-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

“الكمامة”.. جدل في غير محله!

“الكمامة”.. جدل في غير محله!
ح.م

لا أدري سببا لطوفان الجدل، الذي عصف بالفضاء الأزرق، على خلفية إجبار المواطنين في بعض الولايات على ارتداء الكمامة، بين مرحّب ومنتقد للقرار، بالرغم من أن الأمر لم يستغرق في دول مجاورة وإفريقية – ولا نقول أوروبية – أكثر من قرار وتنفيذ.

المشكلة أن الجزائريين حدث لهم مع السلطة منذ أكثر من أربعة عقود قطيعة، جعلتهم يشعرون بأنها لو منحتهم مفاتيح أبواب الخير لظنّوا بأنها مفاتيح الجحيم. وإذا كنا نجد لهم بعض العذر في التوجّس خيفة من كل قرار، فإن المواطن من المفروض أن يرتقى إلى درجة يشعر فيها بأن صحته شأن خاص، ولا يتركها قرارا فوقيا، يُمليه وال ولاية أو حامل حقيبة وزارية.

فمن المفروض أن يحمل القمامة التي أمام بيته، لأن “التيفوئيد” أو “الكوليرا” ستصيب أبناءه وليس رئيس البلدية، وأن يضع حزام الأمان بنفسه، ليس خوفا من الغرامة المالية، لأن حادث المرور سيعوّقه أو يقتله هو، وليس الدركي الذي ينتظره أمام حاجز أمني، وأن يرتدي الكمامة ليحمي نفسه وعائلته، من دون أن ينتظر أمرا من الوالي أو من وزير الصحة، لأن فيروس كورونا سيهاجمه هو وليس هذا المسؤول أو ذاك، أما التحجّج بالغلاء والندرة، فإن الأمر سيصبح استهتارا بالنفس، وعبثا بالحياة.

منذ أن دقّ فيروس “سارس” أبواب الصين، منذ قرابة عشرين سنة، و”الكمامة” صارت قطعة قماش أساسية في خزانات أي صيني، مثل ربطة العنق والجوارب والأقمصة، بل هي الجزء الأهم، لأنها تحميه من البكتيريا والفيروسات، وقد تنقذه من مأساة تمحي عائلته من الوجود.

لا أدري كيف يشعر بعض الأولياء عندما يشاهدون رجال الأمن وهم يطاردون أبناءهم، الذين شكلوا مجموعات “الدومينو والورق والقهوة والشاي”، في الأحياء السكنية أثناء الحجر الصحي، فمن غير المعقول أن يعلم الوليّ بأن ابنه قد ينقل إليه الفيروس “التائه” ليزرعه في داره، ويعلم الابن بأن غالبية ضحايا إيطاليا من المسنين، إنما “قتلهم” أحفادهم وأبناؤهم بطيشهم، ومع ذلك نشهد مثل هذه التجاوزات الانتحارية، التي جعلتنا لا نعرف في أي مرحلة نحن من مسار انتشار الفيروس القاتل، ولا إن كانت له بؤرة واحدة أو عدة بؤر.

في باريس، سارعت الحكومة إلى إغلاق متحف اللوفر، لأنه من أشد الأماكن زحاما، وتبلغ فيه الطوابير عشرات الأمتار، بالرغم من أن تذكرة الدخول إلى أروقته تبلغ مئة دولار، وفي لندن سارعوا إلى إغلاق المكتبات، بعد أن تسابق الناس وتزاحموا على اقتناء الكتب القديمة والحديثة لكسر أوقات الحجر المنزلي، وعندنا لم تجد السلطات من حلّ سوى غلق دكاكين “الزلابية” في عز رمضان، الذي هو من المفروض، شهر للامتناع عن الأكل، وليس لإدمان الزلابية وأخواتها، والتزاحم لأجلها.

يحفظ الجزائريون عن ظهر قلب، كيف قاد فتية عزّل ثورة الفاتح من نوفمبر من دون انتظار قرار فوقي، بما تحمله ثورتهم من مخاطر قد تصل إلى التقتيل والتعذيب، وعاشوا في الثاني من فيفري من السنة الماضية ملحمة تغيير مثيرة، بعيدا عن أي قرار فوقي، بما حملته ثورتهم من مخاطر وصلت إلى التعزير والسجن، فكيف لا يستطيعون أمام فيروس لا يتطلب سوى ثورة وعي، تمكّنهم من حياة صحية وكريمة.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
4
  • عبد الحكيم

    كلامك مقنع و منطقي... و لكن للأسف انشغال المواطن الجزائري العادي بالشأن العام - السياسة - بعيدا عن القيم الأصيلة لأمتنا ...ودون الاهتمام بترقية عقله بالمطالعة و تنمية ذوقه بالهوايات المعارف المختلفة ،كما حال النخبة عندنا...جعلت منه كائن سلبي يضيع وقته فيما لا ينفع ...و معارفه يتلقاها من وسائل الإعلام و و سائل التواصل... فمواقفه متضاربة ،متناقضة ، شرسة...متهورة... وغير مسؤولة...إلا ما رحم ربي

  • عاشور

    وفي باريس............الهوس بفرنسا ..........
    ماللفرنسي من حقوق و ما للجزائري ......

  • نحن هنا

    آوراه التشيببا في الكمامة ياخو

  • لزهر

    هناك فرق بين الحياة و وسائل الحياة البسيطة و حياة الرفاهية.
    من البداية ثورة نوفمبر قادها رجال بسطاء من الارياف و المداشر اللذين يحملون التراب في اكفانهم لأنهم عرفوا و تيقنو من أن لا وطن لهم غير هذا الوطن والحمد لله ان لدينا وطن نعيش فيه كما نشاء ونهرع اليه وقت الشدة.
    دولة الصين التي تجمع قمامات العالم بأسره إلى بلدها وتقوم بتحويلها هو ألذي فرض على سكانها إرتداء الكمامة لان التلوث أصبح عادة حتى في بعض الأحيان تنعدم الرؤية في بكين.
    اما العواصم الأخرى اتي ذكرتها فهم كثيرون في المدن يعتقدون ان نمط معيشتهم راقي و الاحترام والتقدير والتفاخر...
    أصبحت هذه الدول عاجزة حتى عن اطعامهم.