-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

الفعل (الانتخابي) المخل بالحياء !

حسان زهار
  • 318
  • 0
الفعل (الانتخابي) المخل بالحياء !

أثبتت الانتخابات المحلية الأخيرة، مرة أخرى، أن “الفعل” الانتخابي في الجزائر، بات للأسف أشبه ما يكون بالفعل المخل بالحياء، على اعتبار أننا نؤكد في كل مرة، وفي كل تجربة انتخابية، شذوذ هذا الخيار “غير الديمقراطي”، بعد أن تحولت الانتخابات من أداة لحكم الشعب، وتفكيك الألغام المجتمعية، والدفع بمشروع التنمية الى الأمام، إلى وسيلة ممجوجة لاستعباد الشعب وتنويمه عبر ممارسات تكرس بقاء نفس الوجوه ونفس الأساليب، وتنتج المزيد من اليأس والإحباط في نفوس الجماهير.

الفعل الانتخابي الذي من المفروض أنه فعل حضاري، ينم عن وعي وإدراك في المشاركة، وجزء أساسي من حقوق المواطنة، تحول بفعل “المكر السياسي” إلى مخدر أو “أفيون”، يتم بواسطته استغباء الجماهير في عملية استعراضية من دون روح ولا هدف، خالية من المفاجئات، لأن كل النتائج محسومة قبل انطلاق العملية، وليس بالضرورة عبر التزوير المباشر، التي اعتبره دربال كلاما فارغا، وإنما عبر التزوير العلمي، من خلال التحكم في العملية بآليات خاصة، تتيح في كل الأحوال لجهازي السلطة، الأفلان والأرندي، الاستحواذ على الأغلبية براحة تامة، مع منح بعض الهوامش البسيطة لأحزاب الديوكور السياسي وما أكثرهم.

في أصل الفعل الانتخابي المخل بالحياء هذا، يتضح أنه ومنذ توقيف المسار الانتخابي في البلاد قبل ربع قرن، تم اتخاذ قرار واضح المعالم، بأن لا يتولى الشعب مصيره، وأن لا يقرر مستقبله، على اعتبار أنه أثبت في أول انتخابات نزيهة، انه شعب لم يبلغ الحلم بعد بتعبير سعيد سعدي آنذاك، أو أنه “”غاشي” كما أقر بوكروح، لأنه اختار أسوأ الاختيارات التي عرضت عليه وقتها، وبالتالي، يجب أن تكون أي انتخابات يتم تنظيمها في الجزائر، عملية متحكم فيها، لا يكون دور الشعب فيها، أو الناخب بالتحديد، أكثر من صور متحركة بلا روح، تنقلها كاميرات التلفزيون الرسمي من مختلف المكاتب، مرفقة بحماس الشيوخ وزغاريد العجائز.

ماذا يعني تعويم اليأس من التغيير على الجماهير، وخاصة الشباب، بهدف دفعهم دفعا الى مقاطعة الانتخابات، وحرمان قوى فاعلة من الاعتماد الحزبي، وتجييش الملايين من عمال وموظفي ما يسمى الدولة العميقة، للمشاركة الكاسحة في أي انتخابات، عبر موظفي الادارة ومؤسسات الدولة والأجهزة الأمنية، مع المراهنة في المقابل على الفئات الأكثر هشاشية كالشيوخ والعجائز والنساء وباقي الفئات المستفيدة بطريقة أو بأخرى من ريوع الدولة ؟

كيف يمكن انتظار نتائج أخرى غير التي تمت برمجتها آليا لصالح جهازي السلطة، الأفلان والأرندي، ووسائل الدولة كلها تقريبا تصب لصالحهما، بينما تتخبط المعارضة الديكورية في شراء مراقبين لصالحها عبر المكاتب الانتخابية، كونها لا تمتلك الحد الأدنى من المناضلين الذين بإمكانهم تغطية أعداد بسيطة من تلك المكاتب، تاركة المجال لجهازي الدولة لملئ الصناديق في المكاتب المتبقية بأريحية تامة؟.

لقد تحدى مقري القائمين على هذه الانتخابات الصورية، عقب انتهاء المحليات الأخيرة، بالقول “كونوا رجالا وأقيموا انتخابات بواسطة لجنة وطنية مستقلة لتنظيم الانتخابات”، وهو التحدي الذي لا يمكن تنفيذه لأنه من شأنه أن يقلب الأمور رأسا على عقب، ما يجعل الشعب أمام خيارات صعبة في مواجهة هذا الواقع التعيس.

إن التجارب السابقة أثبتت وأعطت الأدلة الكافية، أن الطريق الوحيد للتغيير، بعيدا عن الثورات غير مضمونة النتائج، هو تغيير الجماهير لأدوات نضالها عبر صناعة أمل جديد ينهي مفعول “صناعة اليأس” الذي يخدم السلطة القائمة، وهذا لن يتأتى إلا بتوحيد المعارضة، أو أيجاد بديل شعبي حقيقي، تلتف من حوله تلك الجماهير المحبطة، مع اتخاذ قرار جماعي بوقف سياسة المقاطعة، والدخول المكثف للناخبين الى المعترك لحماية أصواتهم بأنفسهم.. ما عدا ذلك سيستمر “الفعل المخل بالحياء” الى ما لا نهاية، وتستمر خفافيش الليل تسرق أصوات الناس والمقاطعين وهم نياما، وتعطي للأموات الحق في تقرير مصير الأحياء.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!