-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع
دراسة علميّة نشرها مركز دراسات الوحدة العربية

القدس: التاريخ الحقيقي… من أقدم العصور إلى الاحتلال الفارسي

القدس: التاريخ الحقيقي… من أقدم العصور إلى الاحتلال الفارسي
ح.م

صدر حديثا عن مركز دراسات الوحدة العربية كتاب “القدس: التاريخ الحقيقي- من أقدم العصور إلى الاحتلال الفارسي”، للدكتور أحمد الدبش، حيث أنه مع تسارع الخطوات الصهيونية نحو قَضم المزيد من الأراضي الفلسطينية وضمها رسمياً إلى الكيان الإسرائيلي، بما فيها أراضي مدينة القدس، التي أعلنتها “إسرائيل” بمباركة أمريكية عاصمة لها، تزداد أهمية الجهود الفكرية والعلمية لكشف زَيف الادِّعاءات التاريخية للكيان الصهيوني لتنفيذ مشروعه الاستيطاني الاستعماري في فلسطين، وبخاصة بعدما نجح هذا الكيان في تسويق ادعاءاته عالمياً، موظفاً الرواية التوراتية من جهة، وأعمال التنقيب والدراسات الآثارية المحرفة من جهة أخرى، لصوغ رواية تاريخية للقدس وفلسطين عموماً تزيّف الهوية الحقيقية لفلسطين وشعوبها على مدى آلاف السنين.

يعمل هذا الكتاب على كشف زيف الرواية “الإسرائيلية” حول تاريخ القدس، وفلسطين عموماً، من خلال تقديم رواية مغايرة لهذا التاريخ، متحررة من الخلفية الأسطورية المستمدة من التوراة من جهة، ومن الفرضيات المسبقة التي حكمت الدراسات الآثارية التي جعلت من الرواية التوراتية مرجعية تاريخية وجغرافية لها، وسعت لتغييب الهوية الفلسطينية العربية عن المكتشفات الآثارية في فلسطين. يساهم الكتاب في صوغ تاريخ حقيقي لمدينة القدس، يمتد إلى آلاف السنين، وهو يعمل على تفكيك الرواية التوراتية بوصفها تاريخاً حقيقياً، معتمداً على نتائج الحفريات الآثارية والمعلومات الأركيولوجية الحديثة التي أثبتت أن كل الادعاءات الصهيونية التي تربط مدينة القدس بالرواية التوراتية هي ادعاءات وهمية لا أساس لها في التاريخ.

وجاء الكتاب ضمن منهج مبنيّ على اعتماد نتائج الحفريات الأثرية، وتفكيك الرواية التوراتية، وتقديم رواية حقيقية بديلة لتاريخ مدينة القدس استنادًا إلى المعلومات الأركيولوجية الجديدة.

لقد تم تصنيف مواضيع الكتاب، من خلال أربعة عشر فصـلًا.

كرّس الباحث الفصل الأول، وهو “جغرافية مدينة القدس”، إلى إطلالة جغرافية وطبوغرافية لمدينة القدس، والحديث عن موقع المدينة ونشأتها على عدد من التلال يفصل بينها بعض الأودية، ويحيط بها مجموعة أخرى من الجبال والأودية، تمثل في مجموعها الحصانة الطبيعية للمدينة.

أما الفصل الثاني، وهو “المسوحات والتنقيبات الأثرية في القدس”، فقد جرى فيه استعراض المسح التاريخي والحفريات الأثرية في مدينة القدس خلال الأعوام 1738 – 2011، وتوصل المؤلف إلى أن جميع الحفريات التي تمت في مدينة القدس، تثبت أن ما ذكره المنقبون من تصورات تربط مدينة القدس بالروايات التوراتية، هي تصورات وهمية قام الأثريون بافتراضها، اعتمادًا على النص التوراتي كمرجعية في تفسير الآثار وفهمها.

أما الفصل الثالث، وهو “بدايات سكنى أرض القدس”؛ فيشير إلى أن قصة أصل الحضارة الإنسانية ثم مولدها وتطورها، ليست إلا سلسلة متعاقبة بدأت في بلاد فلسطين ومن ضمنها القدس، وليس بين شعوب العالم أجمع من هو أولى من شعب فلسطين بالعناية، وبذل الجهد في سبيل نشر هذا الفرع من المعرفة.

أما في الفصل الرابع، وهو بعنوان “القدس في العصر البرونزي المبكر”؛ والفصل الخامس، وهو “القدس في العصر البرونزي المتوسط”، والفصل السادس، وهو “القدس في العصر البرونزي المتأخر”، فتحدث الكاتب عن القدس في العصور البرونزية، وناقش المخلفات الأثرية المكتشفة والمؤرخة لهذه الفترات.

تحدث في الفصل السابع، وهو “اختلاق أورشليم في النصوص المصرية القديمة”، على أن هناك ظاهرة شائعة رافقت قراءة النصوص الأثرية المكتشفة، وهي تزوير وتحريف القراءات لإيراد اسم أو حدث معين في النص. وبعد كل هذا يجيء دور تعميم وترسيخ هذه “المعرفة”، والأخطر من هذا أن هذه القراءات “الزائفة” يتم تكرارها في أروقة البحث العلمي حتى بعد الكشف عن ضلالها. كما حدث عندما تم قراءة اسم “أورشليم” في “نصوص اللعن”، بينما النص الأصلي يتحدث عن “أوشاميم”! أما في ما يخص ذكر “أورشليم”، في رسائل تل العمارنة، فيكفي أن بأنه لم تقم أي “مدينة” في القدس في أثناء فترة “رسائل تل العمارنة”. ومن الناحية الأثرية، لم تكن القدس ببساطة مأهولة أثناء العصر البرونزي المتأخر.

عالج الفصل الثامن، وهو “القدس في العصر الحديدي”، قضية، هي من أكثر وأهم القضايا إثارة، وخطورة بالنسبة إلى تاريخ القدس، وهي أن القدس كانت خلال القرن العاشر والقرن التاسع قبل الميلاد بلدة متواضعة، ومن المستبعد أن هذه البلدة كانت عاصمة لدولة كبرى كتلك الموصوفة في النص التوراتي، مملكة إسرائيل الموحدة.

حاول الفصل التاسع، وهو “ما كان داود وسليمان يومًا في فلسطين”، التأكيد أن الآثاريين لم يتمكنوا من العثور على دليل يشير صراحة أو كناية إلى مملكة داود وسليمان في فلسطين. وبينما تقول رواية سفر صموئيل الثاني وسفر الملوك الأول بأن الملك داود أقام إمبراطورية تمتد بين النيل والفرات أورثها لسليمان بعد وفاته، لم يتمكن رجال الآثار من العثور على ذكر واحد لأي من ملكَي بني إسرائيل، رغم وجود 300 موقع تقوم فيها البعثات الأثرية بأعمال الحفر، في بلادنا فلسطين. وإذا كانت المملكة الداودية – السليمانية، ليست أكثر من اختراع توراتي تنفيه كل الوقائع الأركيولوجية والتاريخية في بلادنا فلسطين.

بينما ركّز الفصل العاشر، وهو “هيكل سليمان والبحث عن السراب!”، على مسألة مفهوم بناء الهيكل السليماني، بوصفِهِ مركزًا لعبادة يهوه، تلك الصور لا مكان لها في أوصاف الماضي التاريخي الحقيقي. إن قصة بناء الهيكل السليماني غير قابلة للتصديق، وإنها مجرد اختلاق توراتي.

يقدم الفصل الحادي عشر، وهو “حروب في اتجاه القدس!” أجابة وافية عن السؤال التالي: ماذا عن حروب شيشناق وسنخاريب ونبوخذ نصر في اتجاه مدينة القدس؟ ألا يثبت ذلك صدق الرواية التوراتية، التي تحدثت عن حروب هؤلاء الملوك في اتجاه “أورشليم”، ألا يثبت ذلك ما تناقله بعض الأكاديميين العرب، عن الباحثين التوراتيين، بان مدينة القدس هي “أورشليم”؟

يتناول الفصل الثاني عشر، وهو “لوثة ظاهرة أورشليم المرضية!”، ظاهرة التلفيق، حيث يسرد الباحث عدة نقوش (الرمانة العاجية، نَقْش تل القاضي (بيت داود)، نَقْش يهوآش، بردية يروشالمه) تم اصطناعها من وحي الحكايا الكتابية للبرهن على صدقية ربط فلسطين برواية “الكتاب المقدس”. وأيضًا يتناول التزوير والتحريف في قراءة “نقش سلوان”.

يناقش الفصل الثالث عشر، وهو “الاحتلال الفارسي واختلاق العودة اليهوذية”، المعلومات التاريخية الموثقة عن فلسطين في عهد الاحتلال الفارسي، فكل ما عادت به التنقيبات الأثرية هو محض نقوش متفرقة لا تسمح بأي حال من الأحوال برسم صورة عن أوضاع الإقليم، مهما كانت عمومية. هذا يعني أن الخطاب الكتابي، في رسمه تسلسل الأمور في فلسطين إبان الاحتلال الفارسي، يعتمد بالكامل على تأويل روايات مسجلة في العهد القديم، وعلى سفري عزرا ونحميا تحديدًا. ويؤكد الكاتب أن مرجعه المستقل الوحيد عن هذه الفترة، هو كتاب تاريخ “هيرودوت”، الذي لم يشر ولو تلميحًا إلى “يهوذا” و”إسرائيل”، فلو سمع بذلك لسجله.

أما الفصل الرابع عشر، وهو “من هم سكان القدس؟!”، فيشير إلى الوجود السكاني في مدينة القدس، منذ أقدم العصور إلى الاحتلال الفارسي.

لما كانت بعض المواقع الأثرية في فلسطين تذكر في الأبحاث المتخصصة اليوم بأسمائها الأجنبية دون أسمائها العربية الأصلية لأسباب لاهوتية/سياسية/استعمارية، هذه الأسماء الملصقة بالجغرافية الفلسطينية محت الأسماء الأصلية وحلت محلها، فقد ساق المؤلف في هذا الكتاب أسماء هذه المواقع الفلسطينية باسمها المتداول في الأبحاث المتخصصة أولًا ثم الاسم العربي الأصلي.

وتوضيحا لدوافع تأليف هذا الكتاب؟ يجيب الدكتور أحمد الدبش “لأننا للأسف الشديد لم ندرك إلى الآن أهمية كتابة تاريخ القدس بصورة علمية وواضحة، بعيدًا عن الأفكار التوراتية المسبقة”، حيث الكثير من الكتب العربية التي تناولت تاريخ القدس، لا تفعل أكثر من أن تنقل نقلاً مباشرًا الروايات التوراتية حول تاريخ القدس لتصوغها كما يصوغ التلميذ آراء مُعلمه.
القسم الثقافي

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!