-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

العالِم المغامر أندري فاي

العالِم المغامر أندري فاي
أرشيف
أندري فاي

قبل 20 سنة (1998) توفي بمنزله في الولايات المتحدة العالم الفرنسي أندري فاي André Weil الذي ولد بفرنسا عام 1906. وقد تحصل على الدكتوراه في الرياضيات من جامعة باريس. وكان، في بداية الثلاثينيات، من مؤسسي فريق بورباكي Bourbaki الشهير الذي أعاد كتابة الرياضيات كتابة معاصرة حظيت باهتمام عالمي منقطع النظير. نشر أندري فاي مذكراته تحت عنوان “تعلّمُ رياضياتي” (The apprenticeship of a mathematician) روى فيها الكثير من المغامرات المثيرة.

الهروب من الخدمة العسكرية

لقد زجّ به في السجن مدة نصف سنة إبان الحرب العالمية الثانية لأنه فرّ من أداء الخدمة العسكرية إلى فنلندا عام 1939. وداخل السجن برهن على نظرية مهمة في الرياضيات. وفي فنلندا تقرب من أشهر رياضياتييها، وهو المناضل رولف نيفانلينا Nevanlinna (1895-1980) الذي كان في نفس الوقت من رموز المقاومة خلال الحرب التي شنها الإتحاد السوفيتي ضد بلاده. ولذا من الواضح أن نيفانلينا لم يكن سعيدا بفرار فاي من خدمة بلاده. وبهذا الصدد تشير المصادر التاريخية إلى أنه رغم ذلك بذل نيفانلينا جهودا ليقنع وزارة الخارجية الفنلندية آنذاك ببراءة فاي.

فعند إقامته في العاصمة الفلندية -وهو في حالة فرار من بلده- ألقت عليه السلطات الفنلندية القبض بتهمة التجسس لصالح الزعيم الروسي ستالين. لماذا؟ لأن فاي كان ماكثا في مكان مشبوه في اللحظة التي أطلق فيها الاتحاد السوفيتي قذائفه على العاصمة الفنلندية. وعندما تم تفتيش بيت فاي تم العثور على وثائق ومراسلات بينه وبين علماء من الاتحاد السوفيتي تتضمن مفردات غريبة اعتقد رجال الأمن أنها ذات معانٍ تجسسية بينما هي مصطلحات يستعملها المختصون في الرياضيات.

ولما كانت فنلندا بين نارين -الحرب العالمية والعدوان السوفيتي- لم ترد إثارة مشاكل إضافية مع فرنسا فقامت بتسليم أندري فاي إلى باريس التي كانت تبحث عنه… وهذا رغم أن المؤرخين وجدوا في الأرشيف وثيقة فنلندية تقول “أشعرتنا السفارة الفرنسية أنها لن تتدخل لو أعدمنا أندري فاي”!

والطريف في هذه المغامرة أن ستالين ذاته كان يبحث عن تصفية أندري فاي جسديا لأنه كان قد أوى إلى بيته عام 1933 في باريس رفيق لينين، تروتسكي (1879-1940)، العدو اللدود لستالين، حين فرّ تروتسكي إلى المكسيك مرورا بفرنسا!

وتذكر بعض المصادر أن هتلر أيضا كان يريد القضاء على أندري فاي لكونه من العلماء اليهود الشيوعيين. وقد أرسل هتلر رجاله إلى هلسنكي للقبض عليه.. ومن حسن حظ فاي أنه كان قد غادر فنلندا سجينًا إلى فرنسا عبر بريطانيا عندما وصل النازيون إلى هلسنكي بحثا عنه.

من السجن إلى الولايات المتحدة

ومن مغامراته أيضا أنه عند نزوله من الباخرة ببريطانيا، اقتيد وهو سجين، إلى مركز الشرطة البريطانية. وكان فاي يحسن عددا كبيرا من اللغات، وقد لاحظ في هذا المركز أن أحد الفرنسيين كان يعاني من صعوبات لغوية مع الشرطة، فأراد أن يساعده بأداء دور المترجم. لكن الفرنسي لم يهتم بـفاي. وما هي إلا لحظات حتى سُـلِّم فاي كسجين إلى ذلك الفرنسي بالذات … لأنه كان رجل المخابرات الفرنسية الذي أوكلت إليه السلطات الفرنسية مهمة استلام فاي من الشرطة البريطانية والمجيئ به إلى فرنسا.

ويروي فاي في مذكراته أن هذا رجل المخابرات أعلمه، فيما بعد، أنه يتقن اللغة الأنكليزية لكن “مهنته تتطلب منه أن يتظاهر بعدم فهم اللغات التي يتقنها”. وعندما اطلع هذا الشرطي على ملف مغامرات فاي سأله في حيرة : “ألم تحدثك نفسك بالانتحار وأنت في هذه الوضعية اليائسة؟”، فأجاب فاي بالنفي!

وفي القطار الذي كانا متجهين على متنه من لندن نحو فرنسا تناول هذا الشرطي مع فاي فطور الصباح، فلاحظ فاي على مقربة منه ثلاثة من أبرز الرياضياتيين الفرنسيين في ذلك العهد، وهم يعرفون فاي ويعرفهم. وكانوا قادمين من لندن بعد أداء مهمة علمية. فخاطب فاي الشرطي قائلا ” أتريد أن أقدّمك لعضو من أعضاء أكاديمية العلوم الفرنسية؟!” فبهت الشرطي!

ويواصل فاي روايته بالإشارة إلى أنه بعد ما جرى التعارف، قال له عضو الأكاديمية: “يحكى في لندن أنه قُبض عليك متلبسًا بالجوسسة في فنلندا. لكني لم أصدق ذلك، إذ لو كان الأمر كذلك لنفّذ فيك حكم الإعدام في فنلندا. غير أن الفنلنديين لم يفعلوا ذلك. إذن فهذا الخبر غير صحيح”! يعقب فاي على هذه المقولة لزميله أنها عيّنة للبرهان الرياضي السليم!

وما حدث لأندري فاي بعد السجن في فرنسا أن مؤسسة روكفلر أدت خلال الحرب العالمية الثانية دورا رائدا في حماية العلماء من النازية فكلفت الكيميائي لـويس رابكين Rapkine (1904-1948)، اليهودي القادم من روسيا، بإعداد قائمة تشمل العلماء الفرنسيين الذين يجب ترحيلهم من فرنسا إلى الولايات المتحدة.

وهكذا استفاد فاي من هذا الإجراء حيث أرسلت إليه إحدى الجامعات الأمريكية موافقة على توظيفه بها … ولم يكن يعلم أن مؤسسة روكفلر هي التي كانت من وراء تلك المراسلة لتسهل له مهمة الحصول على تأشيرة الدخول إلى أمريكا من قبل القنصليات الأمريكية في أوروبا!

وفي الولايات المتحدة، يروي فاي أنه ألّف كتابا مهما في موضوع الهندسة الجبرية أثناء الحرب العالمية الثانية. وأرسله للنشر إلى الهيئة الرياضية الأمريكية الذائعة الصيت فقبلت نشره شريطة أن يحذف المؤلف جملة جاءت في مقدمة الكتاب. وبعد تردّد قَبِـل فاي بحذفها وصدر الكتاب. والجملة التي أزعجت الناشر هي تلك التي يقول فيها أندري فاي: “امتناني إلى … وإلى القلائل الذين عملوا على تخليصي من الواجبات المزعجة والمخزية الناتجة عن وضعية أُكرهت على قبولها بوصفي لاجئا في الولايات المتحدة”!

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
1
  • محمد العربي

    لأن الأزمه تلد الهمّه