-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

العربي في منظور الإعلام الغربي

العربي في منظور الإعلام الغربي

الإعلام الغربي يكتب بلغة عبرية تجرد العربي الوارث لتاريخه الإنساني من كل خصائص ومقومات البشر فتلغي كل مبررات بقائه كائنا “شاذا” على وجه الأرض.. إنها آلة الإعلام العصري التي تسحق الإنسان العربي وتلفظه بعيدا عن مكونات الوجود.
العربي المبتلى بقدر حتمي بلغ به الانتعاشة في زمن مضى يوم صدحت حنجرته بالغناء الطربي على أنغام أوزان الشعر المقفى.. يؤدي اليوم صلوات اللعنة في طقوس جنائزية مؤبنا عصر الإنسان الذي كانت تنحني له هامات الجبابرة وتتوسل إليه الملوك والأباطرة.. صار مجرد صورة “كاريكاتورية” ساخرة في قنوات إعلام كوني سابح في فضاءات لا متناهية تثير فضول المتلقي القابع بزاوية دافئة في “إسكندنافيا” والمختبئ من هول عواصف “الكاريبي” والتائه في أدغال “بوليفيا” والخائف من وابل الحجارة المتساقطة على تل أبيب.
إنها الصورة التي تضع العربي دون وعي منه في ذروة المواجهة غير المتكافئة مع القوى الحضارية الطارئة بما تحمله من أحقاد وكراهية ودوافع مادية واتجار بقيم الحضارة وحقوق الإنسان دفاعا عن حضوره الكوني ببطاقة إنسانية تعبر عن ذاتها بصمت المحاصر الذي لا يقوى على الكلام العصري المتداول في اتجاهات الأرض المتعاكسة.
قضية العربي الراهنة: هي قضية الحق المشروع الذي يتجسد في مبادئ حقوق الإنسان.. كما هي قضية النزوع إلى التحرر والانعتاق.. إنهما قضية الارتقاء في سلم مسيرته الإنسانية التي فقدت أولوياتها المنطقية أمام الهجمة الإعلامية التي انتزعت وجوده الحضاري وأفرغت ذاته من خصوصياته الآدمية وجعلت منه مخلوقا “شاذا” لا يستحق الحياة.
لقد أضحت أولوية العربي في نضاله اليومي الصامت إثبات إنسانيته، وامتلاكه كل خصائص البشر الذين يشغلون موقعا في خارطة حقوق الإنسان.
العربي في منظور الإعلام الغربي هو ذلك “الكائن الذي يفضل طبقا من اللحم البشري على طبق من الكافيار” النادر في إذكاء جذوة الحب وتفجير رغبات العاطفة المكبوتة التي يتعالى صوت صداها في جسد إنساني راغب في الحياة.
لكن هذه الصورة التي يبثها الإعلام الغربي دوما بأحدث الأدوات التقنية، وأغرب المؤثرات التي تفعل فعلها في النفس المهيأة لتلقي ما يبهرها.. يغذيها المشهد العربي المتردي في إبراز قضاياه الإنسانية والكشف عن فوراته وإمكاناته البنائية واختياره موقع المهزوم المجرد من أدوات الدفاع عن حضوره الحي.
يقال في العربي ما لا يقال بحق أدمي أسقطه الشيطان في حبال مكره.
النثر المنظوم بلغات: الإنجليزية، الفرنسية، الإسبانية، الإيطالية، الألمانية، الروسية..
يلتقي شكلا ومضمونا مع منظوم النثر العبري المحفوظ عن ظهر قلب.. أشبه بآيات شيطانية.. لا يقوى العقل البشري على صياغتها اللغوية بمفاهيم إنسانية فهي المغناة بقيثارة داود ووريثه سليمان الكئيب مات داوود ونخر السوس عصا سليمان ورحل موسى وهو يرتل الوصايا العشر بلسان محروق وأودع في صدر البشر سر الدعاء الإلهي:
“رب اشرح لي صدري ويسر لي أمري واحلل عقدة من لساني يفقهوا قولي”
واستجاب الرب لسر الدعاء المتوارث، وأضحت العبرية لغة كل البشر المترنم بغنائية لعنة العربي “القبيح”!
لعنة العربي فرض يومي في حركة آلية إعلام عنصري يبغض الآخر ويتنكر لوجوده الأزلي ساعيا لوأده لعله يسمع صدى صوته الشعري يقول:
وإذا العربي سئل بأي ذنب قتل!!
ليدرك ذروة نشوة اكتمال موت كائن بغيض يؤبن ذاته مات يوم إعلان ولادته..
يطالعنا الإعلام الغربي المكتوب بلغة عبرية تستقي من التوراة الزائف مصداقيتها بعبارة عريضة بخبرنا فيها أن العربي:
“في بداية القرن الحادي والعشرين حفار قبور يتقن استعمال القفازات البيضاء”.
لن يتردد الإعلام الغربي في ترجمة المنظور الصهيوني إلى كل لغات العالم في رسائل تتصف بسحر التأثير.. سعيا وراء هدف كوني يتحدد في إلغاء من يحمل أمانة الإرث الإنساني الكبير ليبقى الكائن الصهيوني الطارئ هو الوارث الأرضي الوحيد.
لا شيء وراء الكشف عن ازدواجية الموقف الغربي من حقوق الإنسان وفضح عنصريته في التعامل مع حرية الشعوب إلا رؤية الحقل التطبيقي للنظرة النقدية الموضوعية التي تفتح بوابات المداخل الأساسية لتعرية النموذج الحضاري الغربي الناطق بلغة عبرية عنصرية لا يقيم للآخر وزنا إنسانيا في خارطة الحق المشروع.. وتصفه بحفار قبور في عصر كوني.
“المانشيت” الثابت في يوميات الإعلام الغربي يقترب كل الاقتراب من روح خصوصية الكائن العربي وصفة وجوده التاريخي الحي القابل للبقاء والتجدد والمعبر عن آدميته.. ويسعى جاهدا لإفراغ هذه الخصوصية من محتواها أو تشويهها على أقل تقدير إذ يصعب على كائن من كان نفيها.. فهي الخيط الأزلي المتواصل الرابط بين بدايات الكون وفنائه..
الإعلام الغربي يطالعنا بلغة كاتب صهيوني لا يرى مبررا لبقاء العربي كائنا حيا على وجه الأرض.. إذ يصف لغته الإنسانية بعباراته الآتية:
“للغة العربية بنية وحشية ـ لغة الضاد ـ هي لغة صوت الإنسان التي تتربص بالضحية”
إنها الدقة في اختيار الكلمات التي تعطي شكلا ماديا للمعنى الذي يحفر مكانه في الذاكرة.. ويستند على الرؤية البنيوية لتكوين العقل العربي الذي يعتمد على البنية المعرفية للبيان الشامل على علوم اللغة والفقه وعلوم الكلام.. فإذا ما كانت اللغة أداة للفكر.. فهي أيضا القالب الذي يتشكل فيه الفكر، كما هي العامل الأساسي والحاسم في تحديد وتأطير نظرة أصحابها إلى الأشياء ويعمم الإعلام الغربي عبر مفرداته المحكمة بدقتها المقصودة.. ربما بصوت ينطق العربية: “إن اللغة العربية، لا تاريخية، لأنها لا تتجدد بتجدد الأحوال ولا تتطور بتطور العصور، فهذه اللغة كما يقول مفكر عربي يلتقي مع خصائص المنظور الغربي: “إنها لغة نشأت في عالم حسي لا تاريخي، عالم البدو من العرب كانوا يعيشون زمنا ممتدا مع امتداد الصحراء”.
وهكذا تكتسي “لغة الضاد” وحشتها من بيئتها الصحراوية المتصارعة مع الوحوش الكواسر حتى تطبعت بطابعها.. واعتادت على وحشيتها.. والعقل الذي ينطق بأبجديتها يتعامل مع الألفاظ، ونادرا ما يتعامل مع المفاهيم ولا يفكر إلا بروح سلفية تعود به دوما إلى خيمته في الصحراء، وتذكر شبكات القنوات الإعلامية الشاسعة بأصواتها المتدفقة عبر الأثير أن أول جملة مفيدة تعلمها الإنسان العربي هي: ضرب زيد عمرا!!
جملة هي بمثابة المثال المتكرر في العملية التربوية الرامية إلى تكوين العقل العربي الناطق بوحشية لغة الضاد.. هكذا يأتي سيل المفردات في آليات الإعلام المعادي الثاقب في تفاصيل حياتنا اليومية والكاشف في كل زواياها عن سقطات فكرية أو تربوية يوظفها في حملته الإعلامية الشرسة التي لا تنقطع بانقطاع النسل العربي..
آلة الإعلام الغربي ـ الصهيوني لم تترك صفة إلا وطرقتها إمعانا في تجريد “العربي” من أصالته، ووصلت إلى حد السخرية من تراثه الفكري والأدبي والعلمي.. وجاء في قنواته السمعية ـ البصرية.
إن “ألف ليلة وليلة” هي توارة العرب وفيه تتنحى الروح لصالح الجسد”.
حتى العاطفة الروحية، هبة الله التي خص بها الإنسان.. خصوصية تجرد منها العربي المعروف صهيونيا في قائمة الشواذ:
ـ قصة “قيس وليلى” تعني أن العرب ضد القلب، مات قيس مجنونا في بيئته التي لا تؤمن بحق الإنسان في عاطفته.
أما التاريخ الذي شهد فاعلية حركية الإنسان المتوثب في مراحل البناء دوما حاملا قيم رسالة إنسانية متفردة بمعانيها بلغت بمضامينها أقاصي الشرق والغرب.. وصف التاريخ العربي بمقولة لا ينقطع الإعلام الغربي عن ترديدها:
“التاريخ العربي نهر من دم”
ومن صنع تاريخنا من دم ما هو إلا:
ـ سراب الصحراء.. حالة عدمية ترغب أن تحول الآخرين إلى حالة عدمية.
وهذا الكائن المدرج اسمه في قائمة كوائن الشر يمتاز ببنية لا يمكن تشبيهها بصفات إنسانية فهو:
ـ التركيب العصبي للإنسان العربي.. يشبه الريح الصحراوية.. تهب فجأة فتنعدم الرؤية إذن لابد لـ ـ العربي ـ أن يبقى ساكنا في حركة الكون المتلاطم بجزئيات مكوناته كي لا تحرم حركته “العبثية” سكان الأرض من وضوح الرؤية على مدايات البصر الغربي ـ الصهيوني..
فـ “العربي” يتعامل مع الحياة بشراهة.. حواسه نهمة تأكل وتحطم وتستحوذ!
احذروا العربي.. تنبيه دائم يطالعك به دوما البيت الأمريكي ـ الصهيوني المشترك.. فالعربي الذي اختار الإسلام دينا.. اتصف بـ:
الإسلام مضخة دفعت العربي إلى أكل جزء كبير من العالم دون أن يتمثله بشكل خلاق.. فعاد يأكل بعضه البعض..
ـ إنها أفقية الصحراء التي لا تقبل أي حالة عمودية..
فالعربي الذي يستعمل الحجارة في فلسطين مازال يعيش في العصر الحجري.
إن الدول المصنعة للإعلام بزعامة الولايات المتحدة الأمريكية تحتكر الصناعة والثروة المالية والقدرة التكنولوجية وجعلت من وسائل الإعلام سلاحا تتحكم فيه للحفاظ على هيمنتها وهكذا تصبح الصورة الإعلامية الوافدة وسيلة لتكريس تبعية الشعوب النامية بشكل مطلق.
وكشف “هريرت شيلر” في كتابه “وسائل الاتصال والإمبراطورية الأمريكية” عن أسلوب عمل المركب الصناعي العسكري المتمثل في الشركات الأمريكية الكبرى على استغلال الإعلام كوسيلة للتوجيه والسيطرة وكيف تفرض وسائل الإعلام قيما وأنماطا سلوكية استهلاكية لبرالية تتماشى مع مقتضيات السوق والمصالح السياسية ومع ما تعرضه الشركات الأمريكية من منتج وما تروج له دوائر القرار السياسي من مشاريع.
في ذلك المركب الصناعي العسكري المضاد للإنسان العربي، بآليات صف للقوالب الجاهزة القابلة للاستهلاك الفكري العالمي الذي قد لا يغير من عاداته الاستهلاكية في تفتيت خصائص العقلية العربية والحط من مكانتها.
وإذ يصبح العالم اليوم في كبسولة “المكوك النووي” الذي تمتلك الصهيونية مفاتيح انطلاقه تضحى البشرية وكأنها ذرات غبار متناثرة.. تلك هي النتيجة الطبيعية للخلل القائم في توازنات الحضارة الغربية التي تتنكر للآخر.
فالمفهوم المعاصر لحقوق الإنسان هو تراث مشترك للإنسانية ساهمت فيه الشعوب المختلفة بصيغ مختلفة وبأشكال متنوعة من التجارب والمعاناة وليس إرثا اختصت به الحضارة الغربية التي تستثمر بأسلوب استغلالي الفارق الشاسع الذي يفصل الغرب عن المجتمعات الإنسانية الأخرى في ترويج مفاهيمها الاستهلاكية وبسط نفوذ هيمنتها على العالم أجمع..
وتبرز تلك الحقيقة في جوهر الغرب اللاإنساني القائم على البطش والاستبداد، والسيطرة والاستغلال والاستعلاء إلى حد نفي الخصائص الإنسانية للآخر.
ومعزوفة حقوق الإنسان التي يبثها الغرب على الدوام هي تجسيد لذلك التناقض القائم بين المبادئ المعلنة وبين الدوافع التي تحرك سياسته وتصرفاته في تعامله مع الشعب العربي والشعوب الإسلامية.
ولم يكن الحقد الدفين الذي يتلقاه العربي في علب الإعلام المبهر.. إلا نتيجة لفشل الحضارة الغربية في فرض سيطرتها المطلقة على فكر الإنسان العربي وتطلعاته المشروعة في إحياء نموذجه الحضاري المعاصر.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
3
  • مولود

    قد لا أكون مخطئا إن قارنت المقال برسالة عبد الحميد الكاتب حين أدبرت عنه الدنيا، الرسالة التي لا نجد فيها أي تحليل تاريخي سياسي اجتماعي أو أية محاولة لفهم وتفسير الأحداث بل مجرد استسلام للقدر و قوى الغيب. الفرق هو أن اليهود و النصارى حلّوا في المقال محلّ الأقدار.

  • مولود

    المقال ثري، قلق، حزين، متشائم، متناقض حاول أن ينتهي بنبرة متفائلة. المقال صرخة صامتة. صرخة مبتورة مكبوتة مقطوعة خرجت من الحلق أنينا مُؤثرا. المقال تَرَدُّدٌ بين من جهة نقد ذاتي يجعل الإنسانَ العربيَ مسؤولا عن سقوطه إلى الحضيض وَ تحميله وِزْرَ عيوبه و مثالبه و آثامه، و من جهة أخرى اتهام الغرب أي اليهود والنصارى بكل الشرور و بكونهم سبب البلاء الذي يعيش فيه العرب. المقال شعر أكثر منه تحليل علمي، انفجارعاطفي وليس تحليلا فلسفيا اجتماعيا تاريخيا فهو بذلك عربي إسلامي خالص كأنه مأخوذ من التراث.

  • يوسف ابن تاشفين

    كل ما بثه الإعلام الغربي عن العرب حقيقة و المشكل ليس في العرب لأنهم عرب بل في ثافتهم التي تنزع للعنف و الغدر و الخيانة .