-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

الهروب من الوهم.. إلى الوهم!

الشروق أونلاين
  • 717
  • 0
الهروب من الوهم.. إلى الوهم!
ح.م

الضبابية التي تميّز الحدث السياسي والاقتصادي والاجتماعي، هي ما جعل الناس تهرب إلى العالم الافتراضي، وتحاول أن تجعل من حبة الإشاعة قبّة، وهي تدرك أنها مجرد أكاذيب، ضمن قناعة الهروب من الوهم إلى الوهم.

الناس صارت تأخذ زادها اليومي من الأخبار من العالم الافتراضي، وتبني عليه مواقفها وتتخذ لأجله مسارها الآني، ثم تجدها تغيّر من قناعاتها في اليوم الموالي، حتى صار لكل فرد جزائري أكثر من رأي وأكثر من مبدأ، وهو مؤشر خطير، يؤكد أن المصداقية في جميع المناحي غابت وغُيبت، فجعلت الناس في كل الأودية هائمين يبحثون عن الحقيقة، وهم في الحقيقة عن أنفسهم يبحثون.

ما حدث في قضية مقتل طالب العلوم الطبية أصيل وما أفرزه العالم الأزرق من طوفان من الإشاعات، أبان بأن بيوت أهم شريحة في المجتمع وهي الطلبة الجامعيون، أوهن من بيت العنكبوت، إلى درجة أن تنظيمات طلابية أدانت “عمليات إجرامية همجية”، وقعت في ولاياتها، لتكتشف بعد دقائق بأنها مجرد أكاذيب فايسبوكية لم تبذل لأجلها حتى جهد التأكد من حقيقتها، بينما صالت وجالت الإشاعات بين حديث الناس فأنستهم واقعهم ودراستهم وعملهم وحتى شعائرهم الدينية، وهو مثال صغير عن واقع صار يثير الحزن بسبب الضبابية التي أغمضت عيوننا، وجعلتنا نبحث عن الحقيقة في عالم الخيال كمن يبحث عن الشمس بعد غروبها.

مواطنون يثورون ويهزّون الدنيا ولا يقعدوها، على خلفية خبر كاذب قرأه أحدهم على مواقع التواصل الاجتماعي، وآخرون يطردون رئيس بلدية بسبب تغريدة يعلمون بأنه ليس كاتبها، وجمهور كرة يسير في مظاهرة مبنية على خبر لا يعلم به حتى المنسوب إليه.

هذه الأفعال وردّات الفعل في الجامعات وفي المساجد وفي الملاعب وفي الشارع التي بُنيت على أخبار كاذبة صدرت على مواقع التواصل الاجتماعي، هي مؤشر سلبي لما سيحدث في الفترة التي تسبق الانتخابات الرئاسية القادمة، بدليل أن مصالح الأمن حذرت منها، وقد يجد الساسة فرصتهم الذهبية لاستغلال هذا الحراك الفايسبوكي فيدسّون مزيدا من الأخبار التي تحّول هذا إلى ملاك والبقية إلى شياطين، من جرّة خبر كاذب، من دون البحث عن المصدر الحقيقي وغربلة مصداقيته، حتى لا يختلط الخيط الأبيض بالخيط الأسود فتختلط الحقيقية بالكذب.

نصحَنا آباؤنا بأن لا نزعم الغرق في البحر، حتى إذا ضربتنا موجة عاتية وطلبنا المساعدة وجدنا من يغيثنا، لأن زاعم الغرق بين الحين والآخر لن يسعفه أحد، ظنا منهم بأنه يكذب على الناس، وهو حال الكثير من المسئولين في الجزائر الذين كذبوا على الناس سنوات طويلة، ولن ينفعهم صدق يوم واحد، وهو ما جعل غالبية الجزائريين كلما اشتدت بهم الأزمة هربوا من الوهم … ولكن إلى الوهم.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!