-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

الفساد القضائي

الفساد القضائي
ح.م

انتقد الرئيس بوتفليقة (1999) القضاء وعيّر القضاة بالفساد وانعدام الكفاءة، وقبلها، قام الوزير لحسن سوفي (1980) بإنهاء مهام قضاة بتهم فساد فتمّ إنهاء مهامه من قبل الشاذلي بن جديد، وبعده أنهى الوزير عبد الحميد ماحي باهي (1993) مهام قضاة للسبب نفسه، فتمّت تنحيته من قِبل رئيس الحكومة عبد السلام بلعيد وأعيد القضاة الموقوفون إلى مناصبهم، كما انتقد محمد شرفي (2013) القضاة الفاسدين فراح ضحية قضية فساد سونطراك1، وقام أحمد أويحي (1999-2002)، وطيب بلعيز (2003-2013) بعزل العديد من القضاة الفاسدين وسجن بعضهم. فهل نفع اللوم والعقاب؟ والحال أنّ القضاء مطالب بمحاسبة المفسدين.

 الفساد القضائي واقع وليس خرافة

يتذكر القضاة الممارسون بداية حكم بوتفليقة، أنه نعتهم في خطابه لافتتاح السنة القضائية بقضاة “الشكارة”، وطعنهم في كفاءتهم “عندنا قضاة ولكن ليس لنا حكام”، ورماهم بترّهل العزيمة. لم يتكلم أحدهم حينها، رغم مرارة ما سمعه الشرفاء والشريفات منهم. غير أنه للأمانة، استقال إثرها قاض من شرق البلاد (خليلي سليمان)، ودافع الرئيس الأول للمحكمة العليا حينها (ناصري عزوز) عن نظرائه في الندوة المنظمة (جوان 1999) من قِبل مجلس الأمّة، المتعلقة باستقلالية القضاء (نشريات مجلس الأمّة. ص.83)، أيضًا ذكرت السيدة ليلى عسلاوي (قاضية ووزيرة سابقة) في مقالها بعنوان: القضاء؛ سلطة أم وظيفة؟ المنشور بمجلة سنة المغرب 2007، بأنّ بوتفليقة نعت سلك القضاة في خطاباته بـ”عديم الكفاءة والمرتشي” ورمَزَ لتعاملاتهم بـ”الشكارة” كناية عن الفساد (الرشوة) الذي انتشر في القطاع. التعاطي مع “الشكارة” الذي أكّده رئيس جمعية القضاة المفصولين (غير المعتمدة)، محمد بختاوي في تصريحه الصحفي ليومية الوطن (11/4/2013)، وأقرّها كظاهرة رئيس نقابة القضاة السابق، جمال عيدوني (الصحيفة نفسها ص. 5، ويومية الخبر بتاريخ 17/12/2017)، الذي اعترف بأنّ إنكارها مستحيل، ومدعاة للسخرية. الطرح نفسه سار عليه رئيس نقابة القضاة الحالي سعيد مبروك. فالفساد القضائي ظاهرة وبائية موجودة وليس ضربًا من التجنّي على هيئة القضاة، ولا أدّل عليه من سجن وزراء عدل بتُهم فساد (أويحي ولوح)، ممّا دفع الوزير بلقاسم زغماتي إلى التعهّد بمحاربته (خطابه من قسنطينة 22/8/2019).

“ما سُمّي بإصلاح العدالة كلام فارغ”

لقد ناور الرئيس يوتفليقة بدهاء، زاعما إحداث تعديلات على منظومة الحكم عبر إطلاقه لورشات إصلاح الدولة (لجنة ميسوم سبيح) وإصلاح العدالة (لجنة المرحوم محند اسعد)، غير أنّ التقارير بقيت حبيسة أدراج مكاتب الرئاسة لغرض في نفسه. لكن ذلك لم يمنعه -لتنفيذ مخططاته– من إقرار زيادات معتبرة في راتب ومنح القاضي وتعويضاته المالية (2008) جعلت عدد الراغبين في الالتحاق بالمدرسة العليا للقضاء يصل إلى 10 آلاف مترشح للمسابقة (راتب قاض مبتدئ متربص مع التعويضات والمنح يتعدى 11 مليون سنتيم، وللأسف تمّ قبول ملفات مترشحين تحصلوا على 7/20)، في حين دعا الأمين العام المستقيل من نقابة القضاة، كمال أحمد حيمر القضاة إلى عدم التركيز فقط على المسائل “الغذائية” (الخبر بتاريخ 28/3/2013)، وهو ما استاءت منه أيضًا القاضية والوزيرة السابقة؛ ليلى عسلاوي: “فإذا أصبحت المسائل المادية تُبرّر النقائص في أداء القضاة، وإذا قرّر القاضي أنّ مردوده مرتبط أساسًا بكشف راتبه، فستنتهي العدالة.” (كتابها “أن تكون قاضيا” باللغة الفرنسية، ص. 51 وص. 133 ومقارنتها بمقولة أحد القضاة الذين فصلوا في قضية المؤتمر 8 لحزب جبهة التحرير الوطني المتعلقة برئاسيات 2004 مبّررًا حكمه: “وخبز أولادي من يُفكّر فيه؟”، ليلى عسلاوي، مجلة سنة المغرب 2007.ص ص.135-140.)

كما حققت المفتشية العامة للمالية في قضايا فساد بالمحكمة العليا (الخبر 04/11/2014)، واستفادة مئات القضاة من منحة بدل الإيجار (4 ملايين سنتيم) في حين إنهم يسكنون سكنات وظيفية، منها حالة قاض بالمحكمة العليا يسكن بإقامة الدولة بنادي الصنوبر على نفقة الشعب ويستفيد من منحة بدل الإيجار، في حين إنه يمتلك سكنيين وظيفيين بمدينتين اشتغل بهما سابقا كقاض (الخبر 6/1/2015). فالتلاعب بالقانون والالتفاف على الأحكام القانونية والتدابير التنظيمية ديْدَن بعض القضاة الفاسدين، وفي المقابل ينصاع هؤلاء للإملاءات الهاتفية لقاء راحة البال وترقية مضمونة ومنصب نوعي مريح، وهو ما دفع بقائد الأركان، الفريق أحمد قايد صالح، إلى التهكم قائلا: “ما سُمّي بإصلاح العدالة كلام فارغ”.

غير أنّ قضاةً تمت تنحيتهم ليس بتهم الفساد، بل بذريعة خرق واجب التحفظ المطّاطة لغرض في نفس من عزلهم، فمن يُنجدهم (في غياب نقابة قوّية) غير مجلس الدولة؟

مجلس الدولة قِبلة القضاة المظلومين

توجّه العديد من القضاة المعزولين والمعاقبين بالتحويل الإجباري والقهقرى إلى مجلس الدولة بوصفه الحامي من تعسفات السلطة، غير أنهم اصطدموا بصخرة غير ظاهرة حطمت آمالهم. فمجلس الدولة حجب القرار القضائي رقم 16886 المؤرّخ في 7/6/2005 المتعلق بقضية القاضي اعمر بن خدّة الذي غيّر اجتهاد مجلس الدولة (برئاسة فلة هني) في قبول الطعون بالإلغاء في القرارات التأديبية للمجلس الأعلى للقضاء، مما أضاع حقوق العديد من القضاة المتضررين من عقوبات تأديبية رفعوا طعونا بالإلغاء لدى مجلس الدولة رفضها في الشكل (طعن بنقض عوض الإلغاء؛ من بينهم رئيس نقابة القضاة السابق؛ محمد رأس العين، ورئيس فرع قسنطينة؛ عبد الله هبول) لعدم علم أصحابها بذلك الاجتهاد الذي نُشر في 2012 (ثماني سنوات بعد النطق به)، وانتقده الأستاذ غناي رمضان في تعليقه عليه، وأبان عيوبه القضائية (اختلالات بين حيثيات القرار ومنطوقه، حذفتها رقابة المجلس عن النشر في مجلة مجلس الدولة عدد رقم 10/2012). أفلا يُعدّ هذا وجها من وجوه الفساد؟ والحال أنّ القانون لا يحمي المغفلين، لكن شريطة إعلان ونشر القانون لا التستر عليه وحجبه.

لقد امتنعت رئيسة مجلس الدولة سابقا؛ فريدة بن العابد أبركان عن النطق بالمادة 99 من القانون رقم 89-21 المتضمن القانون الأساسي للقضاء، التي حصّنت قرارات المجلس الأعلى للقضاء من الطعن بالإلغاء، وأبطلت قراراته التأديبية التعسفية مستندة إلى المبادئ العامة للقانون، ومتّبعة لسياسة اجتهادية تسعى لاكتساب مساحات رقابة جديدة لمجلس الدولة، فمن خصال القاضي الجيّد توسيع اختصاصاته (قرار المجلس رقم 172994 بتاريخ 27/7/1998 مجلة مجلس الدولة عدد رقم 1/2002، وقراره رقم 5240 بتاريخ 28/1/2002 الصارخ في وجه أعضاء المجلس الأعلى للقضاء المجتمع في تشكيلته التأديبية بتاريخ 24/11/1999 الرافض لتنفيذ قرارها الأول سالف الذكر، فرَمَتهم بـ “الاستغباء القضائي” مجلة مجلس الدولة عدد رقم 2/2002). فالقاضي الكفء المتمرس يخلق القاعدة القانونية ولا يكتفي بالنطق– كالببّغاء– بنصوص عرجاء ناقصة، تتعارض مع المبادئ العامة للعدالة والقانون وأحيانا حتى الطبيعة دون مساءلة فلسفية (لهذا وجب الحديث عن دولة العدل والحق وليس دولة القانون في الراهن الحالي)، وهي الحالة التي تواجه القضاء في قضايا الوزيرين الأوّلين أويحيى وسلال وإشكالية التعاطي مع نص المادة 177 من الدستور المتعلقة بالمحكمة العليا للدولة، والتخريجات البديلة المقترحة في غياب إنشاء تلك المحكمة. كما أنّ من بين أوجه الفساد أيضًا، رفض وزارة العدل تنفيذ قرارات قضائية صادرة عن مجلس الدولة ممهورة بالصيغة التنفيذية، تُمتّع قضاة تمّ عزلهم تعسفيا بحقهم في إعادة الاندماج في سلك القضاة (حالة علي شملال ونبيل إزغوتيو وراس عبد السلام كمثال).

القضاة الفاسدون أقلية متكاثرة باستمرار؟

في خطابه من قسنطينة (أوت 2019)، توّعد الوزير زغماتي القضاة الفاسدين بالتعامل معهم بحزم، وعدّهم قلّة من مجموع القضاة (لا ندري عن سياسة أم إحصاء؟)، إذْ يبدو من نبرة خطابه أنّ الفساد القضائي لا يزال ينخر سلك القضاة. وقبله (بخاصّة مع أويحيى وبلعيز) تمّ عزل العديد من القضاة الفاسدين، كما انتقد الوزير محمد شرفي في خطاباته الرسمية “قضاة الشكارة” ودعاهم– عبثا– إلى التوبة أو العقاب، وتردّدت في تلك الفترة أخبار حول إعداد قائمة سوداء بالقضاة الفاسدين بمساهمة جهاز أمني تنّصت على المكالمات الهاتفية وتعقّب تحرّكاتهم، والدليل تقديمه مشاريع مراسيم رئاسية بإنهاء المهام من مناصب نوعية وترقيات وتحويلات، رفضتها الرئاسة لتحفظ وزير الدولة؛ مستشار الرئيس الطيب بلعيزعليها لكون العديد منهم هو من اقترح تنصيبهم، وكانت الذريعة أنّ الوزير شرفي يريد وضع رجالاته في تلك المناصب بإيعاز من الجنرال محمد مدين المدعو توفيق، غير أنّ وضعية زغماتي الآن غير حالة شرفي آنذاك، والفرصة الزمنية التي أتاحها الحراك قد لا تتكرّر في المستقبل. فهل يبقى القضاة الفاسدون يتكاثرون باستمرار على قلتهم؟

الفساد القضائي نغّص فرحة استقلال الجزائر، وضيّع حقوق المظلومين، وحرمهم أحيانا حتى من حرّياتهم، ولا يزال (ضرورة تأسيس ضحايا الأخطاء القضائية لجمعيات محلية ووطنية)، فهل كُتب على قضاء الجزائر أن يبقى موبوءا بقضاة فاسدين، دون تفكير جدّي في استئصال هؤلاء الموبوئين من سلك يُطالبه الحراك بعمل جبّار (محاكمة الفاسدين واسترجاع أموال الشعب)؟ قرارات الوزير زغماتي ستُجيب عن ذلك، لأنّ الوعيد لا يصلح لتقويم هؤلاء، والتطهير هو العلاج الوحيد لعزلهم وبثّ الطمأنينة في نفوس المتقاضين والعائلة القانونية الكبيرة (قضاة، محامون، محضرون، كتاب ضبط، ضباط الضبطية القضائية…)، لاسيما أنّ إمكانية تعويضهم بأساتذة القانون المبرّزين والمحامين ذوي الخبرة تبقى قائمة، ريثما يُعاد النظر في شروط الالتحاق بمدرسة القضاء. فالقاضي(ة) الفاسد(ة) الذي استشعر الخوف سيلزم السكون مخافة كشف أمره كفيروس السيدا في مراحله الأولى، فإن أحسّ الأمان ظهر للعلن كما حدث في عُشريتيْ الفساد (1999-2019)، حينها سيكون الأمر قد استفحل والسلك لم يعد قابلا للعمل بكفاءة ونزاهة وجدّية، حتى لو أسكناه فيلا فخمة وقبّضناه مليارًا كل شهر.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
1
  • عبد الرزاق

    عندما يصبح المنتمي إلى المدرسة العلياللقضاء يتحصل على معدل 5/20 أثناء مشواره الدراسي و يعين قاضي بصفة عادية فاعلم أنك في الجزائر.