-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

الفوضى لا تصنع نصرا..

الفوضى لا تصنع نصرا..
ح.م

من رأيي، وبعد  الحفل المأتم بملعب  20 أوت، أننا في حاجة اليوم ليس لتحميل المسؤولة لهذا أو ذاك رغم اشتراك أكثر من طرف في هذا الجرم، إنما لطرح سؤال كبير حول طبيعة سلوكنا الحضاري على أكثر من مستوى… عند دخول ملعب كرة قدم، أو حضور حفل غنائي، أو ركوب حافلة، أو طائرة، أو الاصطفاف في طريق مزدحم، أو حتى لشراء الخبز والحليب…هل ظاهرة الفوضى التي نعرف هي نتيجة نظام سياسي كرَّسها في المجتمع؟ أم نتيجة تخلي المجتمع ذاته والأسرة بالتحديد على أداء دور كل منهما في مجال التربية وتقويم السلوك وتنشئة الأبناء وفق قواعد الأخلاق والآداب العامة التي تساهم في صناعة التحضر؟

يبدو لي أنه علينا العودة بالذاكرة  بعض العقود للوراء لنعرف كيف كُنا و كيف أصبحنا و إلى أين نحن سائرون…
غداة استعادة الاستقلال… على الأقل  في تلك الحقبة التي عاش فيها جيلي طفولته، أشهد أن قيم الريف والبداوة والحي الشعبي كانت بالنسبة لنا  أرقى من قيم المستعمِر الغاشم الذي كان يدَّعي الحضارة.

قبل الاستقلال لم يكن أولياؤنا  يتحجَّجون بوجود النظام الاستعماري رغم قساوته وجبروته، ولا بوجود السلطة الاستعمارية بكل ترسانتها القانونية وأدواتها التغريبية، لنُرَبَى نحن الأطفال على  قيم أخرى غير الإسلام والوطنية والانتماء الحضاري، … ومازال جيلنا يذكر كيف كان النظام و الاحترام والتقدير لأهل العلم والاحتكام لأهل الرأي، وكيف كانت المشكلات الأكثر  تعقيدا تُحَحل في مجالس الحكماء والشرفاء ، بما فيها مشكلات الدم …

لماذا وكيف أضعنا كل هذا الرصيد  اليوم؟

يبدو لي أن المشكلة هي بحق مُرَكَّبَة، واختزالها في طبيعة النظام السياسي أو في قهر السلطة للشعب  ليس سوى تبسيط لها،  وعلينا القيام بمراجعة أكثر عمقا لحالنا والسؤال عن لماذا أصبحنا نُطاوع نظاما سياسيا نراه يتحرك ضد قناعاتنا؟

علينا لمعرفة ذلك أن نسأل:كم هم الذين مازالوا إلى اليوم يُرَبُّون أبناءهم على أولوية العلم  على المال، وأولوية العمل على السلطة، وأولوية الحياء على الوقاحة، وأولوية اللِّين على الشدة، وأولوية التسامح على الإنتقام، وأولوية الصدق عل  الكذب، وأولوية الإتقان على  التلفيق، وأولوية القناعة على اللهفة، وأولوية الواجب على الحق، و أولوية التضحية والبذل والعطاء على التخاذل والتقصير والبخل… وقس عل  ذلك بقية القيم…

كم مِنَّا يُطبِّق ذلك على نفسه وعلى أبنائه قبل أن يخوض في حديث واسع عن تغيير السلطة والنظام السياسي وما إلى ذلك.. أظن والحال التي نحن عليها، أننا بدل أن نراهن على تقويم المجتمع انخرط معظمنا في لعبة السلطة أو في لعبة البحث عن السلطة، وكانت نتيجة ذلك أَنْ تَلَوَّن المجتمع بلون السلطة – عكس الحقبة الاستعمارية – حيث كان المجتمع  مواز للسلطة إلى أن انتصر عليها…وعليه فإنه من العسير أن نُبشُِّر بتغيير سريع قادم وفينا مَن مازال يموت تدافعا عند مدخل ملعبٍ، يضم حفلا  لا هو حامل لقيم الأمة و لا ناطق بلغتها،  ناهيك عن أن  يكون فيه دفاع عن دينها  وقيمها الوطنية … بل لن نُبشِّر بأي تغيير  مادام  مجتمعنا لن نقول يواجه السلطة، بل فقط هو موجود  ويتحرك بالتوازي معها…

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
5
  • Mohamed

    الشيتة أيضا لا تصنع نصرا!

  • دوادي

    طرح عميق للأسباب الحقيقية لما جرى لأن المأساة التي حدثت ما هي الا نتيجة للمشكلة الأخلاقية و جدلية العلاقة بين المجتمع و السلطة و التي لخصتموها في مقارنتكم بين الفترة الاستعمار و الاستقلال حيث كانت مناعة المجتمع و راء خفاظه على هويته و وجوده هذه المناعة التي أصيبت بفيروسات متنوعة و التي رغم ذلك ما يزال المجتمع يحتفظ باصالته التي اصبح يحن إليها .

  • أنور freethink

    في ذلك الزمن، لم تسلموا عقولكم لتبرمجها هوليود، والقنوات الغربية، والأفلام والمسلسلات.
    الفيديو والتلفاز يرافق الإنسان في هذا العصر من الطفولة إلى المراهقة والشباب، أكثر من الوالدين، ويستمع لهم أكثر مما يستمع إلى والديه، ثم أتت مواقع التواصل النرجسية والأنترنت لتكمل المهمة.
    الطفل لايتعلم غالبا بالكلمات، وإنما بمايشاهده من تصرفات في محيطه وخاصة في أسرته، ثم ما يشاهده عبر التلفاز والأجهزة الإلكترونية. والمشكل أننا لانعود الأطفال على القراءة التي قد تغرس فيهم بعض القيم، وقد تعطي لهم بعض القدوة، التي يبحث عنها الناشئ فلا يجدها إلا في ممثل أو مغني أو لاعب كرة قدم لأنه يرى الإعلام يقدس هؤلاء

  • نحن هنا

    1_صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قالأخوف ما أخاف على أمتي: عليم اللسان يجادل بالقرآن
    2_عثمان رضي الله عنه قال يزع الله بالسلطان مالايزع بالقران:
    3_تحمبل المسؤليه للجميع مخادعة وتهرب من المسؤولية وتبرئة للمجرم

  • كمال

    التربية من شخصية الفرد حين يتعود على النظام فهذا يعود بالفائدة عليه و على المجتمع ..لكن الهمجية التي نعيشها الان لا توجد عند باقي الشعوب ((اذهبوا حتى الى رواندا)) التي كان فيها الاقتتال تكون فيه الضحايا بمئات الالاف لكنهم اليوم في قمة الحضارة ..التربية شخصية الانسان فعندما يحافظ عليها يرتقي