-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

العيد الإلكتروني!

العيد الإلكتروني!

يبالغ الجزائريون بطريقة “مَرضية” في استعمال، أو سوء استعمال، وسائل التواصل الاجتماعي، إلى درجة أنها صارت تهدّد كيان الفرد بالإدمان، وسجنه في عالم خيالي، لا يمت بصلة بعالمه الواقعي الأصلي والأصيل، وتفكك المجتمع الذي عجزت مخططات استعمارية قديمة وحديثة بالحديد والنار، عن زعزعته ونفخ الفتنة فيه.
في عيد الأضحى المبارك، مارس غالبية الجزائريين “تآلف” و”تآزرا” و”تراحما” من نوع خاص، سافرت فيه التهاني الطازجة والمتكررة والدعوات المنقولة حرفيا بين الناس، حتى إن هناك من أرسل برقيات لا يدري إلى من بعثها، وهناك من وصلته برقيات لا يدري الجهة التي بعثتها!
قدّم التلفزيون الألماني الرسمي منذ أسبوع، تحقيقا عن تشبث الألمان بالقراءة الكلاسيكية باستعمال الكتب القديمة والحديثة، بالرغم من “تسيّد” الأجهزة الإلكترونية المشهد الحياتي وهي من صنع ألماني، ويعلم الجزائريون الذين يقيمون أو يزورون باستمرار فرنسا ويستعملون خط “الميترو”، كيف حافظت شابات وشباب فرنسا على القراءة في أي فرصة تسنح لهم، ويندهش السياح الجزائريون في شواطئ تونس ومركباتها السياحية، لمنظر الشابات الروسيات والتشيكيات اللائي يأبين إلا أن يطالعن الكتب وهن في قمة الاستجمام. فمن غير المعقول أن يرسل الجزائري إلى شقيقه برقية تهنئة بمناسبة عيد الأضحى المبارك من دون أن يزوره، ومن غير اللائق أن يعزي صديقه بتغريدة، نصفها منقول عن التعازي الطائرة، والنصف الآخر سبق له أن واسى به صديقا آخر.
سيكون من الجهل أن ننتقد مخترعي هذه الوسائل الإلكترونية، أو اعتبار وسائل التواصل الاجتماعي شرّ ابتليت به البرية، وسنظلم أنفسنا لو حاولنا النأي عن هذا التطور العنكبوتي والتواصل والتعارف بين الشعوب والقبائل بهذه الطريقة السلسة، لكن ما صار يحزّ في النفس، أن هذه الوسيلة المسماة تواصلا صارت تكرّس للتباعد، وهذا الجسر الاجتماعي صار ينفّر ما بين الأفراد ويهدم الجسر الاجتماعي الذي شيّده الإسلام، الذي جعل لكل لقاء جماعي أجرا مضاعفا عن الأداء الفردي، كما هو الشأن في صلاة الجماعة، وجعل من كل العبادات تواصلا مباشرا بين الناس.
صحيح أن هناك جمعيات “فايسبوكية” تمكنت من القيام بأعمال خيرية ومساعدة محتاجين ومرضى، وصحيح أن هناك من وسّع من ثقافته ومن معارفه، بطريقة جعلته يطلب العلم ولو في الصين وفي غيرها من الأمصار، لكن للأسف هذه النماذج بقيت استثناء في الجزائر، بينما القاعدة تسير بسرعة نحو الهاوية، بين غارق وغارقة طوال السنة في بحر الوحدة والضياع، وعندما يحين عيد فطر أو أضحى، يستخرج من أرشيفه تهنئة جاهزة، ويرسلها إلى كل من يعرفه وحتى إلى من لا يعرفه، وينساها، أو ربما لا يقرأها أصلا.
لحسن الحظ أن الإسلام فرضَ عبادات، لا تصح إلا بالحضور الجسدي في مكان معين وزمان معلوم، وإلا لجرفت وسائل التواصل الاجتماعـي، ما بقي من تآخ وتعاون وحياء، كان أهم سِمات الجزائريين على مرّ العصور.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
1
  • كيكي

    في عيد الأضحى المبارك، مارس غالبية الجزائريين “تآلف” و”تآزرا” و”تراحما” وانا ايضا وصلتني تهنئة من اختي في ديار الغرية يا اخي عبد الناصر ! ( سألوني من تهنئ في العشر العظيمة فقلت الذي أخلاقه كريمة ومجالسته غنيمة ونيته سليمة كالمسك كلما مر عليه الزمان زاده قيمة وانكم أكثر من ذلك ان سبقتموني بالتهنئة فهذا من كرمكم وان سبقتكم فهذا من غلاوة قدركم كل عام وانتم بخير ) الملاحظ ، أن هناك حالة من الجفاف والركود العاطفي بين ابناء المجتمع الواحد بل ايضا الاسرة الواحدة وهي ليست وليدة اليوم او الامس أما بالنسبة لمواقع التواصل الاجتماعي فهي الإناء الذي ينضح بما فيه وهي المرآة العاكسة لجوهر المجتمع