-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع
الاحتفال بذكرى الاستقلال حمل رسائل وأسرارا ودلالات

المشروع الإصلاحي للرئيس تبون.. المحطات الأولى

سميرة بلعمري
  • 6284
  • 6
المشروع الإصلاحي للرئيس تبون.. المحطات الأولى
ح.م

أخرج رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، الاحتفالات بذكرى الاستقلال هذه السنة عن المألوف، وجعلها استثنائية بعد أن وشحها برمزية غابت عنها منذ عقود، ليؤكد بذلك أن المشروع الإصلاحي المتكامل الذي يحمله الرئيس بدأ يتجسد ليؤسس لجزائر جديدة تذود في الدفاع باستماتة عن تاريخها وتعمل بثبات إلى تحقيق هدفها في المستقبل.

الرئيس تبون الذي تولى مهمة تسيير شؤون البلاد منذ نحو 7 أشهر فقط، تمكن من جعل الاحتفالات بالذكرى المزدوجة للاستقلال وعيد الشباب ذات مغزى وأبعاد ورمزية غابت عن هذه الاحتفالات منذ عقود، هذه الرمزية بحسب المتابعين للشأن السياسي، تفرض التوقف قليلا عند الرؤية الجديدة لممارسة رئيس الجمهورية لمهامه، فبعد 9 سنوات من غياب الرئيس، عن احتفالات وزارة الدفاع بالترقيات التي تسديها سنويا لإطاراتها السامية، أشرف الرئيس تبون بصفته رئيسا للجمهورية ووزيرا للدفاع وقائدا للقوات المسلحة على الحفل السنوي لتقليد الرتب وإسداء الأوسمة بقصر الشعب، ولم يكتف الرئيس بالإشراف فقط بل اختار مكانا غير المكان الذي كان يشهد هذه الاحتفالية التي خرجت من مبنى وزارة الدفاع هذه المرة وحطت بين “أحضان” قصر الشعب في رمزية تؤكد التلاحم الحاصل بين الشعب وجيشه، وتترجم الشعار الذي حمله الحراك والمتمثل في “الجيش –شعب، خاوة خاوة”، هذه اللحمة التي تجعل من الجزائر عصية على كل من يترصد أمنها واستقرارها.

ثاني رمزية طبعت الاحتفال بذكرى الاستقلال هذه السنة، هو ما تعلق بالبرتوكول الذي اعتمد في قاعة تقليد الرتب والنياشين، فلأول مرة حضر الاحتفال مجاهدون وآخر قادة الثورة التحريرية، في خطوة تؤكد انفتاح مؤسسات الدولة، وتكاملها خاصة أن الرؤية الجديدة، تتجه نحو دسترة إرسال وحدات من الجيش إلى الخارج، هذه الخطوة التي ستمكن الجزائر من لعب أدوارها المحورية كقوة إقليمية في المنطقة.

ثالث رمزية وشّح بها الرئيس احتفالات عيد الاستقلال هذه السنة، هو تركيزه على ملف الذاكرة الوطنية الذي يعتبر استرجاع جماجم شهداء المقاومة الشعبية البواسل الذين لم ينعموا بحقهم في الدفن ككل البشر على اختلاف دياناتهم تجسيدا عمليا لمسعى الحفاظ على الذاكرة الوطنية وإعطائها حقها من الاهتمام الذي انعكس بحرصه شخصيا على استقبال الجماجم المسترجعة ضمن استقبال رسمي راعى تفاصيل البرتوكولات الدقيقة في محطة عادت بذاكرة الجزائريين إلى استقبال رفات مؤسس الدولة الجزائرية الأمير عبد القادر في ستينيات القرن الماضي.

رابع رمزية في عيد الاستقلال هذه المرة، هي دفاع الجزائر عن مكانة وقيمة الجزائري، فاسترجاع جماجم أبطال المقاومة الشعبية ومراسيم استقبالها هي رسالة واضحة لفرنسا مفادها أن الجزائري أكبر من أن يعرض بمتحف الإنسان بباريس، لما له من دلالات احتقار للإنسان الجزائري كإنسان يعرض لفضول السياح، خاصة أن استرجاع الجماجم يتزامن مع ترسيم يوم للذاكرة الوطنية يرمز إلى يوم دموي بالنسبة للاستعمار الغاشم.. ويوم هبة وطنية بالنسبة للشعب الجزائري، سيظل يحرج فرنسا ويركد النظرة الجديدة والواقعية.

وبعيدا عن الرمزية التي وشحت احتفالات عيد الاستقلال، يرى المراقبون أن ملامح المشروع الإصلاحي للرئيس تبون بدأت تتضح، رغم معيقات الجائحة التي جمدت نشاط العالم، وبالعودة بأثر رجعي إلى نشاط الرئيس فآخر تعديل وزاري أظهر تصور الرئيس لمشروعه الإصلاحي في الشق المتعلق بإعادة الهيكلة الاقتصادية، وأظهر رؤية جديدة للمستقبل الاقتصادي للبلاد، من خلال الوزارات المستحدثة وتوزيع المهام بينها وبين الوزارات التي كانت موجودة في وقت سابق.

الرئيس تبون أظهر أنه صاحب مشروع إصلاحي، تمكن من التعبير عنه ويخوض منذ ترشحه وبعد انتخابه رئيسا للجزائريين مهمة إقناع المواطن بجديته ومردوديته رغم الوضع الصحي والمالي والسياسي المأزوم، ذلك لأن تبون فضل الاعتماد على مكامن القوة داخل الجزائر، والتي تمر عبر مقاربات جديدة، تجند كل أبنائها وبناتها، فالرئيس منذ توليه شؤون البلاد رسخ لتقليد جديد في ممارسة مهامه فالرئيس حرص على دورية اجتماعات المجلس الأعلى للأمن واستقبل الولاة بمقر رئاسة الجمهورية غداة اجتماع الحكومة الولاة، حتى يقلص الفجوة بين الرئاسة والجماعات المحلية، ويؤكد حرصه على الإشراف شخصيا على جميع الملفات بما فيها انشغالات المواطن في كل ركن وزاوية من زوايا هذا الوطن، رغم تفوضه جزءا من صلاحياته للوزير الأول.

الرئيس لم يحرص على دورية مجلس الأمن فقط، بل رسخ تقليدا آخر يتعلق بدورية انعقاد مجلس الوزراء حتى خلال جائحة كورونا بتقنيات التواصل عن بعد، هذه الاجتماعات التي تمخض عنها العديد من القرارات الاقتصادية والاجتماعية السياسية، فالرئيس استقبل اللجنة العلمية لمراقبة واستشراف تداعيات داء كورونا، هذا الاستقبال الذي له دلالات فهي تؤكد في سابقة هي الأولى من نوعها احترام السياسي لرأي الخبراء والعلماء.

الرؤية الجديدة لممارسة الرئيس لمهامه عكسها كذلك اعتماده لجنة الفتوى على مستوى وزارة الشؤون الدينية والأوقاف التي ترافق الدولة في إبداء الرأي الشرعي وتزيح أي ضبابية عن القرارات والتوجهات الشرعية، فتعليق صلاة الجماعة والجمعة بالمساجد كانت الكلمة الأولى والأخيرة فيها للجنة الفتوى التي أصدرت، مؤخرا، أحكاما بشأن المصاب بكورونا الذي لا يبلغ عن إصابته وحكم من يخرب المرافق العمومية، في توجه جديد يؤكد قرب الحاكم من المحكوم وسعيها لاستعادة الثقة المفقودة، كما تعطي دليلا على نظرة جديدة تترجم عمليا تفعيل أحكام الدستور في أن الإسلام دين الدولة.

الرئيس تبون الذي عمل على فكّ الحصار والعزلة التي وُضعت فيها المعارضة في وقت سابق عبر استقباله شخصيات سياسية محسوبة على المعارضة، تعاطى أيضا بلباقة كبيرة مع جزء الحراك الرافض للحوار، فأقر إجراءات تهدئة كما أقر عفوا بحكم صلاحيته نهاية الأسبوع، على بعض الناشطين السياسيين المحكوم عليهم نهائيا.

وعلى نقيض سابقه الذي لم يخاطب طيلة عهداته الأربعة، الرأي العام الجزائري عبر وسائل الإعلام الوطنية، اعتمد الرئيس تبون مبدأ أولوية الداخل على الخارج في مخاطبة الرأي العام واعتمد لقاءات دورية للصحافة الوطنية لتكون حلقة وصل بين الرئيس والمواطن.

هي بعض المحطات التي تؤكد بوضوح ملامح المشروع الإصلاحي للرئيس والنظرة الجديدة لممارسة رئيس الجمهورية لمهامه وتفعيل أدوار باقي مؤسسات الدولة لتحقيق مشروع الجزائر الجديدة التي يشكل فيها المواطن ورفاهيته النواة الأساسية والرئيسة لمختلف مؤسسات الدولة.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
6
  • حسين حشايشي

    المجد والخلود للشهداء

    الخلاص والازدهار للأحياء :

    للتخلص من الوباء : حالة الطوارئ،
    للخروج من التخلف : اقتصاد الحرب.

  • عيسى

    على شباب الحراك الالتزام بالحكمة والصبر والكف عن الطلبات التعجزية والتشمير عن سواعده من أجل العمل لتحقيق ما يصبو إليه الشعب الجزائري. زمن البايلك قد ولى. شكرا سيادة الرئيس على ما تقوم به و الخير قدام ان شاء لله.

  • منارات

    الجزائر الجديدة ... الزلط ياكل فينا أكثر من أي وقت مضى

  • من الحراك

    نريد استرجاع الاموال...وحل حزب الافلان والارندي والاتحاد العام للعمال الجزائريين ووزاره المجاهدين.ومحاسيه عائله بوتفليقه

  • Fouad

    Merci Samira pour l article , une analyse plaisante , et instructive ,qui veut semer cette vision nouvelle depuis l ascension de Teboune à la présidence , j espère que plus d analyses de ce genre se feront sur tout les autres Aspect de la vie politique ou juste sociale , je pense que cette vision générale et surtout globale donne un nouveau style au journalisme. Sans aller chercher ni le waw effect ni l extraordinaire just une vision objective des faits
    Encore une fois merci pour l article et espérant que le président Teboune continue le bon travail qu il a fait.

  • مريم

    الى السيد رئيس الجمهورية
    لقد توفت اغلب ارامل الشهداء يجب فتح تحقيق في حرمانهن من السكنات الإجتماعية.