-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

الصيام أو الجزية.. آخرُ اختراعات أمين الزاوي!

الصيام أو الجزية.. آخرُ اختراعات أمين الزاوي!
ح.م

يشن “التنويريون”، دعاة العقل المستنير حربا شعواء على الفكر الإسلامي ويتهمونه بنشر ثقافة التكفير ومعاداة التنوير، ونقرأ ما يكتبون في هذا المجال فلا نجد فيه دليلا عقليا واحدا على صحة هذه الاتهام إلا أفكارا مقتبسة أو مختلَسة بالأحرى من هنا أو هناك ينقض بعضُها بعضا، فمشكلة كثير من التنويريين أنهم “إطلاقيون” لا يجيدون ثقافة التمييز ولا يفرِّقون بين الفكر الإسلامي الأصيل القائم على هدي القرآن والسنة واجتهادات علماء الأمة والفكر الدخيل الذي يلبس لبوس الإسلام ويدَّعي وصلا به وما هو من الفكر الإسلامي في شيء.

ليس من الحُكم العقلي ولا من الفكر التنويري أن تحكم على فكر ما دينيا كان أم فلسفيا أم اجتماعيا أم سياسيا أو غير ذلك من خلال شطحات بعض المنتسبين إليه، وليس من العلمية ولا من الموضوعية أن تجعل بين ثقافة التكفير والفكر الإسلامي نسبا فهذا الفكر –حتى بشهادة المفكرين الغربيين المنصفين -يحمل في طياته كل مقومات الفكر الحر الرافض لثقافة كهنة المعبد التي انتشرت في القرون الوسطى ولا تزال بعض آثارها قائمة في هذا العصر رغم نداءات تحرير العقل من أوشاب الخرافة التي دأب عليها بعض المتدينين ردحا طويلا من الزمن.

شيطنة الفقه الإسلامي والفكر الإسلامي حقيقة نلمسها في كتابات الروائي أمين الزاوي حتى وإن حاول هذا الأخير وعلى طريقة الروائيين إخفاء هذه الحقيقة بركام من أساليب التورية وادعاء أن خصومته الفكرية ليست مع الفقه الإسلامي والفكر الإسلامي وإنما مع فئة فقهية وفكرية بعينها مارست كما يقول المتاجرة بالدين ونصبت نفسها ناطقة باسم الإسلام وكأنها تملك تفويضا إلهيا في هذا الشأن، فهذه الفئة الضالة المضلة ينبذها الإسلام والمسلمون ولا مكان لها في ميزان الفقه والفكر ولا نحتاج إلى وصايا أمين الزاوي لتحذرنا من خطورتها وتبصرنا بحقيقتها.

إن نصوص الإسلام صريحة في تقرير حرية التفكير وحتى حرية الكفر، ومن ذلك قوله تعالى على لسان نوح عليه السلام “أنلزمكموها وأنتم لها كارهون” وقوله تعالى مخاطبا نبيه صلى الله عليه وسلم: “فذكر إنما أنت مذكِّر لست عليهم بمسيطر” وقوله تعالى موجها خطابه للكافرين: “لكم دينكم ولي دين”.

كتب الروائي أمين الزاوي في مقال له نشر بصحيفة “العرب” بعنوان “التكفير.. مخدرات ضد العقل وثقافة التنوير” عن حرية الصيام أو الإفطار مكتفيا في ذلك بالإشارة إلى أنصاف الأدلة التي ساقها “سعيد جاب الخير” في نقاش تلفزيوني بقناة “البلاد” الذي قال مدافعا عنه إنه “ضحية الفكر المنغلِق الذي تمثله قوى التكفير والخلايا الإرهابية التي تحجر على الرأي الآخر وتحاربه بشتى الوسائل”، ونحن نقرّ من جهتنا بأنه من حق الزاوي ومن حق جاب الخير التعبير عن رأيهما واختيار معسكرهما الفكري، ومن حقهما أكثر من ذلك موالاة فلان أو معاداة علان، على هذا الأساس إن كان هذا من لوازم إيديولوجيتهما الفكرية، ولكننا نقرُّ في المقابل بأن دعاة الفكر الإسلامي الحقيقي الوسطي يمقتون الإرهاب الفكري ولا يتوانون عن محاربته بكل الوسائل لأنه يتناقض مع تعاليم الإسلام في الدعوة إلى ممارسة الحوار العقدي والفكري الهادئ بعيدا عن كل أشكال الإرهاب الفكري الذي يمس بالحريات الفردية وفي مقدمتها حرية الرأي وحرية الاعتقاد.

لفت نظري في مقال أمين الزاوي مصطلح “الجزية” التي تعني في فكر الحداثيين والتنويريين ضريبة إلهية أو شكلا من أشكال الإتاوات المالية التي شاعت في بعض النظم السياسية كنوع من الإكراه المالي غير المستحق، يقول: “.. في واحدةٍ من النقاشات التلفزيونية الأخيرة عن ظاهرة الصيام: هل هو اختياريٌّ أم إجباري في الإسلام؟، طرح الأستاذ سعيد جاب الخير رأيه الذي استقاه من النصِّ القرآني ومن التراث الإسلامي والذي يرى بأن “الصيام ليس إجباريا في الإسلام”، بدليل أن المسلمين الأوائل كان بعضُهم لا يصوم ويدفع مقابل هذا الإفطار جزية من المال أو الأكل للفقراء والمحتاجين”.

مما نعلمه ويعلمه كثيرون من فقه الصيام أن الإطعام رخصة إلهية استثنائية لأهل الأعذار وأن ما يدفعه المُفطر بعذر لا يذهب إلى جيب السلطان ولا إلى حساب أيِّ جهة سلطانية بل يذهب إلى الفئات الفقيرة والأفواه الجائعة، ومن ثمّ فإن وصف الإطعام بأنه “جزية؟!” هو استخفافٌ واضح بفقه الصيام مع سبق الإصرار والترصد.

القول إن “الصيام ليس إجباريا في الإسلام” والقول “إن المسلمين الأوائل كان بعضهم لا يصوم ويدفع مقابل هذا الإفطار جزية من المال أو الأكل للفقراء والمحتاجين” ثم الادِّعاء بأن هذه الأقوال مستقاة من النص القرآني ومن “التراث الإسلامي” هو دجلٌ فكري قولا واحدا وهو ديدن جماعة “ويلٌ للمصلين” التي تقطع النصوص من دابرها وتفصلها عن سياقها. إن الصيام عبادة مكتوبة وليس عبادة اختيارية تؤدَّى على سبيل الاختيار إلا في الحالات الاستثنائية المنصوص عليها وفقا لقاعدة: “وما جعل عليكم في الدين من حرج” ولكن متى زال العذر زالت الرخصة.

لقد ذمَّ القرآنُ الكريم بني إسرائيل لأنهم كانوا يؤمنون ببعض الكتاب ويكفرون ببعض، واليوم خرجت علينا جماعاتٌ تنويرية انتقائية تنتقي من النصوص ما يوافق فكرتها ويؤيد رأيها كما فعل سعيد جاب الخير عند حديثه عن الصيام ووافقه على ذلك أمين الزاوي، فقوله تعالى: “وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين” قد جاء –كما يقول البلاغيون والمفسِّرون- استثناء على أصل وليس هو الأصل حتى يُبنى عليه حكمٌ مطلق بأن “الصيام ليس إجباريا في الإسلام” هكذا بسذاجة ظاهرة ومغالطة سافرة، يقول الله تعالى: “يا أيها الذين آمنوا كُتب عليكم الصيام كما كُتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون أياما معدودات فمن كان منكم مريضا أو على سفر فعِدَّة من أيام أخر وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين”.

يتحدث أمين الزاوي في مقاله سالف الذكر عن”التكفيريين الذين يؤمنون بأنهم نوابُ الله في هذه الدنيا، يقومون مقامه وكأنه عاجزٌ عن الحكم على الناس وتصنيفهم بالإيجاب أو بالسلب “، ونوافقه الرأي بأن هؤلاء فئة منبوذة بكل المقاييس، ولكن المفارقة أن الزاوي يحذر من هذا السلوك المشين ثم يُطلق لنفسه العنان لإطلاق الأحكام بغير علم ولا هدى ولا كتابٍ منير فيقع في المحظور الذي حذر منه ويفتي وأخوه جاب الخير الناس بالصيام أو الإطعام وكأنهما أعلم وأرحم بالخلق من الخالق، ونصيحتي لهما ما قاله الشاعر: “لا تنه عن خلق وتأتي مثله عارٌ عليك إذا فعلت عظيم”.

إن الإطعام في حالة تعذر الصيام فدية وليس “جزية”، فلفظ الفدية يحمل كل معاني الفداء من تطهيرٍ للنفس وتربيةٍ للحس، ولذلك فاستبدال الفدية بـ”الجزية” المزعومة خطيئة كبرى تضاف إلى خطايا أمين الزاوي الكثيرة في حق النص القرآني والتي سأتحدّث عنها بالتفصيل في مقالات لاحقة.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!