-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

الغرق في “كاس” حليب

عمار يزلي
  • 981
  • 1
الغرق في “كاس” حليب
ح.م

لا أحد كان ينكر أو لا يزال يفعل، بأن حكومة جراد كان سيكون عليها فعل المستحيل لكي تعيد تشكيل الجزائر الجديدة بناءً على أسس وقواعد عمل جديدة. غير أنه، لا أحد كان يعتقد أن “بودرة الحليب”، يمكن أن تُغرق البلد في مستنقع “مبستر”، الله يستر، فقط لأن وزير التجارة أراد أن يقوم بعمله ويطبِّق التشريع والقانون المنصوص عليه وغير المعمول به. ممارساتٌ غير شرعية اكتسبت مشروعيتها بـ”قوة مجابهة القانون” بتطبيق الأمر الواقع، سواء كان ذلك على مستوى مؤسَّسات التصنيع أو التوزيع بالجملة وبالتقسيط.

لأول مرة، تعمل الحكومة، عبر وزير تجارتها على إرجاع الدفة لصالح شعبٍ ظل محلوبا طوال عهود، خاصة إبان فترة تغوُّل القطاع الخاص منذ 15 سنة. رهانٌ لكسب ثقة مواطن فقد منذ مدة كل ثقة بأجهزته الإدارية والتنفيذية والسياسية، بفعل الإحباط المتراكم الناجم عن سياسة تحميل الحمار ما لا يطيق وضربه بالسياط إذا ما اشتكى وفضَّل النهيق بعد العياط.

مسألة الحليب المدعم من طرف الحكومة، والمخصص للاستهلاك العائلي، تحوّل مع غيره من المواد المدعمة، قد يأتي على ذكرها فيما بعد، خاصة الخبز والسميد، إلى مادة حبرية تسيل دموع المواطن البسيط، كما تسيل لعاب المتربِّح الوسيط. كل هذا على حساب خزينة الدولة ومن دعم كان من المفترض أن يذهب إلى المستهلِك الزوالي، لا إلى التاجر والناقل والبائع والموالي. عملية في غاية التعقيد بسبب التهرُّب من تطبيق القانون وطمعا في هامش ربح أكبر دون اهتمام بالمستهلِك الأصغر.

آخر ما سال من حبر للحليب، هو رمي كمياتٍ كبيرة من أكياس الحليب بنواحي أرزيو بوهران، بحسب فيديو متداول، رغم أن تاريخ الإنتاج يدلُّ على أنه رُمي به مع النفايات المنزلية قبل تاريخ نهاية الصلاحية، ما يؤكد العمل المتعمَّد لخلق أزمة بغرض ليِّ أيادي الوزارة والحكومة لإجبارها على العدول عن قرار تسقيف سعر الكيس في حدود 25 دينارا.

الحليب، في انتظار اللحوم الطازجة، التي كان الوزير إياه قد أعلن أنه سيتحدى المنتجين إن تمكنوا من خفض سعر الكيلوغرام منها إلى 800 دينار وإلا فسيضطر إلى استيراد المواشي والأبقار من الخارج. تهديدٌ ووعيد قبيل رمضان، إذ سيعرف المواطن هذه السنة صوما من نوع آخر في ظل تجاذبات المنتجين والسماسرة والموزِّعين المطالبين بهامش أكبر للربح يصل إلى 5 دنانير في الكيس الواحد.

حكومة جراد، ليس أمامها الحليب فقط كمشكل وأزمة، لأن القادم أصعب، وتفكيك براغي منظومة اقتصادية مبنية على الريع والكوطات، ليس من السهل تفكيكها في السنة الأولى من الإصلاح الشامل، وعلى المواطن أن يُدرك ذلك، لكن على الحكومة أيضا أن تدرك أن صبر المواطن ليس قريبا من النفاد، بل نفد، وهو الآن فقط يسيِّر أزمة النفاد.

تسريع الحكومة لتنفيذ الإصلاحات الجذرية بما في ذلك رفع القدرة الشرائية للمواطن عبر مراجعة الأجر القاعدي الذي تفكر فيه الحكومة جديا، قد يحقق نوعا من التوازن وطمأنة المواطن المغلوب على أمره، والذي لم يجد أين يقف: هل يقف مع حكومة تسوِّق له المنَّ والسلوى مع الكيِّ واللسع، وهو يرى القلة والنقصان والغلاء والندرة تلاحقه في قوته اليومي كل يوم؟ أم يقف ضد أباطرة وسماسرة قوته اليومي، ويضرب عن الاستهلاك لتخفيض الأسعار؟ أم يصوم قبل رمضان وما بعد رمضان؟ إنها الأسئلة الصامتة التي تثقب طبلة أذني المواطن.. من دون دويّ.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
1
  • عبدالله FreeThink

    لابد للمواطن أن يعطي الحكومة فترة الأمان، أي حوالي ستة أشهر لتظهر ملامح العمل وليس النتائج، لأن سرعةالنتائج تعتمد أيضا على مدى مساعدة الشعب لحكومته.
    مثل أزمة الحليب، أطالب الشعب أن يقوم بالمقاطعة لشهر فقط، ليس فقط الحليب، بل كل مشتقات الألبان، جبن، زبدة، ياغورت..وليعوض مشروبه اليومي بالزعتر أو الزنجبيل أو التيزانة. لأن شرب الحليب يوميا عادة فقط، ومن الضروري تركه ومشتقاته من فترة لفترة، ولاعلاقة له ابدا بالصحة والكالسيوم ،الذي يحصل عليه الإنسان من الخضر والفواكه والبقوليات.
    لايوجد أي مخلوق يستمر في شرب الحليب بعد فطامه، إلا الإنسان في بلدنا وبعض الدول الأخرى.
    يمكن تقليل الإستهلاك على الأقل