-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

المبادرة المصرية.. لا مجال للرفض

صالح عوض
  • 901
  • 0
المبادرة المصرية.. لا مجال للرفض
ح.م

لن يكون مصير هذه المبادرة ما ختم على المبادرات المصرية السابقة..  فنحن الآن في ظروف مختلفة واشتراطات مختلفة تماما، ولن يستطيع أحد طرفي التنازع أن يجيب وهو في حل من قراءة الواقع السياسي المحلي والإقليمي والدولي وفهم ماذا يراد بالمنطقة.. الموضوع الآن أصعب على الجميع.

إن تأخر السلطة الفلسطينية في الرد على المبادرة المصرية يعبر عن قلق عميق لديها.. قلق من الموافقة لاسيما وبنود المبادرة يتضح فيها إلى حد بعيد محاولة استيعاب اشتراطات حركة حماس وتجاوز حجر العثرة الذي أصرت السلطة على وجوده مسألة من “الباب إلى المحراب وفورا”.. وقلق أيضا من رفضها فالمحذور ليس فقط إغضاب المصريين من الرفض، فلطالما تم الرفض وتحمل المصريون موقف السلطة أو حماس، إنما الآن سيكون المحذور هو خروج الطرف الرافض من الملعب السياسي تماما أو دفعه إلى الموت السريري.. كيف هذا؟ وما هي الإشارات إليه؟

منذ 12 سنة وحماس تحكم قطاع غزة فيما انحسر حكم السلطة إلى منطقة “أ” من الضفة الغربية.. وعلى مدار سنوات الانقسام حصلت أحداث كبيرة في الضفة الغربية وقطاع غزة زادت من تعقيد العلاقة بينهما..

في الضفة الغربية استمر العدوان الصهيوني وبجنون في الاستيطان ووصل الأمر إلى نقطة الفيضان في موضوع القدس ومحيطها. وفي مواجهة هذا، تمسك الموقف الرسمي الفلسطيني بعدم تجاوز التنديد والاستنكار والاستمرار في تنفيذ الاتفاقات الموقعة إلى أي فعل عنفي في المواجهة، وكان ذلك بمثابة الفرصة السانحة للمؤسسة الصهيونية في التوسُّع بالاستيطان وابتزاز السلطة في مسائل عديدة.. على جبهة أخرى حققت السلطة مكتسبات سياسية مهمة في الأمم المتحدة والمؤسسات الدولية ومحاصرة إسرائيل دوليا، لكن إسرائيل لم تكترث بشيء مما حصل وواصلت عنجهيتها في إجراءاتها في القدس وفي المنطقة “ب” والمنطقة “ج”.. ورغم أن الأجهزة الأمنية الفلسطينية سهرت على الالتزام الواضح بعدم تجاوز هذا النشاط وعدم إعطاء الإسرائيليين وراعي العملية السياسية – الأمريكان- فرصة، إلا أن طلائع الشبيبة الفلسطينية في الضفة قدموا نماذج فذة في المقاومة الباسلة كان أروعها ثورة القدس الشريف وعمليات الطعن بالسكاكين والدهس بالسيارات، الأمر الذي سجل حضورا مهمّا رغم محاولات الأجهزة الأمنية الفلسطينية منعه.. وانتهى النشاط السياسي للسلطة إلى إعلان الرئيس الفلسطيني عن خيبة أمله في الأمريكان وتصريحه بأنه تمت عملية خداع للمفاوض الفلسطيني وإن الأمريكان لم يعودوا أمناء على رعاية مفاوضات أو عملية تسوية.. وكانت هذه النهاية المحيرة للعمل الدبلوماسي والسياسي الفلسطيني الذي يقف على بوابة المجهول السياسي.

ومنذ 12 سنة، وهو عمر تفرد حماس بحكم غزة بعد انقلابها على الأجهزة الأمنية، مرت أحداث جسيمة لعل الحروب الجنونية على قطاع غزة كانت أهمها، وفي هذه الحروب تم تدمير أكثر من ثُلث مساكن المواطنين وقتل وجرح عشرات الآلاف وحصار مفروض انعدمت في ظله وسائل الحياة من كهرباء ووقود وعمل وتجارة… الأمر الذي فاقم من أزمات القطاع..

لم تقدم حركة حماس فرصة لإنهاء هذه الحالة الشاذة مصرَّة على ضرورة وجود اتفاق تفصيلي بين الطرفين كان يفشل في كل مرة لتتجدد اشتراطات أخرى ومطالب إضافية.. ووصل الإرهاق بالناس مداه في ظل قرار إقليمي ودولي يريد إنهاك الحالة الفلسطينية لدفعها نحو المجهول أو نحو حلول تنتظرها فيها تفريطٌ في مكتسبات عزيزة.. رغم العنت والضيق والحصار وعدم قدرة حماس على إدارة علمية رحيمة للقطاع كما انتقدها خالد مشعل وسواه من قادة الحركة، إلا أن قطاع غزة شكَّل حالة إزعاج حقيقي للأمن الصهيوني لاسيما في غلاف غزة وظل وضع قطاع غزة يمثل تهديدا مستمرا للأمن الصهيوني واحتمالات تمدده.. وشكّل تواجد قوات الفصائل الفلسطينية في القطاع عنصرا مهما في إحداث توازن رعب مع الكيان الصهيوني إلى حد ما.. وهذا عنصر مهم أعطى غزة حضورا لدى الجميع بعد أن شكلت عقدة النجار، إلا أنه رغم المقاومة وقدرات الفصائل المسلحة إلا أن الخناق وصل نهاياته، وكان لإجراءات السلطة العقابية دور كبير في الضغط الرهيب على قطاع غزة، ولعله من المفيد القول إن الضغوط لم تؤثر بالسلب كثيرا على حركة حماس.

وعلى مدار سنوات الانقسام حصلت تفاهماتٌ واتفاقيات ولقاءات برعاية مصرية وقطرية وروسية وسواها، إلا أن الشرخ كان يتعمق، وهنا لابد من الإشارة إلى وجود أفراد متنفذين في الجانبين يرون فقدان مصالح شخصية لهم يتحركون بدوافع نتنة جهوية أو حزبوية يخرِّبون كل خطوة نحو تنفيذ الاتفاقيات.

أعتقد أن هذه القراءة إلى حد كبير موضوعية وعاشها الجميع وهي مقدمة طويلة مهمة إلى الانتقال إلى دائرة أخرى وهي أننا في مرحلة ما بعد ضم القدس أي ما بعد الخطوة الأولى من “صفقة القرن”.

السلطة الفلسطينية تدرك أن تنفيذ “صفقة القرن” يعني بوضوح تشطيب الكيانية السياسية الفلسطينية ومنظمة التحرير وتحويل بقايا السلطة الى ملحقات للمؤسسات الصهيونية وتشتيت الوضع الفلسطيني على عناوين مستحدثة ستحدث اضطرابا في الإقليم لاسيما الأردن.. ومن هنا جاء الرفض السريع لها ورفض مقابلة المسئولين الأمريكان وإعلاء الصوت بضرورة تغيير صيغة العمل من أجل التسوية، الأمر الذي قابله الأمريكان بقطع المساعدات واتخاذ إجراءات تصعيدية ضد المنظمة، ولعل هناك أدوارا إقليمية عملت بدأب لإضعاف السلطة أو تقوية خصمها لإحداث الابتزاز السياسي في لعبة طالت الجميع.. إلا أن ذلك كله ليس إلا مقدمة لخطوات أكثر خطورة ضد فلسطين وضد السلطة..

حركة حماس وجدت في قطر وتركيا منفذا لإقناع الأمريكان وسواهم بضرورة فتح قنوات للحوار والتفاوض، وكان كلام ترمب المفاجئ عن عزمه التعاملَ مع ملف غزة بمعزل عن السلطة ملفتا، كما صرح المبعوث القطري أكثر من مرة بأنه يقيم تفاوضا غير مباشر بين إسرائيل وحماس، ولعل أكثر تجليات الدور القطري والتركي هو التعديل الذي أجرته حماس على ميثاقها بقبولها إقامة دولة فلسطينية على حدود 1967..

هنا لا بد من الإشارة بوضوح إلى مسألة في غاية الأهمية وهي استفادة الأمريكان والصهاينة من حالة الانقسام إلى أقصى درجة؛ إذ تحول تصرف كل طرف إلى إضعاف الطرف الآخر واستنزافه وابتزازه.. وفي النهاية أصبح كل طرف عبارة عن قوة هدم للطرف الآخر تدفعه إلى مزيد من الضعف في مواجهة تحديات خطيرة لا يستفيد منها إلا العدو في صيغه المُعدَّة.

أمن قطاع غزة يقع في دائرة الأمن المصري القومي هكذا يقتنع المصريون.. ولذا فإن مصر لا تقبل أن تكون قطر أو تركيا لاعبا أساسيا في مصير قطاع غزة.. ولا تقبل مصر أيضا أن يكون قطاع غزة مسرحا للنشاط السياسي الإسرائيلي بعزله عن الضفة وربطه عضويا بمجريات الحياة اليومية بالطرف الصهيوني لان ذلك يعني بوضوح ان القطاع اصبح في منظومة امنية مخالفة او معاكسة.. كما لا تترك مصر قطاع غزة مع احتمالات تدهور تماسكه المجتمعي والأمني مما يولد أخطارا محدقة بالأمن المصري.

ولكن مصر أيضا لم تكن مرتاحة لعدم سهولة تعامل السلطة الفلسطينية في ملف المصالحة مع حماس لاسيما بعد حكومة الحمد لله وإصرارها على فكرة “التمكين الكامل”.. وترى مصر أن ليس لدى السلطة القدرة على استعادة سيطرتها على قطاع غزة بأي وسيلة من الوسائل وان ممارسة الضغط بإجراءات عقابية قد يفجر غزة في عدة اتجاهات..

مصر تدرك أكثر من غيرها المخطط المراد بقطاع غزة وبالوضع الفلسطيني وتدرك انه إما مصالحة الآن وكيان فلسطيني واحد وإلا فإن الدمار لاحق حتما بالكيان الفلسطيني السياسي، الأمر الذي قد ينشأ عنه تحديات استراتيجية للأمن القومي المصري.. ولا وقت لمزيد من التردد.

على أرضية كل ما سبق لن تستطيع السلطة التأخر كثيرا عن الموافقة على المبادرة المصرية التي ترتقي لحالة خطة واجبة التنفيذ بآجال محددة.. ولن يكون الأمر سهلا على السلطة الفلسطينية الإجابة بغير الموافقة التامة والعاجلة فليس هناك متسع من وقت فالمخطط الآخر ينتظر وهو جاهز للتنفيذ.. أسأل الله العافية لشعبنا.

ستفاد الأمريكان والصهاينة من حالة الانقسام إلى أقصى درجة؛ إذ تحول تصرف كل طرف إلى إضعاف الطرف الآخر واستنزافه وابتزازه.. وفي النهاية أصبح كل طرف عبارة عن قوة هدم للطرف الآخر تدفعه إلى مزيد من الضعف في مواجهة تحديات خطيرة لا يستفيد منها إلا العدو في صيغه المُعدَّة.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!