-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

الفرصة‭ ‬الذهبية‭ ‬لاقتصاديات‭ ‬تتهاوى

بشير مصيطفى
  • 4076
  • 3
الفرصة‭ ‬الذهبية‭ ‬لاقتصاديات‭ ‬تتهاوى

اختتمت أمس الثلاثاء بالجزائر أعمال المؤتمر الدولي الأول حول الصناعة المالية الاسلامية والذي انعقد بالتعاون بين المدرسة العليا للتجارة والمعهد الاسلامي للبحوث والتدريب ومقره في جدة السعودية، وبمشاركة واسعة لأهم الباحثين في حقل التمويل الاسلامي من داخل الوطن‭ ‬وخارجه‮.‬

  • وقال مدير المدرسة الدكتور عبد العزيز صبوعة في افتتاح المؤتمر بأن الصيرفة الاسلامية أصبحت اليوم محط اهتمام عالمي بسبب خصائصها الشرعية في تجسيد النظام المالي العادل، وهو كلام صحيح من منظور الأحداث التي شهدها الاقتصاد العالمي مؤخرا ويعيشها الساعة.
      ويأتي تنظيم المؤتمر الدولي الأول للصناعة المالية الاسلامية بالجزائر أياما قليلة بعد اجتماع وزراء مالية مجموعة العشرين بباريس الأسبوع الماضي والذي دعا فيه واضعو السياسات المالية في الدول الصناعية الكبرى الى مزيد من رسملة البنوك الرأسمالية وإلى الابقاء على‭ ‬أسعار‭ ‬متدنية‭ ‬للفائدة‭ ‬في‭ ‬محاولة‭ ‬أخرى‭ ‬لتجنب‭ ‬إفلاس‭ ‬دول‭ ‬منطقة‭ ‬اليورو‭ ‬المتضررة‭ ‬من‭ ‬أزمة‭ ‬الديون‭ ‬السيادية‭ ‬أي‭ ‬اليونان‭ ‬والبرتغال‭ ‬وإسبانيا‭ ‬وإيطاليا‮.‬‭ ‬
       فهل يعتبر احتضان الجزائر لملتقى علمي يبحث في أدوات التمويل الاسلامي وفي قضايا الصناعة المصرفية الاسلامية مؤشرا أخضر عن اصلاحات أخرى ستمس هذه المرة السياسات المالية والنقدية للدولة؟ وهل تمكن المشاركون في المؤتمر من نقل رسالتهم كاملة الى مراكز القرار في الداخل‭ ‬الاسلامي‭ ‬وخارجه‭ ‬وأن‭ ‬النظام‭ ‬المصرفي‭ ‬المبني‭ ‬على‭ ‬الفقه‭ ‬الاسلامي‭ ‬يشكل‭ ‬حقا‭ ‬ملاذا‭ ‬للنظام‭ ‬الاقتصادي‭ ‬العالمي؟‭ ‬وما‮ ‬هي‭ ‬أبرز‭ ‬الاشكاليات‭ ‬التي‭ ‬تناولها‭ ‬الباحثون‭ ‬في‭ ‬أوراقهم‭ ‬الي‭ ‬زادت‭ ‬عن‭ ‬33‭ ‬تدخلا؟
     
    التمويل‭ ‬الإسلامي‭ ‬يتقدم‭ ‬في‭ ‬هشاشة‭ ‬الرأسمالية
       تناول المؤتمر اشكاليات تتعلق بالضوابط الشرعية للتمويل الاسلامي، وصناعة الخدمات في المصارف الاسلامية، والأطر القانونية والادارية لمؤسسات الصيرفة الاسلامية، ومعايير الرقابة على عمل تلك المؤسسات، ودورها في تمويل المؤسسات المنتجة، والمنتجات المالية الاسلامية‭ ‬وعلى‭ ‬رأسها‭ ‬الصكوك‭ ‬الاسلامية،‭ ‬ودور‭ ‬صناديق‭ ‬الاستثمار‭ ‬الاسلامي‭ ‬في‭ ‬تنمية‭ ‬أسواق‭ ‬المال‭. ‬كما‭ ‬تضمنت‭ ‬أعمال‭ ‬المؤتمر‭ ‬عروضا‭ ‬عن‭ ‬تجارب‭ ‬محددة‭ ‬للتمويل‭ ‬الاسلامي‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬الأردن،‭ ‬ماليزيا‭ ‬وفرنسا‮.‬
    ويتضح من العناوين المذكورة الصبغة التقنية لأعمال المؤتمر والدرجة المتقدمة في بحث موضوعه بغض النظر عن المحتوى الذي يتراوح بين الطرق الأكاديمي النظري والتناول التطبيقي والتحليل ، ولكن الاتجاه العام يصب في أن موضوع التمويل الاسلامي تجاوز بأشواط مرحلة التنظير الفقهي الذي برز في خمسينيات القرن الماضي، وتقدم عما كتبه كل من محمد باقر الصدر في “اقتصادنا” ومحمود أبو السعود في “الاقتصاد الاسلامي” ومساهمات كل من عيسى عبده ورفيق يونس المصري ومحمد شابرا ونجاة الله صديقي وعبد الحميد الغزالي.
     ذلك أن التجارب التطبيقية للبنوك الاسلامية دفعت الى الاستفادة من تجربة البنوك التقليدية من جهة ومن محتوى النظرية الاقتصادية في النقود والأسواق. وما زاد في عمق ورصانة المحتوى هو انخراط الباحثين الشباب ذوي التكوين الأكاديمي في المالية والاقتصاد والادارة في تطوير‭ ‬أبحاث‭ ‬الصناعة‭ ‬المالية‭ ‬الاسلامية‮.‬‭ ‬
     
    إشكاليات‭ ‬حقيقية
       طرح المؤتمر اشكالية الموائمة بين أداء المؤسسات المالية الاسلامية المبني على الفقه الاسلامي وحدود الشرع، ومحتوى السياسات النقدية الرسمية في البلدان الاسلامية والمبنية على المذهبية الرأسمالية مما أفرز وضعا صعبا للصناعة المالية الاسلامية في التكيف مع معايير الرقابة التي تفرضها البنوك المركزية بناء على محددات لجنة “بازل” ، ومع السياسة النقدية للدول والمبنية هي الأخرى على التدخل في السوق المفتوحة وعلى آلية “سعر الفائدة”، ومع تدابير الحذر التي تفرضها الحكومات على مجتمع البنوك. هذه المفارقة هي التي جعلت المصارف‭ ‬الاسلامية‭ ‬ومؤسسات‭ ‬التمويل‭ ‬الاسلامي‭ ‬تعمل‭ ‬تحت‭ ‬قيود‭ ‬تقنية‭ ‬اضافية‮ ‬لا‭ ‬تعاني‭ ‬منها‭ ‬المؤسسات‭ ‬التقليدية‮.‬
       أجمع المتدخلون في المؤتمر على أن القيود التي تعاني منها المؤسسات التمويلية الاسلامية تتطلب توسيع نطاق السياسات النقدية في النظام العالمي كي تستوعب مضامين الصيرفة الاسلامية ، وعلى سبيل المثال إعفاء حساب نسبة “كفاية رأس المال” من مكون “الفائدة الربوية”، واحتساب المخاطر التي يتميز بها التمويل الاسلامي في تحديد نسبة حقوق الملكية الى الأصول المخاطرة. ومن ذلك أيضا تطوير إطار محاسبي ورقابي خاص بالبنوك الاسلامية تعمل بها البنوك المركزية التقليدية وتكون فاتحة لإنشاء “بنك مركزي اسلامي” في المستقبل.
     
    عن‭ ‬الجزائر‭ ‬باختصار
       تعتمد الجزائر لحد الآن في سياستها النقدية ونظم إدارة البنوك فيها على ما حصدته البلاد من متبقيات النظام النقدي الفرنسي، ولازالت نجاعة الخدمات البنكية وأساليب التمويل في بلادنا مقيدة بنجاعة آلية الفائدة كضابط وحيد -خارج تدابير الدعم الحكومي- للسوق النقدية، ولكن باحثين في المؤتمر تناولوا موضوع انشاء مؤسسات مالية اسلامية في الجزائر وامكانية استفدة البلاد من أداء الاستثمار الاسلامي في تنمية السوق المالية. إضافة حقيقية لمسعى اصلاح النظام الاقتصادي الوطني عبر رؤية متقدمة يجري فيها ادماج الصيرفة الاسلامية في الصناعة المالية العامة، والاستفادة من تجربة التمويل الاسلامي عبر العالم وفي فرنسا بالخصوص أين يستمر التكوين الجامعي المعتمد في تخصص “المالية الاسلامية”. ويمكن للجزائر تحقيق ضبط أقوى لسياستها النقدية والمالية باعتماد الزكاة كآلية تمويلية اجتماعية واقتصادية في شكل صندوق استثماري متخصص، ويمكنها أيضا استقطاب مزيد من الادخار وودائع العملاء بفتح الشبابيك اللاربوية لدى البنوك كمرحلة أولى، وزيادة على ذلك يمكن للسلطات المالية توسيع وعاء الجباية الى حدود لا يتخيلها أحد في اللحظة التي تحرر فيها السوق النقدية من قيود الرقابة‭ ‬الرأسمالية‭ ‬لفائدة‭ ‬الرقابة‭ ‬الشرعية‭ ‬المبنية‭ ‬على‭ ‬الاسلام‮.‬
    Messaitfa‭.‬bachir@gmail‭.‬com
أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
3
  • بدون اسم

    نشكر الأستاذ على مقالاته المنميزة ولكن يلاحظ أن تعليقات القراء لا ترقى إلى المستوى مقالات الأستاذ نظرا لجهل الكثير من القراء بمبادئ الا قتصاد و النظام المالي العالمي لذ حبذا لو يخصص الأستاذ الكريم بعض المقالات لهذا الغرض مشكورا

  • نوران

    مقال أكثر من رائع

  • إسلام

    جزاك الله كل خير يا أستاذ على الأطروحة المميزة
    لا يوجد ما نستطيع ان نعقب عنه