-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

القرض الحسن لتمويل اقتصاد بديل

حبيب راشدين
  • 3313
  • 8
القرض الحسن لتمويل اقتصاد بديل
أرشيف

انشغال الحكومة بمواجهة تداعيات جائحة “كوفيد 19″، قد تفوت عليها فرصة التفكير في مواجهة تداعيات أزمة اقتصادية عالمية، مفتوحة على مواجهات متعددة الأوجه، بين الأقطاب الاقتصادية العالمية، حول إعادة تقسيم العمل ومناطق النفوذ والتوسع، وتعد بتغييرات عميقة في الأداء الاقتصادي والمالي، في عالم جديد، يبحث عن عولمة جديدة سوف تستعيد فيها الدولة القطرية كثيرا من صلاحياتها التي تنازلت عنها لمؤسسات “فوقومية” مثل: صندوق النقد الدولي، والبنك العالمي، وصندوق المقاصة، والنظام المصرفي الربوي.

فحتى قبل أن يكشف عن مستوى الانهيار في الاقتصاديات الرائدة في الأقطاب الثلاث: الصين، والولايات المتحدة، والاتحاد الأوروبي، سارعت الدول في هذه الأقطاب إلى تفعيل سياسات الحماية لاقتصادياتها، بتحرير كميات هائلة من الأموال، مصدرها الوحيد: ما يسمى بـ”تمويل غير اعتيادي” مثل التيسير الكمي (quantitatif easy) في الولايات المتحدة، الذي ضخ بموجبه حتى الآن قرابة 10 آلاف مليار دولار، ومثله فعلت الصين والاتحاد الأوروبي.

وحيث إن ما أحلوه لأنفسهم، لا ينبغي أن نحرمه على أنفسنا، فمن الواجب على حكوماتنا أن تفتح ورشة تفكير ـ بلا أفكار مسبقة ـ لتصور نموذج اقتصادي لما بعد انحسار وباء كورونا، يستشرف التحولات الكبيرة القادمة في الاقتصاد العالمي، ويأخذ بعين الاعتبار حاجة البلاد إلى التعامل بجدية وذكاء مع ثلاث تحديات كبرى:

التحدي الأول: له صلة بمصادر تمويل أنشطة الدولة والاقتصاد، فمع الاضطراب المستدام في سوق المحروقات وأسعارها، بات لزاما علينا التفكير في صيغ بديلة للتمويل لاقتصاد خارج عوائد النفط والغاز، وبعيدا عن اللجوء للمديونية الخارجية التي ترهن سيادة الدول، دون إضافة تذكر للنمو الاقتصادي وللثروة.

التحدي الثاني: له صلة بحاجة البلد إلى تأمين نسبة محترمة من الاكتفاء الذاتي في الغذاء والأدوية، بالقدر الذي يسمح لها بمواجهة أزمات مستقبلية كبيرة في خطوط الإمداد والتموين، إن لم تكن في حجم الإنتاج العالمي نفسه، مع ما يستشرف من تنامي إجراءات الحماية الجمركية، وابتزاز قادم للدول وللشعوب في قوتها، بأكثر مما كانت تبتز بأدوات التمويل وأدوات الحصار.

التحدي الثالث: تفرضه الحاجة الدائمة إلى توفير مناصب شغل دائمة، ومنتجة في قطاعات غير مرتهنة لتقلبات السوق العالمية، ولتداعيات الكوارث الطبيعية والأوبئة والحروب، مثل: قطاع الخدمات، والسياحة، والمناولة من الباطن للشركات العالمية الكبرى، قطاعات رأيناها تنهار بسرعة خارقة في بحر ثلاثة أشهر من الإغلاق، ومن التهويل المصنع بالجائحة.

أمامنا فرصة لا تعوض لبناء اقتصاد رديف مواز للاقتصاد القائم، توجه له موارد الدولة من التمويل غير الاعتيادي، بوصفه قرضا لهذا الجيل من الأجيال القادمة، نسدده بما نورثه لها من منشآت قاعدية، ومن اقتصاد منتج متنام، شريطة حماية هذا التمويل من الافتراس والعبث، كالذي تعرض له زمن هيمنة العصابة، وذلك باعتماد صيغة مبتكرة، يمنح فيها كل مواطن سهما متساويا، كقرض شخصي يدخل به في سوق أسهم داخلية، تمول حصريا المؤسسات التي ستنشط في قطاعات هذا الاقتصاد الرديف بقاطراته الثلاث: الطاقات المتجددة، والفلاحة، والمياه، وما يتصل بهذه القطاعات من صناعات وخدمات متعددة من المنبع إلى المصب.

فبمنحنا لكل مواطن قرضا بنظام المرابحة بـ 10000 دولار (أي ما يعادل ثلث ما يمنح من قروض لأي طالب في الولايات المتحدة) نستطيع أن نوفر تمويلا ميسرا لهذا الاقتصاد البديل، بما يعادل 440 مليار دولار، بمعدل استهلاك سنوي قدره 44 مليار دولار طوال العشرية القادمة، تمويل ميسر قادر على تغطية حاجيات مشاريع إنمائية في القطاعات الثلاث، لن يكون له تأثير يذكر على منسوب التضخم، ما دامت أمواله موجهة حصريا للاستثمار المنتج، وتمنحنا فرصة تحويل 44 مليون مواطن إلى مساهم نشط ومسئول في النشاط الاستثماري، بدل استفراد ثلة من المضاربين من أمثال علي حداد، الذي استفاد من 452 قرضا بما قيمته 210 مليار دينار، أو ما يعادل 16.5 مليار دولار، أي ما يكفي لتمويل قروض فردية بـ 10000 دولار لـ 1,65 مليون مواطن، وإن ما أقترحه يساوي فقط 26,66 مرة ما منح لعلي حداد وحده.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
8
  • مصطفي عبد الحميد دسوقي بدوي

    ,محتاج قرض 30الف جنيه مصري للضروره ولتحميل مشروعي

  • ناصح مخلص

    أشكر جزيل الشكر أستاد حبيب الراشدين على مقالاتَه ،تصور صحيح أن نُعطي المواطن فرصة الإستثمار حتي يُدرِكَ أنهُ مسؤول ومساهم في التنمية لقد كان بإمكاننا في العشرين عام من حُكم بو تفليقة أن نَؤسسَ قاعدة إقتصادية هائلة لكن كنا نُعطي القروض أونساج لصنعِ الحلويات أصبحنا من الدول المستهلكة للسكربينما أصحاب المشاريع الإستراتجية نضعها في الرفوف المشكل أننا نتحرك دائماَ في الوقتِ الضائع ،حينما أصبح برميل النفط 30دولار٠

  • Mami Ahmed

    J'ai aime ton point de vue avec une politique de mourabaha, on peut sortir de la crise mais a condition d'encdrer les futures cadres. Merci

  • و احد فاهم اللعبة

    الاخ مواطن
    افكارك صائبة تماما لان الواقع شيئ و احلام بعض الاقلام شيئ اخر فقط ساعيد و فقط التوفر على نظام بنكي قوي معلوماتي وبكفاءات عالية على كل المستويات يتطلب عشر سنوات من الجهد والتجديد الا ان اخانا انساه قلمه وبدا في عد 450 مليار دولار الملايير عنده كالشلال ضن نفسه امريكا او اليابان وحتى المشاريع التي يتحدث عنها تكنولوجيتها وموادها الشبه مصنعة كلها مستوردة بالعملة الصعبة والصندوق باح مافيش ياحبيبي لم تبقى فيه الا بضعة دولارات لا تكفي حتى لاشباع البطون ذهب وهرب القطار والشاحنة تنحدر في واد سحيق

  • لزهر

    نحن في طريقنا الي ما يسمى( اقتصاد التباعد الاجتماعي)
    الاغلاق والترهيب و الترويع جاء عن قصد
    دخل الإنسان تسطيع ان نقول في تربص لمدة 40 يوم و ذاللك لتغير عاداته و متطلباته في الحياة اليومية وتهيئه لضروف أخرى نوعا ما قاسية.
    لقد أصبحت كبار الدول عاجزة و خاصة في المدن ذات الكثافة السكانية عن إطعام إسكان و توفير الدواء لهؤلاء.
    اذن لا بد أن تكف و تبتعد عن حياتك الأولى و تدخل في حياة أخرى تعتمد على البساطة.
    و لقد عجزت هذه الدول حتى عن طريق الدعاية والإعلان للتهرب عن خفقها اقتصاديا فاخلطت كل الأوراق.
    اظن ان الانسان البسيط مهيء لمثل هذه الظروف و يسطيع ان يعمل ثورة إذا وفرت له بعض الإمكانيات

  • رشيد تلمسان

    لو يسهلوا القرض الحسن بدون بروقراطية قاتلة للمبادرات و ينظمون العملية التجارية حتى يتمكن المنتج من تصريف منتوجاته و لا يخسر فيها ، الاكتفاء الغذائ يكون بسرعة

  • مواطن

    كما أن إجراءا ضخما كهذا يحتاج الى وجود بورصة قوية تدار بشفافية و صرامة و حوكمة تامة و نظام بنكي متطور و مرقمن و قضاء متخصص. زيادة على أولوية نشر الثقافة الاستثمارية في المجتمع. و هذه كلها غير جاهزة حاليا.
    أعتقد أنه بدل طباعة النقود يجب البدء بوضع نظام استثماري و بنكي و ضريبي لسحب الأموال المكدسة في السوق الموازية و توجيهها نحو الاستثمار المنتج و ذلك بوضع قواعد لحماية المنتج الوطني و المراقبة الصارمة للاستيراد و جعل الاستثمار المنتج أكثر جاذبية و أريحية و ربحية. كما يمكن منح قروض حسنة بغرض الاستثمار للمواطنين من ذوي الكفاءات بضمانات معقولة بعد توفير بيئة الاستثمار الرقمية الشفافة.

  • مواطن

    بداية وجب التنبيه الى ورود كلمة easy و الصحيح easing كما أن 210 مليار دينار تعادل 1.65 م. د. و ليس 16.5 م. د. و ما ينجر عليه من تعديلات في المقال.
    ثم لا أفهم كيف ننشئ تمويلا ب 440 مليار دولار من فراغ فنحن لسنا أمريكا لكي نطبع الدولار إلا إذا كان المقصود طباعة الدينار. حينها يمكن تمويل الاستثمار الذي لا يتضمن مكونات مستوردة و هذا مستحيل خاصة في قطاع الطاقات المتجددة. لهذا وجب للقرض أن يشمل جزءا مهما بالعملة الصعبة من مدخراتنا. ثانيا مساواة كهذه تجعل المال في يد السفيه و الخبير و الصبي و الرجل سواء و الله يقول (و لا تؤتوا السفهاءَ أموالكم) و حتى اليتيم لا يأخذ أمواله الا إذا بلغ الرشد.