-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

المدرسة الجزائريّة تفلت من أيدي المسؤولين!

المدرسة الجزائريّة تفلت من أيدي المسؤولين!
أرشيف

إن الاهتمام الذي حرك بعض المسؤولين في الدولة، ودفعهم إلى تنظيم ندوات حول سير المدرسة عندنا وتطوير واقعهاّ، وتهيئة الظروف التي تصنع مستقبلها، أساسه أنهم أدركوا أن المدرسة الجزائرية قد فلتت من أيدي المهتمين بها ومن توجيه القائمين على تحديد مبادئ سياستها، واتجهت اتجاها آخر جعلها لا ترى بوضوح النهج الذي تسير فيه، وهذا الغموض هو الذي جعل المتتبعين لها يدركون أنها لا تساير إرادة الأمة، ولا تستلهم قيم المجتمع الحضارية، ولا تخضع لتفكيره. وهو الوضع الذي دفع الهيئات الرسمية إلى تنظيم ندوات ونقاش بهدف مراجعة الأوضاع وتصحيح المسيرة ومعالجة مواطن الاختلال، ورسم السير المتزن نحو المستقبل.
إن النقاش الذي ينظم في هذه الأيام حول المدرسة واقعا وآفاقا مبعثه هو أن المسؤولين في هيئات الدولة بدأوا يحسون بأن المدرسة ضاعت منها الوجهة التي كانت عليها وفقدت الخط الذي كانت تسير فيه. وأصبحت لها وجهة لا ترضي الخيرين من أبناء الأمة، وبذلك أدركوا أنهم مسؤولون عن توجيه اهتمامهم لمرافقة سير المدرسة، فالمطلوب منهم أن يبيّنوا للناس أنهم واعون بحقائق الأوضاع التي تعيشها المدرسة، وبالظروف المحيطة بها وبواجبات الدولة نحو ذلك، والمطلوب منهم كذلك أن يوضحوا للجميع أن الدولة لم تتخل عن مسؤولياتها في تحديد وجهة التربية، وما قيل عن هذا الموضوع في الكتابات السابقة أن الدولة تخلت عن ممارسة دورها في تحديد المبادئ والتوجيهات وتركت أمر ذلك إلى القائمين على تسيير الوزارة، كان ذلك أمرا واقعا – مع الأسف- ولكن الأمر اليوم تغير نظريا، فالدولة بدأت تسترجع مسؤولياتها في ميدان تحديد وجهة التربية وضبط مبادئها، بعدما تخلت عن هذه المسؤولية مدة، حين غابت الهيئة المكلفة، بتوجيه التفكير التربوي ورسم السياسة التعليمية التي تلتزم بها الوزارة، هذه الهيئة لم يعد لها وجود، وما ندعو إليه اليوم هو تشكيل هذه الهيئة وجعلها تابعة للدولة تكون المرجع والسند للذي تعتمده الوزارة في كل خطوة تخطوها، ولعل دعوة الهيئات المشرفة اليوم إلى تنظيم النقاش والتفكير في تطوير واقع المدرسة والسير بها نحو المستقبل هو ما يجري الحديث عنه، هذه الدعوة تؤكد لنا أن الهيئات الرسمية التي هي وجه من أوجه الدولة بدأت تهتم بالموضوع، ولكن ما نخشاه هو أن النقاش المنظم لا يتناول الحقائق ولا يطرح الإشكالات التي نلمسها اليوم في واقع سير المدرسة، والتي طرحناها في أكثر من مناسبة وهذا لم نلمسه لا في ندوة البرلمان ولا في ندوة المعهد الوطني للدراسات الإستراتيجية، وما نخشاه هو أن الوضع سيبقى على حاله، ما دام الميدان لا يستند إلى ما تقرره الهيئة العليا التى لا توجد في واقعنا اليوم، وهو ما نأسف له.

ما الغاية من وراء الاهتمام بمناقشة أوضاع المدرسة؟

إن المدرسة الجزائرية بأوضاعها الحالية، رغم الجهود التي تبذل ما تزال لم تهتد إلى الطريق الذي يجب أن تسلكه للوصول إلى الأهداف الحقيقية التي حددت لها، والتي يكافح المجتمع من أجلها، وهيئات الدولة التي من واجبها توجيهها إلى الطريق السوي، تحاول اليوم أن تمكنها من أساليب التغيير والتجديد لتتجاوز أزمة المستوى مما يهيئها للمستقبل، والحوار الذي ينظم في مستوى هذه الهيئات، هو الذي يحدد لها الأساليب والأفكار التي تقودها إلى الطريق السوي الذي يوصلها إلى ما تتطلع اليه الأمة. ونتساءل هنا ما الغاية التي كانت وراء الاهتمام لمناقشة أوضاع المدرسة؟ ولتوضيح هذه الغاية نناقش نقطتين أراهما أساسيتين.
النقطة الأولى : إن ما قام به المعهد الوطني للدراسات الإستراتيجية في الشهر الماضي حين نظم مائدة مستديرة خصصها لمناقشة مدرسة المستقبل التي ستعرفها البلاد في آفاق 2035 وهي المائدة التي نشطها السيد بن رمضان مستشار بوزارة التربية ودعا لها عددا من إطارات الدولة والمهتمين بالتربية، وقد حضرت ما دار في هذه المائدة ممثلا لجمعية العلماء المسلمين، ولكننا لم نخرج منها بشيء واضح.
النقطة الثانية: وهي اليوم البرلماني المخصص لطرح أوضاع المدرسة وشرح ظروفها، وهو اليوم الذي نظمته لجنة التربية بالبرلمان ودعيت إليه الوزيرة المعنية، والمتعاونين معها ليشرحوا حالات المدرسة ويبيّنوا الخطة التي تسير عليها، وهذا اللقاء لم أحضره ولكن ما جرى فيه لم يحدد ما تريد والجوانب التي يجب التعليق عليها في اللقاءين هي كما يلي:
1- غموض الطرح الذي أثير به موضوع المدرسة فلم تحدد الجوانب التي يراد إبرازها.
2- لم نلمس في اللقاءين هدفا واضحا من وراء النقاط التي أثير النقاش بشأنها.
3- عدم تحديد الاتجاهات التي يجب أن تطرح للحوار
و ما جرى الحديث عنه في اللقاءين لا يطرح خطة وطنية يجب اتباعها من أجل معالجة الوضع المتدهور الذي صرحت به الوزيرة في لقاء البرلمان ولم يحدد النقاش الاختلال الذي يدفع القائمين على التعليم إلى مراجعة الوضع، وتوفير الظروف التي تهيئ المحيط الملائم لمدرسة المستقبل، ولم يتضح لنا الهدف الذي قصده البرلمان من فكرة تخصيص يوم للمدرسة.
فهل الهدف من هذا اليوم هو أن يلتقي أعضاء البرلمان بالوزارة ويستمعوا إلى الحديث الذي يشرح الوضع المدرسي؟ وهل الهدف هو إشعارنا بأن التربية موضوع يهم البرلمان ولهذا طرحناه؟ وهل الهدف هو طرح موضوع المدرسة بين المشرعين والمنفذين ليتضح دور كل جهة؟
لعل هذا هو السبب الذي دفع لجنة التربية إلى تنظيم لقاء خاص بين الوزارة والبرلمان، وليس للمناقشة وهو السبب الذي جعلوه لقاء خاصا لا يحضره أحد من خارج الوزارة، وهنا نتساءل أيضا، لماذا لا يتسع اللقاء للمهتمين بالتربية وبمنظمات أولياء التلاميذ، ولماذا لا يتسع اللقاء لأعضاء جمعية العلماء المسلمين؟ وهي الجمعية التي يهمها هذا الموضوع، مع العلم أن البرلمان أوفد مندوبا خاصا للقاء أعضائها ومناقشتهم في موضوع المدرسة وقد استمع إلى آرائهم وأكد لهم أن البرلمان يسره أن تحضر الجمعية اللقاء ومع الأسف فإن الجمعية لم تدع إلى هذا اللقاء ولعلهم عدلوا عن فكرة حضور الجمعية، وهنا نتساءل كذلك ما الفائدة من عقد يوم برلماني حول المدرسة لا يحضره المهتمون بالتربية، وهنا نقول للمنظمين، ما الغاية من هذا اللقاء إذا لم يحضره من يهمه أمر المدرسة، وكيف نستفيد من اللقاء إذا لم يسمع الحاضرون مختلف الآراء، فما هو الحرج الذي يحسه المستمع من مناقشته منهم ليسوا من الوزارة ولعل المنظمين أرادوا أن لا تسمع الوزيرة كلاما لا يرضيها ولا يؤيد خطتها. وما يستخلص من الغاية من هذا اليوم هو الحرص على إبعاد الصفة التي وصفت بها الدولة في الكتابات السابقة، وهي أن الدولة تخلت عن جانب من مسؤولياتها في تحديد قواعد سير التربية وتركت أمر ذلك إلى القائمين على سير الوزارة، فهم الذين يفعلون ما يريدون ويقررون ويلغون ما كان مقررا ولا أحد يعارضهم في ذلك مع أن الوزارة هيئة تنفيذية وليست هيئة سياسية، أي ليس لها الحق في طرح الجانب السياسي المتعلق بتنظيم سياسة التعليم، ولكن ما نراه في الميدان يدفعنا إلى القول أن الوزارة أصبحت تمارس الجانب السياسي والجانب الفكري والجانب التنظيمي، وهذا هو الواقع.

يوم برلماني بلا أساس علمي وسياسي واضح..فما الغرض منه؟!

مهما يكن فإن هذا اللقاء الذي تم في رحاب البرلمان لا نجد له أساسا علميا وسياسيا واضحا، لأنه لم يعالج أي مشكلة من مشكلات المدرسة، وما قرأناه بخصوص تصريحات الوزيرة عن تدهور التعليم وضعف المستوى كلام واقعي، وقد قلناه منذ أكثر من سنة، ولكن لم يحدد اللقاء كيفية معالجته، ومدرسة الجودة التي تتكلم عنها الوزيرة ويرددها المتعاونون معها لا يمكن تحقيقها إذا بقيت الأوضاع على حالها، وإذا بقي اكتظاظ الأقسام بالصورة التي نراها، أو بقي الاعتماد على توظيف المعلمين غير المؤهلين، وبقي التعامل مع المناهج الحالية، صعوبة المفاهيم وكثافة المعلومات وتعقد أسلوب التناول وانعدام التسلسل في العرض. وبقي القرار الذي يعتمد الارتجال ولا يتحرى الوضوح في الهدف. وهذه الجوانب لم نسمع عنها تعليقا فيما تتناوله المحاضرات وحين نناقش ما تم في جلسة المائدة المستديرة بمعهد الدراسات الاستراتيجية نجد نفس الإشكالات فلم يوضح اللقاء الجوانب المعقدة التي تعيشها المدرسة ولم يوضح ما يجب الاهتمام به لتوفير الظروف الملائمة لمدرسة المستقبل، وما يمكن استخلاصه من مضمون اللقاء هو الحرص الذي وجهوه لإبعاد الصفة التي وصفت بها الدولة في الكتابات السابقة حين ذكر المعلقون أن الدولة تخلت عن جانب من مسؤولياتها في ميدان توجيه سياسة التربية وتركت أمر ذلك إلى المسيرين للوزارة، فهم الذين يفعلون ما يريدون، يقررون ما يشاؤون ويلغون ما كان مقررا فهم لا يعترفون بأن الدولة لا تمارس مهامها في هذا الميدان لأن الوزارة بالنسبة لهم هي الدولة أو على جزء منها وقراراتها هي قرارات الدولة ولكنهم نسوا حقيقة يجب أن يعرفها الجميع، وهي أن التربية كنظام سياسة أمة وليست سياسة قطاع ومسؤولية دولة وليست مسؤولية وزير، ونحن مع الأسف نخالف هذه الحقيقة في نظرتنا إلى قطاع التربية. لأن سياسة الأمة لا تترجمها إلا رؤية وطنية تصدر عن هيأة عليا تابعة للدولة، فهي التي تترجم ما تفكر فيه الأمة وهي التي تستمد منها الوزارة ما يجب أن تفعله في ميدان التربية، إن هذه الهيئة هي التي تمد الوزارة بما يطلب منها أن تتبناه في جهودها وتعمل على تنفيذه لأنها المرجع الذي تتخذه سند لها في كل خطوة تخطوها في ميدان عملها. وما ندعو إليه هو تشكيل هذه الهيئة، وهذه الهيئة لا وجود لها.
الخلاصة التي ننهي بها هذا التعليق، هي أن المدرسة التي أثير النقاش بشأن واقعها قد كشفت التعاليق عن تدني مستوى أدائها وضعفت نتائجها وانحراف وجهتها، وابتعادها عن الخط الذي رسمته الأمة لها، وهو الوضع الذي دفع المسؤولين إلى التصريح بعدم رضاهم عن الواقع الذي آلت إليه، وبلغه تدهور النظام، وهذه الحالة تؤكد أن سير المدرسة في انحدار، وهذا الانحدار هو الذي جعلها تعيش أزمة ولا يمكن تجاوز الأزمة والخروج منها إلا بالعمل المركز على المراجعة الدقيقة، والمعالجة الشاملة للوضع، وتحديد برنامج عمل للمعالجة، ولإنجاز ذلك يتحتم تشكيل هيأة عليا من قبل الدولة يسند إليها التفكير في ضبط عناصر السياسة التربوية وتحديد المبادئ التي ينبغي اعتمادها في أساليب التسيير، وتحديد قواعد السير المنهجي والاتجاه الفكري الذي يترجم إرادة الأمة ويضبط الرؤية المنهجية التي تهتدي بها المدرسة ويستنير بها نظام التعليم.
فقرة 1: إن النقاش الذي ينظم في هذه الأيام حول المدرسة واقعا وآفاقا مبعثه هو أن المسؤولين في هيئات الدولة بدأوا يحسون بأن المدرسة ضاعت منها الوجهة التي كانت عليها وفقدت الخط الذي كانت تسير فيه. وأصبحت لها وجهة لا ترضي الخيرين من أبناء الأمة، وبذلك أدركوا أنهم مسؤولون عن توجيه اهتمامهم لمرافقة سير المدرسة،
فقرة2: إن هذا اللقاء الذي تم في رحاب البرلمان لا نجد له أساسا علميا وسياسيا واضحا، لأنه لم يعالج أي مشكلة من مشكلات المدرسة، وما قرأناه بخصوص تصريحات الوزيرة عن تدهور التعليم وضعف المستوى كلام واقعي، وقد قلناه منذ أكثر من سنة، ولكن لم يحدّد اللقاء كيفية معالجته، ومدرسة الجودة التي تتكلم عنها الوزيرة ويردّدها المتعاونون معها لا يمكن تحقيقها إذا بقيت الأوضاع على حالها.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
6
  • جزائري حر

    ياراجل أحشم مالة راك ماعندكش مسؤولين راك عند رعيان لا اكثر ولا أقل.

  • مجمد

    أما اليوم فمن الضروري تكييف تأسيسها حسب واقع الحال.صحيح أننا نرغب في مد المهتمين بما نستطيع تقديمه نظرا لخبرتنا وتجربتنا في هذا الإطار لكننا ندرك أن أي اجتماع على مستوى الدولة لا يمكنه ضم كل من يرغب في المشاركة ليدلي بدلوه.ومع هذا نحس بالمرارة حين نفاجأ بأن موضوع التربية هو اليوم موضع تحليل وتفكير يدرس في الدهاليز الخفية ليفعل فيه الماكرون ما يشاؤون.

  • مجمد

    ما دام اختيار الأشخاص لا يخضع لأسس صارمة مثل الكفاءة العلمية واكتساب القدرة على التبصر الوقعي.منذ استقلالنا ورجال القطاع يتصورون أن المدرسة وما يمت إليها بصلة لا تعني أحدا غيرهم انطلاقا من الموظف البسيط إلى الوزير حتى أصبحت المدرسة العمومية إقطاعية ممنوعة عن غيرهم من المواطنين.وما زاد على الأزمة خطورة انعدام التكوين الحقيقي لهؤلاء الموظفين.لقد فصلت النصوص التشريعية القطاعات المختلفة في الدولة من ثقافية وعلمية واقتصادية وتجارية وغيرها من نقابات موظفين وممثلين للقطاع المدني وجميع وزارات الدولة وكل من له اهتمام بمستقبل الدولة التي تتكون منها هذه الهيئة في عهد الاشتراكية.أما اليوم فمن الضروري ,,,

  • مجمد

    أشكر ثباتك على الاهتمام بشؤون المدرسة الجزائرية وإن كنت متقاعدا يا السيد عبد القادر.ما لا أخالفك فيه الرأي هو أن المدرسة شأن من شؤون الأمة كلها وليست خاضعة لاحتكار أحد ولو كانوا من موظفي القطاع كما فعل من سبقوهم في المسؤولية.لكن ما تشير إليه أنت اليوم قد جاء في النصوص التشريعية السابقة وخاصة منها ما جاء في تنظيم المدرسة الأساسية والتي نصت على ضرورة إقامة هيئة المجلس الأعلى للتربية والتي وضع العراقيل لإنشائها بعض من يبكون اليوم على غيابها.صحيح أن البعض تخوف من سيطرة الجهلة والوصوليين على دواليبها وانحرافها عن الهدف المنشود لكن هذا العامل السلبي الصحيح لا يختفي أبدا ما دام اختيار الأشخاص لا ...

  • صالح بوقدير

    والخلاصة أن برلمانا يفتقد إلى الشرعية لايعبر عن إرادة الامة فالأمة غائبة أو مغيبة وإلى حين حضورها يبقى الحال مستمر.

  • إسماعيل الجزائري

    للأسف! مجرد مضغ كلام.