-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

“القسنطيني”..!

“القسنطيني”..!
ح.م
منظر لمدينة قسنطينة

“القسنطيني”.. هو الاسم المستعار، الذي اختاره رائد النهضة الجزائرية الشيخ عبد الحميد بن باديس سنة 1919، لقبا له، عندما باشر مهنة الصحافة في جريدة “النجاح” التي صدرت في قسنطينة، وكان أحد مؤسسيها، فكانت أول يومية في تاريخ الصحافة في المغرب العربي، هيّأ من خلالها الجزائريين، لصحفه الإصلاحية التي داوم على كتابة افتتاحياتها وتدوين تاريخ الجزائر، في تلك الحقبة التي زار فيها كل “دواوير” و”حواضر” البلاد، فأدخل التعليم فيها وبنى المساجد وقبَر الخرافات التي غرسها الطرقيون والجهلة بمساعدة الاستعمار الفرنسي، فكان النور يشعّ من قسنطينة، باعتراف المكتب السياسي الأمني للشرطة الفرنسية الذي يوجد في أرشيفه اعترافٌ صريح بأن ثورة ابن باديس العلمية هي التي هيّأت لثورة ماي 1945 ولثورة التحرير في نوفمبر 1954. وليس غريبا أن يكون عشرة من مجموعة الـ22 من مفجِّري الثورة من قسنطينة، حيث وُلد ستة منهم في قلب المدينة وهم محمد مشاطي ورابح بيطاط وبن عبد المالك رمضان وسعيد بوعلي وزيغود يوسف وملاح سليمان، ووُلد أربعة على بعد خمسين كيلومترا بين ميلة وعين مليلة وكانتا تابعتين إلى قسنطينة، وهم العربي بن مهيدي وحباشي عبد السلام ولخضر بن طوبال وعبد الحفيظ بوالصوف، وجميعهم تتلمذوا، أو عاشوا طفولتهم وشبابهم، بين معاهد سيرتا.
وعندما يُصبح نصف الذين فجروا ثورة التحرير من مدينة ابن باديس، فإن الأمر يعني أننا أمام مدينة علم حقيقية، جمعت بين النظري والتطبيقي، علّم فيها الشيخ ابن باديس الناس المعارف، وأكمل ابن مدينته المفكر الكبير مالك بن نبي الرسالة، فصار من الخبل أن نطلق على هذه المدينة العتيقة، كُنية دون العلم والثقافة.
في منشور أطلت به الصحيفة الإسرائيلية “يديعوت أحرونوت” في صيف 2006، تساءلت فيه بحسرة عن السبب الذي جعل اليهود يحافظون على مكاسبهم في كل بلاد العالم، بما في ذلك في بلدة زاكورة المغربية وجزيرة جربة التونسية، ويضيّعون بشكل نهائي مدن تلمسان والبليدة وبخاصة قسنطينة التي تلقوا فيها ضربة موجعة في سنة 1924، وصفها الشيخ ابن باديس بفاجعة قسنطينة، عندما قتل الأهالي المسلمون منهم، أكثر من ثلاثين فردا، ولم يتمكن اليهود إلا من ثلاثة جزائريين، فكانت نهاية اليهود، الذين خرجوا بعد ذلك إلى غير رجعة؟
وعندما تقدِّم قناة خاصة جزائرية شبابا غاضبا أو “مسطولا” من مجانين الكرة، وهو يصف أهل المدينة بـ”اليهود”، فإننا نكون قد بلغنا درجة من الضياع، لا تختلف عن الانتحار، فقد أعطانا الله بعض الغابات فأحرقناها، وبعض الخيرات فبعثرناها، وبعض التحف الطبيعية فأهملناها، وبعض الرجالات فنكرناهم، وبعض المدن فريّفناها ونعتناها بأبشع الأوصاف.
قليلون من يعلموا بأن قسنطينة هي المدينة العربية الوحيدة، التي وُلد وتتلمذ في مدارسها، ثلاثة من العلماء الذين تحصلوا على جائزة نوبل في مختلف العلوم، وكثيرون من جهلوا أن باريس سُميّت بـ”عاصمة النور” لأنها أنجبت ديكارت وفولتير، وسُميت روما “عاصمة الفنون” لأن ليوناردو دافنشي ومايكل أنجلو مرّا عبر أزقتها.. ويستكثر البعض عن مدينة بحجم قسنطينة، لقب “عاصمة العلم”!

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!