-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

الصِّفر.. الحلم!

الصِّفر.. الحلم!
ح.م

من أحكام كورونا على الناس، أنها جعلت النجاح مقترنا باللاعمل واللانشاط، والفوز بالحصول على علامة “صفر”، والتقدم الصحي والتغلب على وباء كورونا، لا علاقة له بدرجة تطوّر البلدان تكنولوجيا واقتصاديا، ومدى حصول علمائها على جوائز نوبل في الطب وفي الفيزياء، فانقلب الهرم رأسا على عقب، ودخل الشكّ قلوب شعوب ظنت قروناً، بأنها شعبُ الله المختار، وعادت الثقة إلى شعوبٍ أوهموها بأنها منبوذة، وخُلقت لتكون تابعة لمن “اختارهم الله”. ولأول مرة اطمأنت بورندي وحزنت هولندا، وسلِمت تونس وبكت إيطاليا، وبدا الفارق شاسعا جدا بين السويد والأردن، وطبعا لصالح المملكة الهاشمية، بالرغم من أن الفيروس دخل المملكتين في يوم واحد، فوجد نفس تعداد السكان المناهز لعشرة ملايين نسمة، وفي النهاية أصاب أكثر من ثلاثين ألف نسمة وقتل أربعة آلاف في السويد، ولم يُصب إلا ستمئة ولم يقتل إلا تسعة أفراد في الأردن، فمكث في السويد ضيفا مؤلما، وخرج من الأردن مدحورا.

هناك من قدّر فارق مسافة التطوّر بين الغرب وبقية بلدان العالم قبل زمن كورونا، بسنوات ضوئية عديدة، مستندا إلى أرقام اقتصادية وتكنولوجية، وهناك من كان على قناعة بأن مجرد التفكير في اللحاق بهؤلاء المُنطلقين بسرعة البرق، هو الجنون بعينه، فما بالك بتحقيق ذلك. لكن النماذج التي تابعناها في العديد من الدول التي “أبهرتنا” بناطحات السحاب والأنفاق والجسور وتمكّنها اقتصاديا إلى درجة الانتقال من الاكتفاء الذاتي إلى توفير الغذاء والدواء والتكنولوجيا لكل المعمورة، من الحكام وحتى من العلماء ومن أفراد المجتمع، لا تختلف عن النماذج التي كنا نُنكّت عليها في بلداننا، ونعتبرها “عالة” على الدنيا، بل إن بعضها دون ما هو موجود في بلداننا المسماة بالعالم الثالث، وحتى لو كان هذا الكلام مجرد تفاؤل أو تشبُّث بالأمل من أعماق الوباء، فإن بلدان العالم عادت الآن إلى نفس مكان الانطلاق، أي إلى الصفر، لمعاودة السباق من دون أيِّ امتياز لهذا على ذاك.

لقد خسرت الاقتصادات العالمية آلاف الملايير من الدولارات، وطُعنت في كبريائها وزُلزلت معنوياتُها، ولم تعد شعوبها تثق في زعماء عجزوا عن استشراف الخطر، وعجزوا عن مواجهته بعد أن تمكن الفيروس المجهري من فرض منطقه عدة أشهر لا غالب له فيها، إلا الله.

كل دول العالم تسابق الزمن للملمة جراحاتها بفاتورةٍ بشرية ومالية، لم تحدثها حتى الحرب العالمية الثانية، وكلها تمنّي النفس وتعد بالانطلاق القوي بعد زمن كورونا، وجميعها مقتنعة بأنها سواسية على خط واحد.

لقد كان الأمل والهدف دائما هو تفادي الصفر في كل شيء، وها هي كورونا تجعل الصفر حلم الناس، أولا في مرور يوم بصفر موت، وثانيا بصفر إصابة، وأخيرا بصفر مريض في المستشفيات، من أجل العودة إلى الصفر، من أجل انطلاقة جديدة على خط واحد.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
5
  • AVANCER LALOUR

    الصِّفر.. الحلم! ... لا يحلم بالصفر الا من صنعه أما غيره فهو يدرك جيدا بأن الصِفْرُ صِفْرٌ كما يدرك أن الصِفْرُ هو ذلك الرقم الذي يتواجد دائما في قاعدة سلم الأرقام

  • TADAZ TABRAZ

    تقول أن كورونا سوَّى بين الدول وبين النشاط واللانشاط وبين العمل والتقاعس عنه ...وتقول أن علامة الصفر لها نصيبها من الفوز .. و أن التقدم الصحي والتغلب على وباء كورونا، لا علاقة له بدرجة تطوّر البلدان ولا على مدى حصول علمائها على جوائز نوبل في الطب وفي الفيزياء.. لكن ذلك مؤقتا ولمدة ليست الا شهور معدودات ثم يعود الصفر الى صفره ويعود العمل الى قيمته وتعود كل من الأردن والسويد الى سابق عهدهما و يومها سوف تنتظر بورندي من هولندا أن تمدها بلقاح ضد كورونا كما سوف تنتظر تونس من ايطاليا أن تمدها بأجهزة التنفس الاصطناعي .. الخ ويومها سوف يعود عشاق الصفر الى عشِهِم وعشاق العمل الى كِدِّهِم

  • جزايري حر

    عيدكم مبارك وكل عام وأنتم بخير... يصراحة في تقديري الشخصي المتواضع ومن خلال سنين طويلة في قراءة الأعمدة الصحفية في عديد الجرائد الوطنية والعربية ،فلم أر كاتبا موفقا وملهما مثل الأستاذ عبد الناصر ، أحسن مقالات معنى ومبنى : درر وجواهر يسطرها يراع الأستاذ ... ووالله لو يوجد الموفق الذي يحول هذه النفائس من المقروئية إلى المسموعية من خلال قناة يوتيوب لتعم بها الفائدة، حيث عزف كثير من الناس عن القراءة إلى الاستماع والمشاهدة ... بارك الله فيكم وزادكم توفيقا ...

  • ابن الجبل

    صدقت يا رجل . هذا يدل على قدرة الله وعظمته...! تساهل مع الضعفاء ،وكان الوباء عليهم بردا وسلاما ...في الوقت الذي أتى على الأخضر واليابس في شمال اوربا وأريكا لم تنفعهم لا التكنولوجية ولا علم الطب والأوبئة ... فسبحان الذي بيده الملك !.

  • لزهر

    نهاية الحلم الأمريكي DREAM
    ينهي أحلآم العالم
    تظرب الأمثلة بولاية كاليفورنيا بنجومها السنيمائية الفيلات و السيارات الفاخرة التي يملكونها و milti milliardaire لكون كل أمريكي كان يحلم بالوصول إلى هذا المستوى من المعيشة بعمله من خلال création d'entreprise
    لاكن في السنوات الأخيرة أصبح كل أمريكي يشك في مستقبله الذي أصبح غامظ خاصة في الفيئة الشبانية التي تبحث عن مستقبلها.
    و قد قام ترامب بجس النبظ من خلال زياراته المتكررة لاكبر جامعة في فرجينيا evongilique و تيقن أن المهمة صعبة و الطريق محفوفة بالمخاطر فأعلنها حرب أقتصاد كما في الحرب العالمية الثانية
    فأنهى حلم الجميع.