-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

الفريق أحمد قايد صالح.. مواقف ومآثر نوفمبرية خالدة (1)

موسى بودهان
  • 588
  • 0
الفريق أحمد قايد صالح.. مواقف ومآثر نوفمبرية خالدة (1)
ح.م

بداية، يجب أن نعزي أنفسنا ونعزي جميع أفراد مؤسساتنا العسكرية، الأمنية، الإدارية والاقتصادية، بل نعزي كافة أفراد شعبنا الأبي في مصابنا الجلل، فقيدنا العزيز الغالي، فقيد الجزائر، المجاهد الفذ الوطني المخلص الصادق الشهم الوفي القح، المرحوم الفريق أحمد قايد صالح، نائب وزير الدفاع الوطني، رئيس أركان الجيش الوطني الشعبي، منحنين إجلالا وترحما أمام روحه الطاهرة الزكية، متضرعين إلى الله سبحانه وتعالى أن يتغمدها بواسع الرحمة والغفران ويرزقنا جميعا، نحن وعائلته الوطنية الصغيرة والكبيرة، جميل الصبر والسلوان، ولن نقول إلا ما يرضي الله عز وجل: “كل نفس ذائقة الموت…”، إنا لله وإنا إليه راجعون، لله ما أعطى ولله ما أخذ، اللهم إن كان المرحوم عمي صالح، محسنا فزد في إحسانه وإن كان مسيئا فتجاوز عن سيئاته… الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.

إن اللسان ليعجز عن إيجاد الكلمات الصادقة الواجب قولها بكل موضوعية وحياد وتجرد عن هذا الرجل الصنديد الفذ المرحوم، الفريق المجاهد الوطني المخلص فقيد الجزائر، فمهما حاولنا الإلمام ببعض الجوانب من مواقفه ومآثره النوفمبرية الخالدة فإننا لا نوفيه حقه، لكن ينبغي التأكيد على أن اسمه سيكتب ويخلد بأحرف من ذهب على صفحات تاريخ الجزائر الناصح بقديمه وحديثه، كيف لا وقد عاهد الشعب قولا فصدق ووفى بعهده عملا:

1.لقد وعد بمرافقة الحراك الشعبي طوال مسيراته الحاشدة عبر كامل أنحاء القطر الوطني بألا تراق قطرة دم واحدة رغم الأجواء المشحونة التي صنعها النظام البوتفليقي وعصابته، قائلا “أنا ابن الشعب ومن وسطه ولن أرض إلا بالسهر على ضمان أمنه وحماية ممتلكاته”، “وإذا كان لابد من توجيه السلاح فيجب أن يوجه إلى لعدو لا إلى الشعب”، فكان ذلك، حيث أسدى التعليمات اللازمة لكافة المصالح العسكرية والأمنية لحماية كل هذه المسيرات من أي احتكاك أو صدام يمكن أن يحصل بين ومع الآلاف من الجزائريين الذين يجوبون من خلالها شوارع ومدن الجزائر كل يوم جمعة وثلاثاء فتمت جميعها، بحمد الله، في كنف هدوء وسلمية وتحضر أبهر العالم.

لأنه من النادر أن يحدث مثل هذا الأمر حتى في الدول التي تتباهى بعراقتها في الديمقراطية، ويمكن أن نسوق كبرهان على ذلك ما وقع في عاصمة ومدن فرنسا قبل أشهر وفي الأيام الأولى حيث تم قتل أكثر من 12 متظاهر وجرح أكثر من ثمانية آلاف واعتقال أكثر من اثني عشر ألف لا يزالون يقبعون في السجون الفرنسية إلى اليوم من أصحاب ما يعرف بالسترات الصفراء. وإذا كان البعض قد يعترض على هذا البرهان بالقول أن الجزائر هي الأخرى عرفت مثل ما عاشته فرنسا، فإن البعض الآخر يجيب ويرد قائلا: (صحيح أن بلادنا سبق لها وأن عرفت في بداية التسعينيات من القرن الماضي وضعا مشابها لما عاشته خلال الأشهر العشرة الماضية، إلا أن تلك المرحلة “مرحلة التسعينيات” سقطت فيها أرواح كثيرة وسالت فيها دماء غزيرة فضلا عن الخسائر الأخرى في الأموال والممتلكات التي حصلت بفعل القيادة العسكرية “الهجينة” للجيش آنذاك، خلافا للمرحلة الراهنة التي تولت تسيير شؤونها العامة قيادة عسكرية نوفمبرية مجاهدة وطنية صادقة مخلصة، قيادة من طينة الكبار الأجلاء العظماء، وعلى رأسها المرحوم بإذن الله نائب وزير الدفاع الوطني، رئيس أركان الجيش الوطني الشعبي المجاهد الفذ أحمد قايد صالح غفر له الله وأسكنه فسيح جنانه، والذي افتقدته قيادة التسعينيات”.

2.لقد التزم بإيجاد الحلول الملائمة لأزمتنا السياسية التي صنعها النظام البوتفليقي وقواه غير الشرعية أو غير الدستورية التي تشبثت بالرئاسة وهربت خاتمها وفعلت الأفاعيل بالدولة والمجتمع شعبا واقتصادا ومؤسسات… أزمة عجز عنها أبرع السياسيين عندنا “باستثناء بعض المبادرات التي كانت تأتي من هنا وهناك”. فوفى بهذا الالتزام، حيث طالب علنا، في الاجتماع الشهير لأعضاء قيادة الأركان والنواحي والمبثوث عبر القنوات التلفزية الوطنية، العامة والخاصة، بضرورة تفعيل أحكام المادة 102 من الدستور، فكان ذلك حيث استقيل رئيس الجمهورية السابق “عبد العزيز بوتفليقة” فورا من منصبه وتولّى رئيس مجلس الأمّة “عبد القادر بن صالح” مهام رئيس الدّولة لمدّة أقصاها تسعون (90) يوما، كان يفترض أن تنظّم خلالها انتخابات رئاسيّة، غير أنها لم تنظم لعدم توفر الظروف المناسبة لذلك حسب البعض، ولتعنت وتزمت شريحة ما من المجتمع حسب البعض الآخر.

3.أصر على التمسك بالانتخاب الرئاسي كحل ديمقراطي في إطار الدستور وعدم الذهاب إلى المراحل الانتقالية والمجالس التأسيسية والهيئات المعينة وما يخلفه كل ذلك من فراغات مؤسساتية وآثار وخيمة بل ونتائج مدمرة للبلد برمته، مرددا “أنا من الشعب ولن أكون إلا في صفه ولصالحه بآليات ديمقراطية لا غبار عليها”، مقترحا أن ينظم الانتخاب الرئاسي يوم 12/12 وقد نظم فعلا في هذا التاريخ بالضبط بعد أن أوصى بتهيئة الظروف المواتية والعدة القانونية والمؤسساتية اللازمة لذلك حتى تكون شفافة وديمقراطية، تعددية وذات مصداقية، بدئا باستحداث هيئة وطنية للوساطة والحوار، مرورا بتعديل القانون العضوي للانتخابات وسن قانون عضوي جديد ينشئ، لأول مرة في تاريخ الجزائر، سلطة وطنية مستقلة تتكفل، جملة وتفصيلا، بالعملية الانتخابية من بدايتها إلى نهايتها. ملبيا بذلك مطالب الحراك ومنها تطبيق المادتين 7 و8 القاضيتين بأن الشّعب مصدر كلّ سلطة. وأن السّيادة الوطنيّة والسّلطة التّأسيسيّة ملك للشّعب وحده. وأن يمارس الشّعب هذه السيادة والسلطة إما بواسطة المؤسّسات الدّستوريّة الّتي يختارها. أو عن طريق الاستفتاء وبواسطة ممثّليه المنتخَبين.

4.لقد التزم بتأمين المسار الانتخابي وحماية الناخبين لكي يمارسوا مواطنتهم دون أي ضغط أو إكراه وفي جو ملؤه الطمأنينة والسكينة والحرية والديمقراطية “من شاء أن ينتخب فله ذلك ومن لم يشأ فله ما أراد”، فوفى بل وجسد فعلا الانتقال السلس للسلطة، حيث رأينا كيف خرج الجزائريون عن بكرة أبيهم، في طوابير عريضة وطويلة، يوم 12/12 لاختيار رئيسهم من بين الخمسة المترشحين، وقد انتخبوا فعلا السيد عبد المجيد تبون رئيسا جديدا للجزائر. ويمكن القول بأن هذا الانتخاب يعد أول انتخاب رئاسي شفاف وحر، تعددي وديمقراطي تعرفه الجزائر. ولعل ما يؤكد هذا شهادة المترشحين لهذا الانتخاب أنفسهم، حيث لم يقدموا أي احتجاج على نتائجه أو طعن فيها، بل الأكثر من ذلك هنأو الفائز بمنصب رئيس الجمهورية، السيد عبد المجيد تبون، وحضروا مراسيم أدائه اليمين يوم 20/12 طبقا للمادتين 89 و90 من الدستور. نعم لقد أصر فقيد الجزائر على تجاوز الفراغ المؤسساتي الذي صنعته ممارسات النظام البوتفليقي المهلوك، بإلحاحه وتأكيده في كل مرة على أهمية الانتقال من رئاسة الدولة إلى رئاسة الجمهورية عبر آليات الديمقراطية “الانتخابات”، متمسكا بالدستور ورافضا الولوج في متاهات المراحل الانتقالية مما يبين حنكته وتمكنه، وقد وفقه الله في إنجاز هذه الغاية الوطنية النبيلة فحضر مراسيم أداء اليمين والتنصيب للرئيس الجديد..معايشا نشوة هذا الإنجاز، قبل أن تغيبه المنية عنا بعد عشرة أيام فقط من ذلك التنصيب.

5.لقد رافق السلطة القضائية ودعمها سرا وعلنا في محاربة الفساد واستئصال شأفته دون رحمة أو شفقة، ألم يقل لوزير العدل حافظ الأختام الحالي “يجب أن نذهب في مكافحتنا لآفة الفساد والمفسدين إلى أبعد مدى ومهما كانت الظروف”، لقد هدد أفراد العصابة “س. بوتفليقة، م. توفيق، ب. طرطاق، ل. حنون” بالكف عن التآمر ضد سلطة الجيش ومصلحة وأمن واستقرار الجزائر…وإلا طبقت عليهم قوانين الجمهورية وخاصة قانوني القضاء العسكري والإجراءات الجزائية بمنتهى الشدة والصرامة وكان ذلك حيث نفذ تهديده ووعيده ضدهم بمتابعتهم جزائيا من طرف وكيل الجمهورية العسكري وقاضي التحقيق العسكري بالمحكمة العسكرية بالبليدة إذ تم السماع إليهم والتحقيق معهم وفيما بعد إدانتهم بأحكام قضائية مختلفة تصل إلى حد 15 سنة حبسا نافذا. علما بأن هؤلاء المتهمين “المحكوم عليهم” ينتظرون محاكمتهم مجددا أمام مجلس الاستئناف العسكري بعد أن طعنوا كلهم في هذه الأحكام.

6.لقد استعاد جهاز المخابرات الذي ألحقه الرئيس المخلوع، ظلما وبهتانا، برئاسة الجمهورية ضمن سلسلة المراسيم العشوائية والارتجالية التي اتخذها في هذا الخصوص “المرسوم الرئاسي رقم 08-52 القاضي باستحداث مصلحة مركزية للشرطة القضائية للمصالح العسكرية للأمن التابعة لوزارة الدفاع الوطني وتحديد مهامها، والذي ألغاه بمرسوم رئاسي آخر أصدره في 23 سبتمبر 2013 يتضمن حل هذه المصالح وإلغاء وجودها القانوني، علما بأنها كانت تتمتع بصفة الضبطية القضائية، وكانت قد أجرت تحقيقات لصالح الجهات القضائية في قضايا فساد، أبرزها قضية شركة النفط الجزائرية سوناطراك التي تورط فيها وزير الطاقة السابق شكيب خليل، وهو الوزير المحسوب سياسيا على النظام البوتفليقي. هذه المصالح إذن لم يدم عمرها سوى خمس سنوات، منذ استحداثها في فبراير 2008.

7.لقد التزم بمحاربة الفساد والمفسدين أينما كانوا وحيثما وجدوا، تجسيدا لمطالب الحراك الشعبي، إذ وباستعادته الجهاز المذكور آنفا ورده إلى حضنه العادي والطبيعي ألا وهو الجيش الوطني الشعبي، يكون قد أعاد تفعيله من جديد ولعل الملفات الفسادية العديدة والضخمة التي تحدث الفريق عن خطورتها وعن مراكز “أبطالها” في المجتمع بذهول وحيرة كبيرين، والتي عالجها بالتنسيق والتكامل مع كل من جهاز الدرك الوطني والجهات القضائية المختصة لاسيما المحكمة العسكرية بالبليدة فيما يتعلق بخمسة ألوية وقادة نواحي عسكرية، والقطب الجزائي بمحكمة سيدي امحمد فيما يخص أكثر من 20 وزيرا ومعهم رئيسا حكومة “وزيرين أولين” وما يعادل المئات من رجال الدولة “ولاة ومديرين عامين ومركزيين ومسؤولين كبار” والعشرات من رجال المال والأعمال الذين فيهم من حكم عليه قضائيا وفيهم من ينتظر!. نتيجة للفساد الذي أتى على الأخضر واليابس ضاربا بأطنابه كل القطاعات والمستويات، ففي اجتماع مجلس مساهمات الدولة المنعقد في جويلية الماضي، تم كشف تجاوزات خطيرة في السنتين الماضيتين: “فضائح بالجملة من خلال استوزار وزراء ومديرون عامون دون “ديبلوم”!، مجمعات صناعية تبيع تجهيزاتها في المزاد العلني!، توقيعات على مخططات عشوائية للتسيير، ديون كبرى مترتبة على عاتق المؤسسات!، هذا دون الحديث عن قضايا السوناطراك، وامتيازات الأراضي الفلاحية، والبنوك وقطاعات الصناعة والطاقة والفلاحة….

8.لقد نوع مصادر التسليح وطور من قدرات الجيش الوطني الشعبي لاسيما في مجالات التكوين، الصناعات العسكرية، الشؤون الاجتماعية، الرياضات المختلفة، رافعا له درجات ضبط النفس، التأهب والاستعداد لأي طارئ قد يحدث وذلك من خلال تنقلاته المستمرة ومتابعاته الميدانية لنشاطات الهياكل والأجهزة والنواحي والقطاعات والوحدات العسكرية المختلفة مع الحضور الشخصي والمكثف في جميع المناورات القتالية التي تقام هنا وهناك حماية لحدودنا المستهدفة وضمانا لأمننا واستقرارنا ومحافظة على استقلالنا الوطنيّ، ودّفاعا عن سّيادتنا الوطنيّة ووحدة بلادنا، وسلامتها التّرابيّة، وحماية مجالها البرّيّ والجوّيّ، ومختلف مناطق أملاكها البحريّة. كما تقول المواد 28، 13، 12، 8، 7 وغيرها من الدستور.

9.لقد أسس وساهم في بناء مساجد ومدارس قرآنية مع تمويلها ومساعدة مرتاديها والقائمين على شؤونها…، لقد حمى الدستور والديمقراطية والانتخابات والحقوق والحريات بل الدولة والمؤسسات… لقد رفض وأدان أي تدخل خارجي في شؤوننا، لقد جمع شمل الجزائريين حيا وميتا….نعم لقد فعل الكثير والكثير لهذا البلد الطيب ولهذا الشعب الكريم، ونحن مع الأسف لا نعرف قدر الرجال الأوفياء المخلصين لوطنهم ودينهم وأمتهم إلا بعد مغادرتهم لهذه الحياة الدنيا. فألف ألف رحمة من الله عليك يا فقيد الجزائر، نم قرير العين أيها الفريق المجاهد البطل المغوار، طيب الله ثراك وجعل مثواك الجنة بغير حساب، لأنك صنت الأمانة وحفظت الوديعة إلى آخر رمق من حياتك.. غفر الله لك وألهم ذويك، جميل الصبر والسلوان. “إنا لله وإنا إليه راجعون”.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!