-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

المطلوب أكثر من “الصيام الإلكتروني”

نورهان بليدي
  • 322
  • 2
المطلوب أكثر من “الصيام الإلكتروني”
ح.م

طالعت مؤخرا الاقتراح الذي قدمته رئاسة الشؤون الدينية التركية، والبروفيسور إلهان قليج، للقيام بما أسمته “الصيام الإلكتروني” خلال شهر رمضان، حيث يمتنع الناس فيه عن تضييع الوقت في شبكة التواصل الاجتماعي، واستغلال تلك الأوقات الثمينة فيما ينفع مع أفراد الأسرة والأعمال الخيرية والمطالعة وقراءة القرآن.

وقد وجدت أن مثل هذه الدعوة لم تكن دعوة (أوريجينال)، لأني قرأت وسمعت وتحدثت في السنوات الأخيرة، خاصة مع كل قدوم لشهر الصيام، عن اتجاه بعض الناس نحو تطبيق هذا النوع من “الصيام الالكتروني”، خاصة من فئة الشباب، والظاهر أن فتيات وشباب كثر حدثوني أنهم يعمدون إلى تجميد حساباتهم على مختلف مواقع التواصل الاجتماعي في شهر الصيام، وخاصة أصحاب الحسابات الوهمية، التي يتم إنشاؤها عادة لإقامة العلاقات الغرامية، وذلك بغرض التفرغ للعبادة، لكن العجيب، أنه سرعان ما يعود أولئك إلى سالف عهدهم بالجاهلية مباشرة بعد انقضاء شهر الصيام.

هذه الظاهرة تلمستها كثيرا في الأوساط العربية، وقد كان يمكن أن تكون لها تأثيرات إيجابية حقيقية لو أن الغرض منها كان تدريب النفس على الاستقامة الحقيقية، وكذا للتخلص من السلوكيات السلبية التي اعتادها الكثيرون طوال بقية السنة، لكن للأسف قليلة جدا تلك النتائج الإيجابية المتوخاة من هكذا صيام الكتروني، لأن طبيعة الحياة العصرية بتشعباتها، سرعان ما تعيد الانسان إلى سجن الأجهزة الالكترونية رغم محاولات التخلص منها.

ولو تمعنا قليلا في معاني هذه الدعوة التي أشجعها بالطبع، بل وأدعو إليها، خاصة بالنسبة لمن يسرفون على أنفسهم في القيام بعلاقات مشبوهة، وتحديدا الفتيات، فإن الصيام الالكتروني من شأنه إذا ما تم استيعاب معاني ومدلولات الصيام الحقيقي كما فرضه الله سبحانه وتعالى، أن يصلح الكثير من الاختلالات في حياتنا، فبدل أن تمضي الفتاة زهرة شبابها في تتبع خيالات ووعود “عرسان الفيسبوك”، تقوم بالاهتمام بصحة والديها، أو تقوم بمشروع ربحي أو علمي، سوف يجعل من العرسان يجرون خلفها بدل أن تستمر هي في الجري خلفهم بلا جدوى.

وبدل تضييع الوقت في أحاديث العشق والغرام الفارغة مع أناس يبعدون آلاف الكيلومترات، ويختلفون في العادات والتقاليد والنظرة إلى الحياة، يكون الحديث إلى الإخوة والأقارب والجريان ومن هم قريبون منا، بطريقة أكثر صدقا ونفعا.

وبدل تضييع الوقت في الألعاب الالكترونية لتكن الفرصة متاحة لألعاب الطفولة القديمة، عبر تعليمها لأطفالنا وأطفال الجيران، علاوة على تقاسم أوقات لا تقدر بثمن من السعادة والمرح.

وبدل تضييع الوقت في عرض ومتابعة أصناف المأكولات والطبخ التي يعرضها الناس على صفحاتهم، يكون القيام بما يلزم لمساعدة الجيران من الفقراء عبر منحهم ما يسدون به رمقهم..

إن التخلص من الهواتف النقالة طيلة شهر كامل – وهنا أتحدث عن الذين لا يحتاجونه للعمل تحديدا- من شأنه أن يعيد الروح المفقودة والجميلة إلى روحها، والنفس المتوترة الضائعة إلى نفسها، ثم أن التنقل للصلاة في المساجد 5 مرات في اليوم، مع ما يتطلبه الشهر من قراءة للقرآن بالتدبر اللازم، سينهي الحكايات المصطنعة التي تمتلئ بها مواقع التواصل عن رسائل “جمعة مباركة”، و”لا تتركها عندك”، وباقي المواعظ التي تصل بلا روح إلينا من جهات مجهولة حولت الدين إلى نصوص باردة أو رسائل قصيرة بلا معنى.

وقبل أن أنهي علي أن اعترف، أني تعمدت التطرق بهذه اللمحة إلى موضوع الصيام الإلكتروني، بوصفه في تصوري أضعف الإيمان، أما موقفي الصريح الذي أتمناه ولم أستطع تطبيقه، هو أن يتخلى الانسان كلية عن هذه الوسائل إذا كان لا يحتاجها ضمن دائرة عمله المباشر، وهي دعوة أو رغبة يمكن اعتبارها متطرفة إن شئتم، لكنها تبقى من أكثر الأماني عمقا بالنسبة للكثيرين، خاصة حين تكون مقترنة بالخروج من المدينة، والعيش في رأس الجبل رفقة قطيع من الغنم والماعز، وقد تخلص هذا الانسان المسكين وقتها، ليس فقط من هوس التكنولوجيا، بل وأيضا من الأجواء الملوثة، والأكل غير الصحي والضجيج القاتل.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
2
  • Samira

    كلام جميل جدا...راحة البال نصيبوها في الجبال.
    علينا بالصيام الالكتروني والصيام على وسائل النقل
    و الصيام على على fast food وعلى التسوق بالا فائدة في supérettes وعلى البوليتيك و التقرعيج والدومينو في لقهاوي ......و... و ..

  • مرور الكرام

    يعطيك الصحة ختي.