
"الشروق" كرّمته في حفل بهيج وسط أهله وتلامذته بالجلفة

الشيخ “سي عطيّة”… مفتي أولاد نايل وقاهر الجنرال بلونيس!

الشروق أونلاين
  • 9631
  • 0

في إطار مبادراتها الحضاريّة التي أطلقتها قبل سنوات، لتخليد رموز الإصلاح في الجزائر وأعلامها الأمجاد، حتّى تبقى سيرتهم العطرة نبراسًا ينير درب الأجيال، حطّت مؤسسة “الشروق” للنشر والإعلام، رحالها في مهد العروبة وموطن أولاد نايل الأحرار، حيث احتفت بمسيرة مُفتيها الأول الشيخ المجاهد سي عطية مسعودي، رحمه الله، بمدينة الجلفة، رافعةً إلى روحه الطاهرة “درع العلماء”، إكرامًا لأعماله الدعوية والتربوية، وإجلالاً لجهوده الإصلاحية في تنشئة الأجيال وتهذيب المجتمع، وتقديرا لآثاره الجليلة في نشر العلوم الشرعية، على مدار عقود من التدريس والإرشاد والفتوى.

وبمشاركة واسعة من عائلة الشيخ وتلامذته الأبرار وأعيان المدينة وكبار سادتها المشايخ والأئمة، وفي حضور المدير الولائي للشؤون الدينيّة وكذا مدير الثقافة، فضلا عن مئات المواطنين، أجمع المتدخلون على أهميّة الدور الإعلامي لمؤسسة “الشروق” في التعريف بأعلام الوطن، منوّهين في هذا الصدد بالمنزلة العلميّة الرفيعة للشيخ سي عطيّة مسعودي، ما أهّله للتربّع على عرش الفتوى في منطقة أولاد نايل وضواحيها منذ الاستقلال حتى وفاته، إذ كان مرجعها الأول في الفقه الإسلامي، كما أكدوا على ضلوعه في التفسير وعلوم اللغة.

وفي تدخلاتهم خلال تكريميّة “الشروق”، لفت الجميع إلى الأخلاق الإسلامية والإنسانية العالية التي تميّز بها الرجل في حياته، مع أسرته وطلابه والناس من حوله، فضلاً عن مواقفه الوطنيّة الشجاعة في عهد الثورة التحريريّة ثم مع مسؤولي البلاد بعد الاستقلال.

سيدي عطية…أضواء على السيرة والمسيرة

الشيخ مسعودي عطية الإدريسي الحسني، إمام وفقيه مالكي من ولاية الجلفة، ولد سنة 1900م، يعود نسبه إلى إدريس الأكبر وإلى الحسن السبط ابن سيدنا علي كرم الله وجهه وفاطمة الزهراء بنت النبي صلى الله عليه وسلم، وهو من قبيلة أولاد نائل، حفظ القرآن وعمره لا يتجاوز سبع سنوات على يد أخيه الأكبر العلامة سي الهادي، وأخذ عنه بعض المبادئ في العلوم الدينية، ثم انتقل إلى زاوية الشيخ عبد القادر الطاهري بمدينة الإدريسية، ودرس عنه علم التوحيد والفقه، ثم ارتحل طلبا للعلم في مختلف جهات القطر الجزائري، حيث درس في زوايا بلاد القبائل (زاويتا عين الحمام وسيد علي أوموسى)، ثم عاد إلى الجزائر العاصمة، حيث درس عند العلامة عبد الحليم بن سماية، مفتي العاصمة في العشرينيات، وهو من تلاميذ الشيخ محمد عبده رحمه الله.

مكث الشيخ عطية أكثر من سبع سنوات عند عائلة سيدي محي الدين أولاد الباي، ثم انتقل إلى زاوية الشيخ عبد القادر الحمامي ودرس بها، وبمدينة البليدة درس عند الشيخ بن جلول دفين ثنية الأحد، ثم عاد إلى الجلفة وعمل بالتدريس وكان أول مدرّس في مدرسة جمعية علماء المسلمين الجزائريين، وأثناء الزيارة التفقدية للشيخ ابن باديس للجلفة سنة 1931 م، استمع باهتمام إلى بعض دروس الشيخ عطية وأعجب كثيرا بغزارة علمه وبداهته، وبعد مدة عيّن إماما خطيبا بالمسجد الكبير بالجلفة، وأسندت له قيادة جيش التحرير بالمنطقة مسؤولية الإفتاء والقضاء بين الناس أثناء الثورة التحريرية المباركة، واستمر في القضاء إلى غاية استقلال الجزائر في 05 جويلية 1962، ومن الذين لازموه لمدة طويلة، الشيخ نعيم النعيمي رحمه الله، حيث بقي عنده لمدة سبع سنوات، ومن بين تلاميذه هناك الإمام والمدرس والأستاذ الجامعي وحتى الإطارات التي تعمل في مختلف مؤسسات الدولة الجزائرية المجيدة، ومنهم من اختير أن يكون إماما خطيبا في الدول الأوربية، وبعضهم هم حاليا شيوخ للزوايا.

علماء كبار يشيدون بمنزلة الشيخ عطيّة وفتاواه الفقهيّة

ومن بين من استشهد به من العلماء فضيلة الشيخ محمد متولي الشعراوي رحمه الله حيث قال عن علمه: ليتني كنت فيها جذعا، فعندما كان أحد الأساتذة يلازم الشيخ الشعراوي أثناء تواجده بالجزائر العاصمة، في إطار البعثة الأزهرية حدثه عن الشيخ سي عطية مسعودي، وعدّد له اتساع دائرة معارفه، إذ أخبره عن مواقف العالم الصوفي والأديب الشاعر ومفتي الديار.
وكذا فضيلة الشيخ محمد الغزالي (رحمه الله)، والذي استشهد به في عدة محاضرات بالجامعة الإسلامية الأمير عبد القادر بقسنطينة، وهذه الشهادة رواها أحد خريجي الجامعة وهو من الإدريسية.
وكذلك الشيخ الفقيه العلامة ميان محمد شفيق قاضي خيلي، وهو من كبار الدعاة في ولاية بيشاور بدولة باكستان، حيث طلب في إحدى مراسلاته من الشيخ سي عطية مسعودي أن يقبل دعوته للإقامة بينهم ببيشاور وأن يشرف معه على تجمع كبير للعلماء والفقهاء يدوم 04 أشهر متتالية.

أما فضيلة الشيخ سيدي محمد بلكبير(رحمه الله)، فقد قال بعين دامعة، يوم بلغه خبر وفاة الشيخ سي عطية: “لقد مات ملك الزمان في العلم والتقى والورع وخاتمة الصوفية”.
ومثله فضيلة الشيخ مبارك بن محمد الميلي (رحمه الله)، فقد كان يلقبه بالأديب الفاضل رغم صغر سنه، لما لاحظه عليه من بداهة وقوة زاده المعرفي وقد أيّده في فتاواه.
وقد كان فضيلة الشيخ عاشور الخنقي، (رحمه الله )، وهو الذي تعلم في تونس لمدة عشر سنوات ودرّس في المدينة المنورة، يستشهد بالشيخ سي عطية في كتاب المنار الذي ألفه وذكر فتاوى الشيخ رحمه الله، ومثله فعل فضيلة الشيخ عبد الرحمن الديسي، في كتابه الذي كتبه عمر بن قينة.

مواقف الشيخ “سي عطيّة” مع وفد بومدين والمسؤولين

لقد أصبحت مواقف الشيخ مسعودي مضرب المثل لما يتميز به من إخلاص وصدق وصدع بكلمة الحق، حتى في أصعب المواقف، إذ يُروى أنّ أحد المسؤولين قال له يوما: لماذا نرسل إليك ولا تأتينا؟ فقال له الشيخ على الفور، لقد رأيت من هو أعظم مني ومنكم يرسل إليكم خمس مرات في اليوم ولا تأتونه، فلماذا تطلبون مني الإتيان إليكم؟ أتريدني أن أكون من شرار العلماء؟ حيث قال الحسن البصري رضي الله عنه، شرار العلماء الواقفون عند باب الأمراء، وخيار الأمراء الواقفون بباب العلماء.
وسئّل عن الربا هل هو حرام؟ فقال لسائله بغضب وانفعال، تضعون الجمر في أيديكم وتسألونني إن كان يحرق أم لا؟ إنكم تسخرون مني بطرح هذا السؤال.
كما سألته إحدى اللجان الرسمية التي أرسلها الرئيس بومدين في الستينيات، ما قولكم يا شيخ في تحديد النسل؟ فقال: أنا ليس لي قول، إنه قول هذا الكتاب وكان يحمل نسخة من القرآن الكريم، لقد قال في صريح الآية (يهب لمن يشاء إناثا، ويهب لمن يشاء ذكورا أو يزوجهم ذكرانا وإناثا ويجعل من يشاء عقيما) هذه مشيئة الله وغير هذا هو تحد لهذه المشيئة، فاختاروا لأنفسكم ما يحلو لها.

مؤلفات وآثار الشيخ سيدي عطيّة مسعودي

ترك وراءه رحمه الله مكتبته الخاصة التي تحتوي على أكثر من ألف عنوان، وبعض المؤلفات المخطوطة التي تنتظر الطبع، ومنها باقة من الشعر، مجموعة أحاديث نبوية شريفة، فتاوى شرعية في الفقه المالكي، إنجاز شجرة الأنساب لأولاد نائل، والتي تطلبت منه البحث لأكثر من 9 سنوات.
وقد صدر للشيخ كتاب بعنوان آداب وسلوك من تقديم نجله يحي بدعم من المجلس الشعبي الولائي بولاية الجلفة آنذاك، والذي تكفل بطباعته سنة 2000 .
وقد انتقل الشيخ سي عطية إلى جوار ربه يوم 27 سبتمبر 1989، تاركا وراءه فراغا رهيبا بين أبناء عشيرته أولاد نائل وفي ولاية الجلفة وما جاورها، بل وعلى الصعيد الوطني، ودفن بمسقط رأسه في جو مهيب حضره عشرات الآلاف من المشيعين، وسيرته مصنفة ضمن موسوعة أعلام وأدباء الجزائر في منشورات دار الحضارة، كما تناول الكاتب محمد بن اسماعيلي نبذة عن حياته في كتابه مشايخ خالدون وعلماء عاملون.

الأستاذ حامدي سعد:
هكذا قبّل شيخ أزهري رأس سي عطيّة بعد جواب كاف!

قال الأستاذ حامدي سعد، وهو نجل المرحوم عبد الحميد الزبدة الذي درس عند العلامة سي عطية مسعودى، إنّ الشيخ عالم من طينة الكبار، كما شهد له بذلك علماء عصره في وطنه وخارجه، فقد حفظ كتاب الله في سن مبكرة، حيث لم يتجاوز التاسعة من عمره، كما حفظ أمهات الكتب عن ظهر قلب، مثل صحيح البخاري وصحيح مسلم، وكتاب إحياء علوم الدين لأبي حامد الغزالي وغيرها من الكتب، كما أن له أزيد من ألف بيت شعري.
وأضاف حامدي أنّ سي عطية، رحمه الله، كان درْسًا يمشي، إذ ينتقل للبوادي يقدم الدروس لأهاليها، فضلا عن دروسه اليومية في الجامع الكبير وسط مدينة الجلفة، كما كان بيته مقصدا لكل محبيه والذين يقصدونه للفتوى، فكان يكرمهم أيّما إكرام رغم بساطة حاله.
وأوضح المتدخل أنّ الشيخ سي عطية يتميّز بعقل راجح فكان صاحب ردود سريعة ومفحمة، وكمثال على ذلك، فقد سأله أحدهم: كيف لملك الموت أن يقبض عدة أرواح في نفس اللحظة رغم تواجدهم في أماكن متباعدة؟! فضرب له الشيخ مثالا بسيطا بالعامل المكلف بمصلحة الكهرباء لو أنه ضغط على قاطع الكهرباء هل تعرف أي المصابيح تنطفئ أولا، معلّقا: هذا من صنع بشر ضعيف فما بالك بقدرة الصانع القادر، فأنبهر السائل.
وذكر المتحدث أنّ وفدا من الأزهر الشريف زار الجلفة، فحضر درسا للشيخ حول السيرة النبوية، فأراد أحدهم أن يختبره، فسأله: لماذا ذكر العدد 46 بالذات في حديث الرؤية الصالحة على أنها جزء من 46 جزءا من النبوة، فأجاب سي عطيّة: إذا كانت مدة الإرهاصات ستة أشهر مضروبة في اثنين فهي عام واحد، فإنّ مدة النبوة 23 مضروبة في 2 تساوي 46، فما كان من ذلك الأزهري إلاّ أن قبل رأس الشيخ سي عطية بعدما أعطاه الجواب الكافي.

الباحث الجامعي الدكتور مصطفى داودي:
هكذا أفحم الشيخ رهبانا مسيحيين بفضل محمّد علي عيسى!

كما تناول الدكتور مصطفى داودي من جامعة الجلفة درجة الذكاء التي كان يمتلكها سي عطية مسعودي رحمه الله، خصوصا الفتوى، حيث تطرق في تدخله أمام الحضور للفتاوى التي استعمل فيها الرجل الذكاء والعقل، مشيرا أنه تميّز فيها ببراعته الكبرى إلى حدّ الإبداع، مؤكدا بأن الشيخ قد أعطانا نموذجا لمن يريد أن يتخيل ويتصوّر العلماء والفقهاء الأوائل في التعلم والتأدب والسمت والتعامل والعطاء العلمي.
مضيفا أنّ القارئ لسيرته، يجد بالإضافة إلى تميزه بشروط الوجوب، فإنه كان على قدر كبير من العلم وامتلاك مفاتيح الاستنباط الفقهي، والدراية بأحكامه، أما جانب التميز والإبداع في الفتوى الذي تميز به بين أقرانه الفقهاء في الوطن بل وزيادة، فهو استعمال آلية منحة العقل في الفتوى، ومن ذلك “حكي أنه وهو في طريقه أثناء رحلته العلمية إلى بلاد القبائل، وفي أحد الأسواق صادف راهبا يوزع كتب الإنجيل على الناس وهم ملتفون حوله ومنبهرون بما كان يقول لهم من أن عيسى بن مريم حيّ، ومحمد بن عبد الله ميّت، وأنّ الحي أفضل من الميت وأحق بالاتباع، فعيسى إذن أفضل من محمد صلى الله عليه وسلم حسب زعمه، فقال له الشيخ بنباهة عقل وسلامة منطق: هل والدتك حية؟ فأجابه الراهب: أجل أيها الشاب، فقال له الشيخ على الفور: إذن فأمّك أفضل من السيدة مريم، عليها السلام، ما دام الحي أفضل من الميت عندك، فلم يجد الراهب جوابا وانصرف خائبا مخذولا”.

وفي حادثة ثانية، قال الأستاذ داودي إنّ ثلاثة رهبان مسيحيين جاؤوه بعد الاستقلال طالبين محاورته في أمور الدين فلم يعارض المرحوم، وإنما قال لهم: آمنا بما أنزل إلينا وما أنزل إليكم، فقال أحدهم هل يعارض ما قاله الله تعالى في كلامه بالأمس مع ما قاله اليوم؟ فقال الشيخ: كلام الله صادق لا يتعارض ولا يتناقض، وإنما قوله الحق المبين، فقال أحد الرهبان: وما الضير أننا نتبع نحن السيد المسيح وتتبعون أنتم نبيكم محمد (عليه الصلاة والسلام)، فرد الشيخ ببداهته المعهودة: من هو رئيس الدائرة الحالي؟ فقالوا له اسمه فلان، فقال لهم من هو رئيس الدائرة السابق فذكروا له اسمه، فقال لهم: إذا أرسل لنا كل من الرئيس السابق والحالي فلأمْر أيّهما نستجيب؟ فقالوا: لرئيس الدائرة الحالي، فقال هكذا تكونون قد أجبتم أنفسكم، ففهموا مقصده واستأذنوا بالانصراف.
كما ذكّر الباحث الجامعي في مداخلته بفتوى أخرى سئل فيها الشيخ عن بلوغ الصدقة للميت، فأجاب فيها سائله: لو أننا أعطيناك رسالة لتضعها في البريد فهل تفعل؟ فأجابه سأفعل ذلك، فقال له الشيخ: أنت متأكد من أنك لن تهملها في أثناء الطريق، فقال له بالتأكيد ؟، فقال له على الفور: عندما نحمّل الله صدقة ليبلغها لفلان فهل نشك في أنه لا يفعل، فكذلك الصدقة للأموات.

حفيد سي عطية مسعودي الأكبر:
جدّي كان يطعم القطة نصيبه من اللحم في كل وجبة!

أمّا الأستاذ محمد مسعودي، حفيد العلامة سي عطية، فقد تناول الجوانب الإنسانيّة في شخصيّة جدّه، منها تعامله مع الأسرة والمجتمع، بفعل المعاشرة له سنوات طويلة في المنزل العائلي، مؤكدا في هذا السياق ”أنّ تعامل الشيخ، رحمه الله، كان في منتهى العطف والإحسان والرحمة بأبنائه وأحفاده وأسرته، منوّها أنه كان لا يغضب ولا يعنّف أي فرد في الأسرة مهما كان تصرفه، بل يتعامل معه بالحكمة واللين والهدوء والنصيحة.
وأضاف في شهادته ”كان يؤلمه ويزعجه بكاء الأطفال فلا يهدأ له بال حتى يعرف سبب البكاء، ويأمر بحلّ أي مشكلة تسبب لهم البكاء، قائلاً ”كنت حفيده الأول، حيث غمرني بالعطف والرعاية، وتعلق بي أيما تعلق حتى أنني أتناول معه دائما وجبة الغداء والعشاء، وينتظرني إذا تأخرت، ويلح في حضوري معه”، كاشفا أنه ”كان يعطيه يوميا مبلغا من المال لشراء بعض الحلويات عند ذهابه إلى المدرسة”.
بل إنّ عطف الشيخ سي عطية شمل الحيوان كذلك، فقد كانت له قطة يطعمها دائما من نصيبه من اللحم كلما تناوله في غداء أو عشاء.
وعن تعامله مع بقيّة الناس، قال حفيده الأول إنه “كان يعامل الجميع معاملة حسنة، فيستقبل أي شخص دون التفريق بين الأشخاص من حيث القيمة الاجتماعية أو العلمية أو المادية، بل يهتم بكل إنسان ويستمع ويجيب على تساؤلاته وطلبه”.
كما كان يزور معارفه في المناسبات، كالحج والعمرة والزواج وغيرها، حتى أنه يسأل عن كل مريض يعرفه فيزوره ويتبع الجنائز ويعزي أصحابها.
وكان رحمه الله يزور البوادي والمداشر والقرى والمدن ناصحا وموجها وداعيا ومفتيا في كافة قضايا الناس وانشغالاتهم، مؤثرا زيارتهم على مجيئهم إليه، لأنه يرى أن الناس لهم أعمالهم ومشاكلهم. كما عاش دائما ساعيا إلى الصلح بين العائلات والقبائل أو العروش والمتخاصمين، فلا يهدأ له بال حتى يحل الإشكال أو النزاع خاصة نزاعات الأراضي.

تلميذه محمد شراك يروي بطولاته الثوريّة:
هذه قصّة سي عطيّة مع الجنرال بلونيس وجنوده

أمّا تلميذه محمد شراك فقد آثر في شهادته أن يتحدث عن المسار الوطني الثوري للشيخ سي عطيّة، فقال إنّ الجنرال بلونيس، قد بعث له ذات يوم، وهو في أوج غطرسته واستبداده واستخفافه برجال الدين وحبه لسفك الدماء، بعث له أحد ضباطه مصحوبا بأحد الجنود وهما مسلحان، فاقتحما مقصورة الجامع التي كان يدرّس فيها حتى يشيع الخوف والذعر فيمن وجدهم حوله يستمعون إلى دروسه، وقال بلهجته المتعجرفة، من هو الإمام عطية؟ فقال له أحدهم هذا هو الشيخ الذي أمامك، وأشار إلى الشيخ سي عطية الذي كان يتوسط المجلس فقال له على الفور إن الجنرال محمد بلونيس يأمرك أن تلقي خطبة هذه الجمعة فتشيد به وبحاشيته وتشتم بالمقابل جبهة التحرير وإلا سنفعل الواجب وهو يلوح بسلاحه، فقال له الشيخ تغمده الله برحمته: كم عمرك يا ولدي؟ فقال له عمره 28 سنة، فقال له الشيخ ببداهته المعهودة: أنت عمرك 28 سنة ولا تعرف إن كنت على خطأ أو صواب، ومع ذلك تضحي بنفسك: فكيف لا أضحي بنفسي وعمري يقارب الستين سنة وأعلم علم اليقين أنني على صواب، إسمع مني وأخبر بلونيس: إن كنتم تدافعون عن الإسلام وتحرير الجزائر، فأنا أدعو الله في كل صلاة اللهم انصر الإسلام والمسلمين، أما غير ذلك فلا أعطيك شيئا، الدين مثل الكف والأحزاب مثل الأصابع، فالأصبع هي التي ينبغي لها أن تعود إلى اليد وليس العكس، قل للذي أرسلك سوف لن تسمع مني غير هذا، أفعل ما بدا لك، فخرج الضابط ورفيقه في حالة هيجان وثورة وغضب، وبعد أيام حضّر بعض الرجال الأبطال من جبهة التحرير كمينا تمكنوا فيه من قتل بلونيس.

محمد بوخلخال، من تلامذة سي عطيّة:
الشيخ رفض نداء الحاكم الفرنسي على كلام الله!

ومن بين الشهادات حول سي عطية مسعودي، قال تلميذه سي محمد بوخلخال “كان الشيخ يقرأ القرآن في بيته، وإذا بالحاكم الفرنسي يطلب منه الخروج إليه، فلم يجبه، وبعد وقت معين، خرج الشيخ إليه فقال الحاكم: عليك غرامة 4 دورو، وأراد توبيخه، فأجابه الشيخ: هل هذا الحكم فيه عدل وإنصاف أم أنه أمر عسكري لا يمكن مناقشته، فقال الحاكم: لا.. نحن نمثل العدالة الفرنسية، فردّ عليه سي عطيّة: إذا كنت تتكلم مع من هو أعلى مرتبة منك هل تتركه وتستجيب لغيره؟، فقال الحاكم لا ليس من الأدب والاحترام، فقال له الشيخ: إذن أنا كنت أتكلم مع ربّي عز وجل فبهت الحاكم الفرنسي وسكت.

الباحث و الإعلامي حفناوي غول:
“على العائلة تحرير أرشيف العلاّمة سي عطية”

قال الإعلامي حفناوي غول إن مؤسسة “الشروق” شرفتنا بتذكر شيخ من أعلام أولاد نايل، وبالمناسبة طرح نقطتين هامتين لم يتطرق لهما كل من تحدث، وهما ضرورة فتح أرشيف العلامة سي عطية والإفراج عن مخطوطاته ورسائله ومؤلفاته، خاصة منظوماته الفقهية التي قاربت الألف، ذلك أنّ الشيخ يعتبر حافظة لجميع المنظومات والمتون وجسد ذلك في نصائح وتوجيهات كثيرة، فمازالت خزانته مغلقة.
أمّا النقطة السلبية التي أثارها المتحدث فهي أنّ الشيخ وتراثه ومؤلفاته ليست ملك للعائلة، كما أن الدراسات الجامعية قليلة في حقه رغم مكانته العلمية.
وتطرق غول إلى علاقة الشيخ عطية بأعلام عصره من أقرانه، إذ أنه أثّر وتأثر بهم، وكان له علاقة مباشرة مع المشاهير منهم، خاصة الشيخ الديسي، الذي كان يبادله الزيارة، وله تقريظ في 16 بيتا على ديوان “منة الحنان المنان”، الذي قرضه الشيخ عطية.

كما تناول علاقته مع الشيخ العبيدي، الذي أجاز الشيخ عطية، وكان يزوره بالجلفة، ويلقي الدروس في المسجد العتيق، ومنه سمع عنه أعلام المدينة المشتهرين، وقد كان عطية معجبا بنظم العبيدي الموسوم بالنصيحة العزوزية في نصرة الأولياء والصوفية التي قرظها ابن باديس. ومن المراسلات مع العبيدي عندما أرسل له مؤلفا للشيخ بن عاشور يؤيد فيه السدل في الصلاة على القبض، فرد عليه عطية بأبيات من الشعر.
كما كان للشيخ عطية، وهو من رجال التصوف والطرق، علاقة مع رجال الإصلاح وجمعية العلماء المسلمين، يتبادل معهم الزيارة والرسائل وعلاقة مباشرة مع الشيخين نعيم النعيمي وابن باديس، هذا الأخير الذي التقاه سنة 1933 في زيارته للجلفة، واقترح عليه الشيخ عطية عنوان الدرس.

وفي الأخير، ذكر غول أنّ الدكتور عمر بن قينة قد زار الشيخ عطية عدة مرات، وأخذ منه عديد الأعمال، كمصادر ومراجع لدراسته في الدكتوراه حول “الشيخ الديسي حياته وآثاره”، لكن للأسف الشديد في ترجمته للشيخ عطية على هامش نصوصه ذكره في سطر فقط، معتبرا ذلك إجحافًا كبيرا في حق عالمنا المحتفي به.

أما الأستاذ الأديب عبد الرحمان لخنش فقط آثر أن يلقي كلمته بالمناسبة شعرا بديعا فقال:

الحـرف يـطـرب إذ يــــؤم الأروع ويـتيـه يـــفخر كـي يـضم الأورع
يـا حبــذا المعـــراج شــد ركابــه حيـن امتطاهـا الصافنات الأمتــع
من وحل هذي الأرض من أغلالها شدوي سأسلمه الرحيب الأوســع
إني استعــرت جنـاح إذن خفــوقها مـن فــرقـد حتـى تظـل الأسطــع
كــوني على الإجحاف أية مبـعث لا كـنت لـي إن لم تكوني الأودع
تيهـي حجى فــاليــوم يـوم عطيـــة إنا نـنــاجي عطيــة ذا الألمــع
مـازلت فـينـا مـاضيـا امــا اغـتنـى سر الحضور وقد غـدوت الأرفع
يـابــن العمـومـة والخـؤولة والارو مة كلها كن لي العطوف الأسمـع
مــابيـن أظهرنــا تــرنــح مـغــدقــا لم نعرف الفضـــل العميم الأنفـع
يـاديــمـة حبلـى أضـعـنــا افــقــهــا أسفــي فــإنا قـد سلونـا الأشــرع
نـهـرا الشـريعـة والحقيقــة اتــرعـا إنا الظمــــاء وما وردنــا الأتـرع
مـــا أبشــع النـكـران مـد ضلا لــه ومضى الخـدين لشيخنا والأوجع
لا تـفـتــروا فــالله يـشهــد فــعــلنــا كم ذا زهدنـا كم غـمطنا الأبـرع
قــدر مــع الأحيــاء كــــان تـعـلـــة فغدا الطعام كـذا الشراب الأجمـع
لا تـعـذلــوا حــرفــا تـذمــر شاكيـا أولـى بمثـلـي أن يكــون الأدمـــع
أمـــن المــروءة أن نهيــن كبـارنــا ونلـج نـمدحــه الوضيـع الأوضع
مــن أبـــدع التـــكريـــم يعلي شانه فمدى المكــرم قـد عرفنـا الأبـدع
هي جـلفــة التحنــان تــلبس امسهـا مرحى بهــا تـدني الحبيب الأولـع
من كــان فــيهــا عــالمـا ومــربـيـا ويــروم معتقـــدا يـظــل الأشـيـع
مــن أودع الســر المـكـين حمـلتــه حتـى يــلاطف غــرنــا والأجـذع
فـرؤى البصيرة عشتـهـا مـتـحلمــا أدنيـت قــاصينـا البعيــد الأقطـــع
أدركــت بــالفقــه العميــق مــثالبــا راعت حمـا قتهــا العصاة الأفزع
كـم ذا نــزلت قــلوبـنـا وقــلوبـهـــم ما أعظـم الرجـل الحلـيم المـرجع
مرحى عــطيــة ربـنــا يــامــرهـمـا لسقـامنـا هــا قـــد ظللت الأنـجع
ماجت بنــا كــل العــواصف عنـوة كــنت السكيـنـة والحــداء الأقنــع
الآن تـكبــر يــانــزيــــل عــمـقينــا معنــاك خطــر لايــروع الأتــبـع
كـم أجهد التـرحــال حسك موجعا لــم تلتفت مهمــا سلبت الأخــــدع
وكــذاك داب العــارفيـــن يشــدهـم نــحـو المـــاب لمـــا راوه الأمنـع
يـلقــاك بالتـرحـاب جـدك مصطفى هــذا يقينـي أن تــلاقــي الأشــفــع

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!