-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

المظلومة التغبوية

عمار يزلي
  • 1107
  • 2
المظلومة التغبوية
ح.م

مع الدخول المدرسي، أعود لطرح انشغال وهم “المظلومة التغبوية”، إذ إنه لم يحدث قبل اليوم أن كانت هذه المنظومة محل نقد ودعوة لإصلاح جذري. فلقد بقينا طيلة جيل ونصف نتحدث عن الإصلاحات من خلال الإساءات، لأننا كنا دائما “نصلح” تعليمنا بالإساءة إليه، عندما نربط هذه الإصلاحات بتلك الإصلاحات التي عادة ما تكون قد سبقتها في “الأم فرنسا”! كل الإصلاحات عندنا، من المدرسة إلى الجامعة، كنا ننقلها عن الأم فرنسا! منذ إصلاح 71 وإلى اليوم. المشكل ، أنه حتى عندما كانت فرنسا تجرب ولا تنجح، سرعان ما كانت تعود عن إصلاحاتها، فيما نبقى نحن مستمرين فيها إلى ما بعد ذلك، وكأننا نريد أن ننجح برنامجا فرنسا، لم تنجح فيها فرنسا هي بنفسها.

هذا الارتباط الأعمى، والانجراف الأخرق وراء كل ما هو فرنسي وعمل وفرنسي، مرده إلى حالة الاغتراب التي تركتها لنا “الأم” المطلقة، من خلال تركتها فينا: من مثقفين وإدارة ومسئولين وسياسيين، بقوا تحت تأثير العقل الفرنسي حتى وهم تحت العلم والقسم الوطنيين. المشكل ليس في الثقافة الفرنسية عندنا، بل في التبعية البلهاء. خاصة في المنظومة التربوية. فالتربية ليست تربية لا فرنسية ولا انجليزية، والتعليم تربة والتربية تربية. غير أن رغبة الفصل بين التربية والتعليم كانت دائما موجودة. الحدث حول الدارجة، ليس موضوعا جديدا، فقد ورد الحديث عنه والإشارة إليه في لجنة بن زاغو التي قادها الوزير الأسبق الذي عمر طويلا بن بوزيد (وبغا يزيد)، لكنها لم تطبق عمليا إلا بمقدار. وجاء اليوم الحديث أكثر صراحة بعد إحياء الفكر عن طريق بن غبريط التي كانت عضوا في هذه اللجنة. هذه الفكرة، لم تكن حتى فكرة لجنة بن زاغو، بل فكرة فرنسية أيام الاحتلال. كانت فرنسا تدرس العربية بالدارجة لضرب الفصحى لأنها لغة الدين ولغة الأرستقراطية بالنسبة لليسار الشيوعي ولأنها لغة التخلف لدى العلمانيين وكونها لغة استعمارية لدى التيار البربرفوني!! هذا هو مربط الحمار!

نمت على هذه التساؤلات لأجد نفسي أعلم التلاميذ في السنة أولى دارجة:

قلت لهم: أعطوني هدرة أي جملة نيشان أي صحيحة! قال لي أول تلميذ رفع إصبعه الوسطى: ما نبغيش نقرا، باغي نخرج “نقرة”! قلت له: مليح، زيد، شكون قال: قالت لي واحدة: مانلبسش الحجاب، على خاطرش الإسلام دين الإرهاب. قلت لها: هاااكذك زيدوا…هذه هي التربية..زيدو. شكون قال: رفع آخر أصبعه والقسم كله فوضى وضحك وضرب وركل: “صاحبي هذا شرا زوج قارويات كيف وما عطانيش جبدة!” قلت له: علاه ما تعطيهش جبدة! (ونجبد معاااه…. ونعطيه!) رفع أخر أصبع رجله من تحت الطاولة: “راني مديقوني ومفوتي كاللي ضربوه بينالتي”! قلت له: أنا راني أكثر منك كاره حياتي! بعدها استدرت للتلاميذ وأنا أحاول إسكات حسهم: أسكتوا الله يسكت حسكم..! دروك رايحين نقراو “الجيوغرافي وليسطوار..وما كانش ليزيسطوار”..اسمعتوا؟ خرجوا الكايي والستيلو وبداو تكتبوا: هيا راني بديت….خلاص كملتوا الكتبة نتاع الريزيمي نتاع ليسطوار؟ يالله الجغرافية بداو تحنشوا…وغدوة تجيوا كاتبين وحافظين قصيدة “د يدي واه”، و”البراكة” و”على الزرقة” و”عيشة” للفنان الأديب الشاعر الكبير خالد! ومن بعد نقرا الشعر نتاع مامي! فرح الجميع وراحوا يغنون كل الأغاني جماعيا قبل أن يقولوا لي: حافظينها  آآآلحاج.. حنا كنا خايفين لا تقول لنا آجيوا حافظين “الحمد لله” وإلا “قل هو”.

هؤلاء هم سنة أولى دارجة، فما بالك بالسنة السادسة؟

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
2
  • riad

    لماذا لا يدرس الطب بالعربية اللغة الوطنية كل الدول تدرس الطب بلغتها وهي ناجحة ولا تدرس الفرنسية بتاتا عند فتح علبة الدواء تجد داخلها الورقة الوصفية لمكونات الدواء واستعماله بالعربية والانجليزية او الفرنسية وغيرها من اللغات

  • محمد

    ما زلت أتابع مقالاتك..من ينفي أن المنظومة التربوية شهدت حتى إقصاء الوزير علي بن محمد تطورا إيجابيا إلى أن وفد علينا الرئيس المقتول أمام الملأ ليفرض علينا زبانيته ذوي الجنسية المزدوجة والذين أوكلت لهم تغيير المدرسة الأساسية بما تحوي من أفكار تحررية من قبضة النموذج الفرنسي؟بمجيء أحمد جبار بدأ تفكيك منظومتنا عن طريق إنهاء التعليم التقني المتخصص ودمج تلاميذه في التعليم العام بعد أن ضاعت من دراستهم سنة كاملة وظهر جليا أن المنظومة الجزائرية أصبحت بين أيدي إعداء استعمال اللغة العربية من المغتربين أصحاب الجنسية الفرنسية.الحكم القائم آنذاك نظرا لانتشار الإرهاب اعتمد على أفكار هذه الزمرة لاستمرار وجوده.