-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

المنجِّمون.. وأفول النجوم

عمار يزلي
  • 687
  • 4
المنجِّمون.. وأفول النجوم
ح.م

يرحل الصادق المهدي بعد تاريخ حافل من الدين والسياسية، ويرحل مارادونا بعد تاريخ حافل بالمجد والتعاسة، ويرحل كثيرون ما بين ذا وذاك.. كما يرحل الجميع يوما.. لسبب أو لآخر.. بطريقة أو بأخرى.

اللافت في الأمر، أن رحيل العقول النيِّرة، عادة ما تقابَل بلا مبالاة أو في أقصى تقدير: أسف غير مبالغ فيه، أما إذا رحل “فنان” أو “رياضي” أو”سياسي”، تكتظ مواقع المنجمين وتجار السحر والصورة.. وتمتلئ بمواقف على كثرتها وتنوعها وانتشارها بأخبار هذا الأخير.. تمجيدا وتخليدا وتوديعا وشكرا وتسبيحا وتحميدا وبكاءً.. وأسفا مبالغا فيه..

رحيل مارادونا، الذي انتهى وهو في الستين ومنذ اعتزاله، أتعس الأيام التي أنسته وغطت على سنوات مجده الكروي: انتهى شبه منتحر من فرط السمنة الناجمة عن الأدوية المضادة للإدمان الكحولي والمخدرات.. رحل مريضا تعيسا، قبل أن تقام له القيامة بعد رحيله: لقد كان مارادونا فعلا أسطورة فنية في الرياضة.. أمتع وتمتع.. أفرح وأبكى.. لكنه كإنسان، كان يشعر بشيء ما ينقصه بعد ما صار كل شيء بين يديه: مال وجاه وسمعة، وأنصار ومحبون بالملايين من كلِّ الأعمار.. في كل أرجاء المعمورة.. مثل أي “فنان” غنائي أو ممثل سينمائي يصنع الفرجة والضحكة والمتعة، والبهجة للناس الباحثين عن النسيان، والهروب من ضيق تنفس المكان والزمان.. إما بسبب الفراغ الديني أو العاطفي أو بسبب الوضع الاجتماعي المادي المزري.

هكذا يرحل الفنانون والرياضيون والممثلون والمغنون العالميون في عالم مادي، لا يعطي أهمية للروح ولا للأخلاق.. يرحلون وتبقى آثارُهم وأعمالهم التي ألهبت المشاعر، تغذي لأزمنة، مشاعر الملايين ممن افتتنوا في دنياهم بكل أشكال التجارة المادية من خلال “تشيئ” الإنسان و”تسليعه” وتحويله إلى بضاعة تباع وتشترى في النوادي: ومن الرق الجديد الذي يصبح فيه “الفنان” والممثل، صورة باهتة من الداخل، فارغة من أيِّ شحنة روحية وعاطفية تجعله يمجد الأمجد ويربح حريته ويترك المال والمادة التي تسجنه وتبيع حركاته وسكناته وصورته لملايير المشاهدين. نفس الحال مع الرياضيين الذي يسبحون في الملايير ويبتاعون ويكدسون ويجمعون أفخر السيارات والطائرات الخاصة والمراكب السياحية الخيالية.. مع ذلك تجدهم فارغين من الداخل، يبحثون عن الملذات الدنيوية في المال وما يجلبه لهم من مُتع زائلة، وشهرة كاذبة آثمة أحيانا.. هادمة للروح.. مُفرغة للعقل والقلب.. ينتهون عادة في الإدمان بحثا عن سعادة لا يجدونها.. وتنتهي دورتهم الحياتية ويرحلون لا أحد يعرف مصيرهم ما بعد الدنيا.

رحل مارادونا، ملهم الملايير ومانح المُتع للآخرين.. المانع نفسه عنها.. تناسيا لا زاهدا..

هكذا رحل قبله العشرات من المبدعين الفنانين في كل المجالات من السينما إلى عرض الأزياء.. بنجومية متلألئة في عز النهار.. لكن معظمهم رحل بائسا، نسيا منسيا.. وارثا المال، لكن بلا سعادة ولا استقرار ولا دفء عائلي: لا استقرار بالمطلق: زواجٌ عابر وطلاق كل حين، مضايقات عائلية.. فضائح أخلاقية، متابعات قضائية.. أمراض مزمنة، ونهاية جمال.. ووأد لشهرة خادعة، ليتحول في نهاية المطاف إلى “ليمونة” تم عصرها ورمي قشورها على قارعة الطريق: حدث هذا مع الكثير من النجوم الفنية والرياضية. يضيق المقام بأسمائهم.. البعض منهم رحل متسكعا وبلا مأوى.. وهذا بعد مجد كان يبدو خالدا إلى الأبد.

كل هذا لنعلم كم أنَّ الحياة قصيرة وخادعة لمن أراد أن يمتلئ بها عوض أن يُخضعها هو لرغباته الجامحة التي لا تنتهي.. فينتهي هو ولا تنتهي رغبات الدنيا وغوايتها.. ويجد نفسه في نهاية الدنيا وآخرته هو النموذج في الإفلاس.. وهو المفلس الذي أشار إليه الحديث النبوي الشريف..

اللهم أهدنا فيمن هديت..

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
4
  • محمد

    لكن من صنع هذه النجوم الآفلة إلى ظلام؟ألم تتجمع حشود الغوغائيين لعبادة نماذج منكرة لمن كان له عقل؟كيف تريد لشعب يبحث عن صورة النجاح الزائف أن يفكر حين يقف دقيقة صمت اعتبارا لقيمة موت نجم كرة القدم بأمريكا الجنوبية بينما يوجه الشتائم لمن يريدون إنقاذه من الجهل والتخلف لما يطالبهم بالعمل والاجتهاد؟ألم تكن وسائل الإعلام المروية منها على شاشة التلفزيون أوالمكتوبة في الصحف هي من تركز على هذه الأشباح الكاذبة لتكبيل تفكيرها ومنعها من اليقظة الروحية حتى تنظر إلى مآل مصيرها؟زد على ذلك حالة منظومتنا التربوية التي تحولت إلى عامل تجهيل وتخلف فكري.العيب لا يكمن في وجود النجوم الزائفة إنما في من يوجه ويسير

  • شاهد عيان

    احلى سعادة هي قبض الصف من الفجر من اجل حليب غبرة بماء ابيض ثم صف شكارة سميد ثم صف من اجل بطاطا وان تقضي حياتك كلها في الصفوف حتى تموت وانت قابض الصف لاخذ الشطر الثالث من معاشك ههههههه ها ها ها ها ها ها وبعدها تجلس لتطلق اللسان الطويل في نقد الاسياد

  • جلال

    قيل لقد قضي على النخاسة وسوق النخاسة ولم يعد للرق مكان الا في بعض الدول المتخلفة ولكن ماذا نسمي بيع وشراء اللاعبين وشراء الذمم ؟ حتى وإن كان اللاعب يكسب الملايير من وراء ذلك فهو لا يخرج عن نوع من العبودية وتقييد الحرية ! إنه مفهوم جديد للرق لا أكثر ولا أقل ولكن بموافقة الشخص نفسه !! هؤلا الذين غرتهم الحياة الدنيا وهم يحسبون إنهم يحسنون صنعا, سواء أكانوا سياسيين أو رجال مال وأعمال أو لاعبين أو ممثلين أو غيرهم. إن كسب المال والشهرة ليس حراما ولكن كسب المال له طرق مشروعة دينيا ودنيويا

  • العربي

    اللهم اغفر لنا ذنوبنا وكفر عنا سيئاتنا وتوفنا مع الأبرار...آمين