-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

الهويات القُطْرية هل هي فطرية؟

عمار يزلي
  • 488
  • 0
الهويات القُطْرية هل هي فطرية؟
ح.م

العمل المغاربي الذي يبدو معطلا منذ سنوات بسبب الخلافات الوطنية، ليس مرده فقط إلى أزمة سياسية بعينها أو تجارة غير مرغوب فيها بحد ذاتها، ولا حتى في أسوأ الأحوال إلى تكتلات إقليمية ودولية. قد تدخل كل هذه العناصر لتغذي عناصر تاريخية وسوسيو سياسية، كن هناك ما هو أبعد من الأقطار وأبعد حتى من الأفراد.

الفضاء المغاربي، هو فضاء إنساني بشري وعندما نتحدث عن “الإنسان”، نتحدث عن التغير والتحول، تطورا كان أم تقهقرا، ذلك أن الإنسان الفرد، هو نفسه في حالة تغير دائم وحالة من التحولات التي لا تنتهي بوفاته ولا حتى بسقوط دولة أو”اندثار” حضارة. التحول مستمر، حتى وإن لم نشعر به. شعورنا به، يكمن في إعادة تقييم حركة التاريخ الإنساني في مجتمع محدد وفي المجتمع الإنساني ككل، ومقارنة الأحداث والطبائع والتمييز بين القديم والجديد وعناصر التغير فيه. عمل ليس بالسهل، لأنه ينبغي لنا أولا أن يكون عندنا “تاريخ” دقيق. تاريخ اجتماعي. التاريخ الذي نتحدث عنه هو التاريخ الإنساني المصور تصويرا دقيقا لا يقبل التأويل ولا التفسير الذاتي. هذا العمل قد يبدأ من الآن، حيث أنه الآن، أصبح من السهل، قياسا بالأمس، أن نؤرخ ونوثق للأحداث وتصويرها من أجل إعادة قراءتها لاحقا ومقارنة الأحداث والواقع وتمييز أشكال التغير والتحول في الإنسان ضمن فضاءاته المحلية.

يكون من الصعب والحال هكذا، أن نقارن وأن نتتبع آليات التغير والتطور والتحول ونفهمها لكي نفسرها. فالتاريخ مليء بالفراغات، بل أن مناطق الفراغ في التاريخ الإنساني، أكثر من المناطق المليئة. وحتى تلك المناطق المليئة، لا تعتبر مليئة إلا في تصورنا، لأن الأحداث المنسية غير المروية وغير المكتوبة، تتجاوز تلك المدونة أضعافا مضاعفة. كما أنه، وحتى ذلك الجزء القليل النزر المدون عن طريق الرواية الشفهية والمدونة لاحقا، أو حتى تلك المدونة في زمانها، إنما هي عمل إنسان. وعندما نتحدث عن “عمل إنسان”، نتحدث عن النسبية وعن القصور، كيفما كان هذا العمل: قصورا بسبب التدخل الذاتيّ، والتأويل الشخصيّ، والكتابة من زاوية نظر محددة، أو بسبب الضعف والقدرة على التصوير والتأريخ للتفاصيل أو إهمالها أو التغافل عنها، باعتبارها غير مهمة أو لا تستحق الذكر أو أنها لا تدخل في التاريخ ذاته. غير أن” الشيطان يكمن في التفاصيل”، وأن “التاريخ الكبير” ، ليس هو “التاريخ الصغير” ، وأن التاريخ الصغير، كان يخلط عادة بالتاريخ الكبير.

فيما يتعلق بتشكل بنية الهوية الفردية، وطريقة إعادة إنتاج الفرد والجماعة لنفسه، ضمن نسق عام لسيرورة غير متحكم فيها ذاتيا، تدخل هذه السيرورة ضمن “ناموس” كوني، لا نكاد نقف له على قانون دقيق يكون بالإمكان لإدراكاتنا أن تعيه أو أن تفهمه، لأنه “يفلت” من العقلنة. فهم الإنسان المغاربي بخصوصية كل شعب على تشعبه بما “يتمثله” هو من صفات هوياتية، يجعلنا نفهم التسيس والتكتل والازواء  الفرد هو كل شيء وهو الأساس، والجماعة هي “الجسم الحمائي” للجسم الفردي. فالهوية الفردية، هي الأصل الذي سيبنى عليه الفصل (الجماعة)، وليس العكس كما سيبدو ظاهريا. فالعلاقات الانسانية، هي علاقات يبنيها الفرد لصالحه هو، وليست الجماعة هي التي تنبي الجماعة لصالح الفرد! قد يحدث هذا، ولكن هذا لن يحدث! لأن روح الجماعة معقدة ومتضاربة الأهواء الفردية، وكل جماعة ترغب في ذلك، ستجد نفسها تخدم فردانيتها وليس الفرد!. لهذا، سنجد الكلام والخطاب والحديث عن “الشعب” و”الأمة”، كثيرا ما يتبنى هذا الطرح، لكن، عمليا يكون العكس، ونسمي هذا الخطاب بالخطاب “الشعبوي”، حتى باستعمال الخطاب الديني الدغماتي أحيانا.

الأمر يطرح تساؤلات أكثر من الإجابات بسبب تعقد بنية الفرد، فما بالك بالجماعة. تساؤلات عن الأسباب التي تجعل من “شعب” أو “جماعة” تختلف عن “شعب ” أو “جماعة” أخرى والتي تكون وراء قاعدة تشابه الدورات التاريخية والإنسانية ويقف وراء العداوات التاريخية التي لم تنمح إلى اليوم بين الأقطار والأمم. إنها مسألة في غاية الأهمية أن نعرف كيف نتناولها. غير أن العلم حاليا، يقف عاجزا للأسف على الإجابة على تلك التساؤلات كلها.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!