-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع
بعد مرور سنة على تدشينها

المدينة الذكية “سيدي عبد الله”… تعيد السنة

الشروق أونلاين
  • 7154
  • 4
المدينة الذكية “سيدي عبد الله”… تعيد السنة

تقع غرب الجزائر وعلى بعد 20 كلمترا أكبر مدينة حديثة بنيت في الجزائر منذ الاستقلال وخارج محيط العاصمة العمراني، يطلق عليها المدينة الذكية كما سماها المسؤولون، لكنها في الأساس أنشئت من عنق رحم أزمة السكن الخانقة، فلم تكن موجهة لتكون ذكية ولا غبية، بل كانت مجرد حل سريع وعاجل لامتصاص غضب الجزائريين الذين لم يستفيدوا من برامج سكنات عدل لسنة 2001 و2002 وبرنامج 2013 ومع ذلك بقي مشروع مدينة سيدي عبد الله يتخبط في الإنجاز أكثر من 20 سنة .

الطريق المؤدي إلى التجمع السكاني الأضخم في الجزائر عبر الطريق الاجتنابي الجنوبي وهو حديث الإنجاز يسهل كثيرا الوصول إلى المدينة، أو عن طريق خط السكة الحديدية، حيث افتتح خط الجزائر غرب وتحظى سيدي عبد الله بمحطة قطار حديثة تجنب سكانها أزمة السير الخانقة.

تجاوزنا ساحة مصطفى بن بولعيد عند مدخل المدينة “الذكية”، ثم توغلنا في نهج واسع كبير يحمل اسم الرئيس الراحل احمد بن بلة، على جوانبه تراصت المباني الضخمة العالية والباهتة اللون، كانت المدينة تبدو كأنها خرسانة، أو غابة من إسمنت مسلح وجدران عالية كتب عليها “عدل” بالبنط العريض، ونظرا لامتداد المباني على مد البصر تصاب بدوار أو اختناق وتحاول العثور على وجهتك بشق الأنفس ولا تستطيع نظرا لتداخل الأرقام والعمارات، وتحتاج إلى مرشد أو دليل لمعرفة العمارة المقصودة، فالكثير ممن يزورون المدينة  يتفاجأون من شساعتها وكثرة مبانيها، حيث تضم أكثر من 55 ألف سكن، 44 ألف سكن لبرنامج عدل و5 آلاف للسكن الترقوي العمومي، فهي تمتد على مساحة 70 كلم مربع تابعة إداريا لبلدية محالمة، يحيط بها حزام لخمس بلديات كبرى غرب العاصمة وهي سويدانية، زرالدة، محالمة، الرحمانية، الدويرة، وهي اكبر تجمع سكاني يقطنه أكثر من ربع مليون نسمة.

بعد مرور سنة من تدشينها، لا تزال سيدي عبد الله ورشة مفتوحة، صهاريج ماء تابعة للبلدية تجوب الأحياء، أشغال الحفر والتهيئة متواصلة، مياه متسربة، وحل، وسكان يبدعون في إعادة تهيئة شققهم من الداخل بالطلاء والجبس والبلاط ووو، وأطفال يمرحون على المراجيح، الناس في سيدي عبد الله لا يتوقفون عن الشكوى والحديث عن النقائص التي لا تمت بصلة للمدينة الذكية على الإطلاق، بعد اصطدامهم بالكثير من المشاكل التي أتعبتهم وخسفت بمعنوياتهم في مدينة الأحلام .

السلطة الرابعة من المنار إلى  سيدي عبد الله

أغلب الصحفيين استفادوا من سكنات عدل تم توجيههم إلى مدينة سيدي عبد الله، منهم سكان فندق المنار او ما يسمى بالسكنات الأمنية التي خلفت أزمة كبيرة، ولم تتمكن الحكومة من حلها سوى في إطار توزيع سكنات عدل على حوالي 200 صحفي يقطنون فندق المنار منذ ربع قرن تقريبا، التقينا مع احد الصحفيين من جريدة “لوسوار دالجيري” وهو عضو أيضا في تنظيم نقابي، تغمره الفرحة بعد حصوله على سكن برنامج عدل 2 لـ2013 وقال أن النقابة عملت جهدا كبيرا في ترحيل الصحفيين إلى سكنات لائقة بعد مأساة السكن في فندق المنار “هناك صحفيين قضوا عشرين سنة رفقة عائلاتهم في غرفة واحدة، البعض أبناءه في سن الزواج، لكن اليوم كل صحفيي المنار استفادوا من سكنات لائقة في مدينة سيدي عبد الله” .

بين الذكاء والغباء مدينة بدون روح

مخطط سيدي عبد الله مختلف كثيرا عن الواقع المجسد، فالمسؤولون الذين تبنوا مشروع المدينة الذكية ركبوا موجة الاسم فقط، لأن الكثير من التقنيات ومعايير الذكاء مفقودة هنا بشهادة السكان الذين يتخبطون في نفس مشاكل الأحياء السكنية الاجتماعية الاخرى، لا ماء، لا غاز، قليل من المدارس مقارنة بحجم السكان، التلاميذ يتنقلون إلى متوسطات وثانويات محالمة للدراسة، لا توجد أنظمة متطورة للأمن والحراسة، ولا أنظمة إنذار ولا اثر للمدينة الرقمية أو الإيكولوجية سوى بنايات متراصة تعكس حجم أزمة السكن .

حاولنا معرفة معايير المدينة الذكية وإسقاطها على سيدي عبد الله فلم نجد شيئا يربط الاسم بالواقع، فالمدينة الذكية مصطلح ظهر سنة 2000 ويقصد بها إما مدينة “المعرفة” مركز بحوث وجامعات ومخابر، أو “المدينة الرقمية” الالكترونية التي تسير بزر حاسوب، أو الإيكولوجية، حسب التخطيط والأهداف، غير أن مدينة سيدي عبد الله كانت مدينة سكنية اجتماعية هدفها انفراج أزمة السكن فقط كما يبدو بعد سنة من التدشين.

ليس بالضرورة أن تكون المدينة الذكية غابة من الاسمنت تضم آلاف السكنات، بل المفهوم الحقيقي للذكاء هو إدارة المدينة بشكل يضمن عامل الأمن والموارد المالية وبالتالي تحقيق “السعادة” حسب ما قال لنا أحد المهندسين، وقد حصل على سكن ترقوي بقيمة مليار سنتيم، وقال “لا فرق بين سكنه وسكنات عدل سوى انه يدفع 40 ألف دينار شهريا لتسديد السكن في حين يدفع صاحب سكن عدل بين 6 إلى 8 آلاف دينار شهريا فقط، نعيش نفس الظروف ونفس المشاكل”، وأضاف المهندس معلقا على مصطلح المدينة الذكية قائلا “أين إشارات المرور الضوئية التي يتم التحكم فيها لاسلكيا، أين أنظمة الإنذار والأمن، أين استشعار المواقف الشاغرة، أين الرقمنة؟ اين تحسين مستوى المعيشة، فالأسعار هنا جد ملتهبة، نحن نتوجه إلى سوق زرالدة لاقتناء الخضر والفواكه والألبسة، كل شيء في سيدي عبد الله باهظ، فلا اعتقد أن مصطلح الذكاء يليق بها على الأقل في الوقت الحالي”.

فالمدينة الذكية ترصد البنية التحتية الأساسية كالطرق والجسور والأنفاق والسكك الحديدية والمطارات والقطارات والموانئ البحرية وكذلك الاتصالات والمياه والطاقة والأبنية الرئيسية، كل ذلك من أجل الوصول إلى الدرجة المثلى من الموارد والأمن.

وتستطيع المدينة الذكية أن توفر خدمات للمواطنين بما يعزز شعورهم  بالسعادة والصحة والراحة والأمان، غير ان السنة الأولى من تدشين سيدي عبد الله لم يشعر قاطنوها بالسعادة، بل بالتعب والإرهاق في الحصول على أبرز ضروريات الحياة .

مشروع سيدي عبد الله حسب السكان لا يحتوي على مستشعرات للكشف عن أماكن تسرب المياه في المدينة وإصلاحها على الفور، أو لمراقبة نوعية الهواء لمساعدة الأشخاص المصابين بالحساسية من أخذ احتياطاتهم أو استخدام المستشعرات لمعرفة أن مكان صف السيارات ممتلئ ويقوم بإرشاد السائق إلى أماكن صف أخرى. في حين كنا ملف وندور للعثور على مكان شاغر لركن السيارة وفي الأخير توقفنا على حافة الطريق .

فعندما كما نبحث عن العمارة ب21 لم نتمكن من العثور عليها إلا بمساعدة السكان، وتساءلنا عن جدوى الذكاء الاصطناعي المفقود تماما، فلا لافتات ولا إشارات ولا أنظمة تدلك على وجهتك سوى بالرجوع إلى العنصر البشري .

بعد سنة من تدشين المدينة، غابت آثار الذكاء تماما، وصفة الغباء أصبحت لصيقة بالمدينة، ربما لعدم اكتمال الكثير من الأشغال التي ينص عليها المخطط مثل الإقامات العصرية واستحداث مناخ مصغر وحزام اخضر و20 كلمترا من مياه البحيرات  وإقامة القطب البيوتكنولوجي الرابع من نوعه دوليا وقطب صحي لأمراض الكبد والقلب وقطب جامعي وغيرها من المشاريع الاقتصادية قيد الإنشاء، ويمكن الانتظار عقد آخر من الزمن لتغيير ملامح سيدي عبد الله، فربما ستصبح مدينة ذكية يقطنها الاذكياء ايضا.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
4
  • KAMEL

    احمدوا الله يا شعب ملهوف

  • الاسم

    انجازات فخامته

  • الاسم

    Une catastrophe écologique

  • الاسم

    مدينة غبية و بسببها سيصبح اهلها اغبياء