الكرة الجزائرية مطالبة بالثورة في العهد الجديد

يعيش الجزائريون حدثا مهما في تاريخهم من خلال انتخابات رئاسية، الخميس، تؤكد كل التقارير على أنها ستكون نزيهة، من خلال تعيين رئيس جديد للجزائر بعد عقدين، صرفت فيهما الدولة مئات الملايير على الكرة وخاصة في عهد ما يسمى بالاحتراف، ولكن من دون أن تعطي هذه الأموال المبعثرة، الثمار المرجوة، فكانت الفرق الجزائرية تسقط بالضربة القاضية في المواجهات الدولية سواء القارية أو العربية مع استثناءات قليلة جدا، كما أن الكرة الجزائرية عجزت عن إنجاب لاعب واحد يمكن التفاخر به، إلى درجة أن الخضر الذين تأهلوا في السنوات الأخيرة إلى دورتين من كأس العالم في جنوب إفريقيا والبرازيل، كانوا مشكلين مما أنجبته الكرة الفرنسية من لاعبين من مزدوجي الجنسية فقط، وتحوّلت كل الأندية الجزائرية إلى شركات يسيّرها أشخاص ينتظرون ما تجود به الدولة عليهم، وتحوّل لاعبو الكرة إلى الأكثر دخلا في الجزائر، والأغنى وأصحاب السيارات الفاخرة وغالبيتهم في العشرينات من العمر.

لقد تابع الجزائريون باهتمام وشغف المحاكمات التي جرّت رؤوس الفساد إلى المحاكم من الذين بذّروا المال العام على كل القطاعات بما فيها قطاع الكرة، وهم في انتظار جرّ رؤوس الفساد من الذين نهبوا المال العام عن طريق الكرة إلى العدالة، وإلى غاية يوم الاقتراع، لم يدخل السجن عبر العدالة سوى رئيس وفاق سطيف السابق حسان حمار ورئيس اتحاد عنابة السابق زعيم، والسلطات نفسها تحدثت عن ديون لدى الفرق المحترفة قاربت الألف مليار سنتيم، ما يعني أن المرشحين للمتابعة القضائية كثيرون.

كل رؤساء الأندية يتعاملون على أساس أنهم ملاك للفرق، وليسوا مسيرين في خدمة أنديتهم، بعضهم يطبق يده الحديدية بديكتاتورية وآخرون يجعلون الفريق أشبه بالمملكة الخاصة ويوظفون أبناء العمومة وأصدقائهم، والنتيجة عدم الاستقرار والفوضى التي تعمّ عالم الكرة، وما زاد من تدهر الكرة الجزائرية، فوضى التنظيم وانعدام الملاعب وملحقات التدريب حتى احتلت الجزائر المراكز الأخيرة، وحتى لو فتحت الملاعب المنتظرة في براقي ودويرة وتيزي وزو ووهران أبوابها قريبا، فإن أكثر المتفائلين بهذه المنشآت متأكدين بأن مصيرها لن يختلف عن ملعب 5 جويلية الذي يضربه سوء التسيير والإهمال دائما ويؤدي إلى غلقه لفترات تتجاوز بكثير فترات استعماله.

لا يمكن للكرة الجزائرية أن تبقى متخلفة بهذا الشكل مقارنة مع الجيران، فتونس الفقيرة ماديا تشتري أنديتها أحسن لاعبي الدوري الجزائري، فالترجي التونسي مثلا الذي يشارك في الكأس العالمية للأندية يضم حاليا خمسة لاعبين جزائريين في ترسانته الموسعة، والدوري المغربي يتم بثه بسبب النظام والمستوى وجودة الملاعب في فضائيات عربية وتستفيد من ذلك الأندية المغربية المحترفة التي تدخل إلى خزينتها أموال البث بالعملة الصعبة، بينما لا يهمّ أي رئيس ناد في الجزائر غير مساعدات الدولة، وتراه دائما يهدّد بالانسحاب عندما يمدّ يده للسلطات المحلية لتتصدق عليه بأموال الشعب وترفض أو تتماطل.

غالبية الجزائريين يصرفون أموالا طائلة من أجل متابعة مباريات الكرة العالمية عبر الفضائيات الأوروبية والعربية، فتراهم يعلمون بكل صغيرة وكبيرة في الدوريات الكبيرة ويحفظون أسماء اللاعبين ومدربيهم ونتائجهم، بينما قلّ بشكل رهيب متابعو الدوري الجزائري الذي يكرّر نفس الأخطاء، فلا توجد بطولة نظيفة ونتيجة بريئة ولا يوجد لاعب نزيه وحكم عادل في اعتقاد الكثيرين، إضافة إلى أن ملاعب الكرة ومدرجاتها العتيقة والحجرية وظروف اقتناء التذاكر جعلت شهية متابعة الكرة تغلق نهائيا، وبقدر ما هي ملاعب الكرة في الجزائر صغيرة، بقدر ما فقدت متابعي اللعبة الذين صاروا يفضلون متابعة دوريات ألمانيا وإسبانيا وفرنسا وإيطاليا وإنجلترا، وحتى قطر والسعودية على متابعة دوري جزائري تُشتمّ فيه رائحة الفساد.

لا حلّ للكرة الجزائرية سوى معاودة الانطلاق على أسس صحيحة من خلال تعيين رؤساء من ذوي المستوى العلمي والتسييري المحترم، من الذين يجتهدون لأجل إدخال المال من كل الجهات والاستثمار في الكفاءات والمواهب، وعلى جمهور الكرة أيضا أن يتغيّر وأن لا يساهم في الرداءة من خلال العنف أو المطالبة بالنتائج الفورية، وعليه أن لا يقبل بالتزوير الصارخ الذي يحدث أحيانا أمام أنظاره، وعلى الدولة أن تضع مسيرين أكفاء على المنشآت الرياضية الموجودة ولو بتضييع سنوات من خلال مرحلة انتقالية مادام المنتخب الجزائري لا يتأثر خلالها لأن مادته الخام والأولوية قادمة من هناك.
ب.ع