-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

انتعاش السياسة بهدي المعتقدات الدينية

انتعاش السياسة بهدي المعتقدات الدينية
ح.م

يتلاشى المجال السياسى اليوم، بينما يتسع المجال الدينى متنوعا بطقوسه وتقاليده.
لقد انغلقت السياسة بالأمس بمضامين أصولها الدينية وها هي اليوم تموت بقبضة الأصول المتطرفة، وتتجه نحو عالم عدمي في ظل الفوضى الحالية، لتترك المجال واسعا لطقوس تعددت مذاهبها، حتى اتَّسعت بتنوعها الصراعات.

يطلق الأصوليون بمختلف مذاهبهم، طاقتهم المعقدة في مجتمعات تعاني من مركبات النقص بسبب التطور الصناعي والاقتصادي والاجتماعي، الهائل الذي بلغه الغرب، وتحلم ببلوغ عتباته.
في البلدان الفقيرة التي تتهاوى فيها دعائم الدولة الوطنية تتجه العقائد الدينية نحو إعادة بعثها بمضامين سياسية، قائمة على إعلان قدرتها، في اختصار الفجوة الفاصلة بين التقدُّم الغربي المعاصر والتأخر المتعشعش في العالم الثالث الفقير.
يتنامى الفزع الغربي، في تجاذبات إعلامية، تكشف التناقض بين خمول الغربيين المفضوح، وبين العزيمة الثورية للإسلاميين، كما لو أنه أصبح بمقدور الاتجاه الإسلامي أن يبعث في أعقاب موت الشيوعية مشروعا سياسيا شاملا جديدا.
ويتنامى الفزع الغربى من وجو: “مشروع سياسى إسلامي” في هذه المرحلة التي هفت فيها المشروع الديمقراطي الغربي بأبعاده العالمية، وأعلن فيها عن نهاية الديمقراطية بسبب تحول المجتمع الى مجتمع علائقي، مجتمع اتصالات:

تتلاشى فيه الحدود ولم يعد للمكان معنى.

التجانس بين البشر.

تغادر مؤسسات التشريع مواقعها.

تفقد المؤسسة السياسية قدرتها في ضبط العلاقات الاتصالية.

ويتحول فيه السياسيون، بلباس ديني، إلى نجوم في القنوات الفضائية لهم معجبون وساخطون.

لقد مُنيت السياسة بالموت.. هكذا في المجتمعات الغارقة بثرائها.. لكنها تنتعش في المجتمعات الفقيرة بهدي المعتقدات الدينية المذهبية.

ولم يتراجع فزع الغرب من فشل المشروع السياسي الإسلامي الإيراني بعد أربعة عقود على فشل تجربة أول جمهورية إسلامية؛ فالمسألة في نظر الغرب هي أن هذه الجمهورية أصابها القدر نفسه من الشيخوخة الذي أصاب الحركة الشيوعية على مدى سبعين عاما، فـ”الثورة الإيرانية” حاولت أن تحمل مشروعا سياسيا لكن الإدارة البيروقراطية للمؤسسات الإسلامية لم تكن أكثر كفاءة من التخطيط السوفياتي، فانكشف عجز هذا الفكر السياسي، شأنه شأن الممارسة الشيوعية بعد عام 1917، في تقديم إجابة شاملة للتطلعات التي مكنته من الظهور، فهذا هو قدره وتلك هي حدوده .

ويبقى الإخفاق في التطلعات السياسية للاتجاه الإسلامي الإيراني من وجهة نظر الغرب لكونه لم يهدف إلى تغيير المؤسسات بل هدف إلى تغيير ضمائر البشر الذين عاشوا على الحرمان الذي يولده الفقر، ومن سمتهم بـ”المستضعفين في الأرض”.
ويدرك الغرب أن الاتجاه الإسلامي الذي ظهر بإرادة منه، لا يقوى على طرح نظام عالمي جديد، وإن كان يحلم بإحياء الإمبراطورية الإسلامية، فالاتجاه الإسلامى لا يحمل أكثر من مشروع متواضع جدا يعرف المفكرون الغربيون أنه يتمثل في:
“توثيق عرى طائفة بما تحاكي فى سلوكياتها الخاصة هذا المجتمع العادل الذي تخلى البعض عن فكرة الوصول إليه عبر السياسة” .
ولم يملك الأصوليون الإسلاميون الأدوات اللازمة للتبشير بدعوتهم، ربما لا يفكرون بالتبشير أصلا، كما لا يفكرون بتثقيل قائمة المؤمنين.

لقد فتح العالم الاتصالي تقاليد التجانس مع الآخر، دون اعتبار لخصائص الهوية، هذه هي خصوصية العصر الراهن، كأنه لوحة تجريدية، لم يعد فيها للخصائص الإثنية، والعرقية والدينية والتاريخية، شكل أو وجود، رفضها الأصوليون، الذين تحصنوا بالفكر الديني المذهبي الذي يجعلهم يشعرون بخصوصيتهم في عزلة الزمن المعاصر.

عقائد التوحيد خرجت بالإنسان من عزلة الجغرافيا، لكن عقيدة التوحيد أخذت اليوم اتجاها آخر.. اتجاه وحدة الإنسان الضائع وسط المجموع بلا ملامح، بلا خصائص، بلا معنى.

لقد انقسم الدين إلى مذاهب، تختلف أزياؤها، حرصا على التمثل بشكل خاص، مميز عن الآخر، حتى أضحت المذاهب هي قاعدة الإيمان بتقاليد وعادات وطقوس لم ترد في نصوص قرآنية، أو أحاديث نبوية صحيحة،

وأضحت الطقوس ممارسة إيقاعية يومية، تجردت من مضامينها حتى تغلبت كليا على الإيمان.

هكذا أضحت الأديان اليوم، نقطة الاختلاف على الهوية التى توحدت في العقل الإلكتروني -الاتصالي، ولم تعد منتجا جذابا يمكن تسويقه عبر الشبكة العنكبوتية كمشروع سياسي عالمي يقنع من لا يمتلك قناعات مبدئية فى عصر لا يحكمه أي نظام سياسي أو رؤية فلسفية ترسي دعائم وحدة ذاتية داخلية.

أما الوفاق بين مذاهب الدين الواحد، فهو ضربٌ من المستحيل، والدعاء له مجرد أطروحات قابلة للاستهلاك، في خطاب عاطفي خال من صدق المضمون.

والقاسم المشترك بين المذاهب وبين مختلف أشكال الأصوليات الجديدة هو سعيها لعدم التلاؤم مع بعضها البعض لمواجهة تحديات العصر، ونبذ نزعة وحدة البشر، فالمذاهب ترفض العودة إلى أصل وحدتها العقائدية، خوفا من ذوبانها، في أصل واحد.
أي هدف يحمله الأصوليون.. إذن؟
اكتشاف الهدف قد يعيد الاطمئنان إلى الغرب، ويمنحه ساعة استرخاء من متاعب الفزع، فالأصوليون بما يمتلكونه من أدوات متواضعة ومساحات منحسرة لا تتعدى قدرتهم حدود إنشاء خلية متجانسة تحكم الانغلاق على نفسها.. وهي بهذا المعنى تحيي فكرة: التوحد عبر نظام الانغلاق!
تتجسد هذه الفكرة فى الأدبيات الغربية التى تعتقد أن العالم محدود الموارد، وثراء الغرب الشديد لا يمكن تعميمه على الكرة الأرضية.
لكن الفزع الغربى يكمن فى بحث البعض عن البعد الشمولي الكوني الذي يكشف تناقض القوى الكبرى وتراجعها عن المبادئ الإنسانية الكبرى، بما يدفع “المستضعفين” نحو الارتماء في أحضان الأصولية والتطرف.

لم يتراجع فزع الغرب من فشل المشروع السياسي الإسلامي الإيراني بعد أربعة عقود على فشل تجربة أول جمهورية إسلامية؛ فالمسألة في نظر الغرب هي أن هذه الجمهورية أصابها القدر نفسه من الشيخوخة الذي أصاب الحركة الشيوعية على مدى سبعين عاما.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
9
  • جلال

    (المذاهب ترفض العودة إلى أصل وحدتها العقائدية، خوفا من ذوبانها، في أصل واحد.) كلام سليم ومنطقي لكاتب المقال لماذا لأن هذه المذاهب والملل والنحل مبنية على مصالح متعددة ولا يمكن أن يتنازل مريديها عن مصالحهم والا وقعت الحرب بينهم كما وقعت سابقا فالقائل بعودة الخلافة يعلم أن لا وجود لخلافة إسلامية أصلا : هناك خلافة بني أمية لأنفسهم وهناك خلافة بني العباس ومنهم القائل بتطبيق الشريعة ولقد شرعوا من الدين مالم يأذن به الله وأرادوا تطبيقه باسم الله ولله حدود فقط وهى عالمية الآن فالحكم شورى قال الله وأنتم أدرى بشؤون دنياكم قال الرسول ولا يمكن فرض أو إجبار أحد على الإيمان لأنه وجداني قلبي. فمالكم؟؟

  • بدون اسم

    من يدعون لتأسيس الخلافة لا يملكون لا اساطيل ولا طيران استراتيجي ولا خطط لحكم حي صغير فما ببالك بحكم الامة .فبالله عليكم هل بوجود التماسيح والعفاريت التي تحكم العالم مثل امريكا وروسيا واوروبا والصين والهند والبرازيل في الطريق كيف يمكن لامة اغلبها مكون من الدراويش الاميين الذين ما زالوا محكومين بالاموات كالبخاري ومسلم كيف يمكن لهم الاتحاد في دولة تجمع الامة الاسلامية التي لم يسبق لها ان اجتمعت مند عهد الرسول.فبعد وفاة الرسول بدقائق تفرقوا الي مذاهب ونحل وشنوا حروبا طاحنة فيما بينهم ابتداءا من الفتنة الكبري نهاية بحروب طالبان و داعش

  • اسئلة

    فيما يتعلق بحديث عودة الخلافة و الملك العاض ، هل فعلا يختلف نظام الحكم في الخلافة عنه في ما يسمى الملك العاض؟
    الدساتير الملكية تقول ان من يرث الملك هو ابنه، و ان لم ينجب ابنا ذكرا فاخوه، و ان لم يكن له اخ ذكر فأقرب اقربائه من الذكور، طيب ، أليس هذا ما حدث فعلا للنبي؟
    فالنبي لم يكن له ابن ذكر لنقول انه لم يسلم له السلطة، و لم يكن له اخ ذكر كذلك ، فمن كان اقرب اقربائه من الذكور غير اصهاره و هم : ابو بكر والد زوجته عائشة، و عمر ابو زوجته حفصة ، و علي بن ابي طالب زوج ابنته فاطمة ، و عثمان بن عفان زوج ابنتيه رقية و ام كلثوم ، فاين اختلاف نظام الخلافة عن الحكم العاض المزعموم ؟

  • اسئلة

    يقول الحديث ما معناه ان المسلمين في آخر الزمن سيقاتلون اعدائهم الى اخرهم ثم يعلقون سيوفهم على شجر الزيتون،و هذا جهل واضح بتطور تقنيات الحروب التي في زمننا هذا حيث الاسلحة ذات التكنولوجيا الفائقة ، و بالتالي فالحروب لم تعد تخاض بالسيوف و لا بالرجال، بل بطائرات بدون طيار و الصواريخ العابرة للقارات ،فكيف بآخر الزمان ؟
    فكرة المهدي اقتباس من فكرة المخلص المسيحية و من الفكر الاسطوري عموما le heros redempteur
    فيما يخص مسالة عودة الخلافة، هل فعلا يختلف نظام الحكم في الخلافة عنه في ما يسمى الملك العاض؟

  • كابوس

    هكذا تضيع طاقة المسلمين الفكرية وتتيه عقولهم في الاستدلال والاستدلال المضاد .

  • .

    -يجب التمييز بين الاسلام و تاريخ الاسلام، الاسلام نظرية اما التاريخ فهو محاولة تطبيق النظرية، و محاولة اعادة انتاج التاريخ الاسلامي هو تشبت بالتطبيق الموصوف بالقصور عوض التشبت بالنظرية التي تخص سائر الازمان، فليتصور اي مسلم عندما يستيقض في الصباح بان الاسلام نزل للتو،و ان السقيفة و الفتنة الكبرى و الغزوات و الخلافة الخ شيئ غير موجود،و ليطبق اسلامه بعين الحاضر و المستقبل.
    -يجب على المسلمين ان يعوا التغيير الحاصل في منطقتهم، نحن دول عديدة متحاربة و متناقضة المصالح، فمن يعيش بمنطق الامة و دار الاسلام هو كفتية اهل الكهف يخاطب اهلا زمنه بلغة العهود البالية، الان اما ان نتتمي لوطنك او انك عميل.

  • ابراهيم

    ألم تحطم الطالبان اصناما لا تؤذي احدا بينما تجاهلت الحشيش الذي يفتك بالعباد، لم تفلح سوى في تطبيق الحدود،و حتى الحدود اتوا بها من شرع اخر غير الاسلام، فالكل شاهد على الانترنيت
    لو اعطيناكم سلطة مطلقة لما استطعتم تطبيق الشرع لان ذلك مستحيل، من يريد القضاء على الاسلام فليحوله الى دولة اسلامية.
    مشكلنا مع الاصوليين هو الانتماء، انتمائهم عقدي بينما انتمائنا جغرافي، نحن ننتمي للوطن و هم للامة، لذ ا تكون موازينهم مقلوبة

  • براهيم

    يعرف الاصوليون قبل غيرهم استحالة تحقيق مطلب تطبيق الشريعة و العودة الى الخلافة،و يبحثون عن مشاجب يعلقون عليها فشل مشروعهم،و من بين هده المشاجب فساد الحكام و عمالتهم،الان سقط مبارك و جاء اخوان و سلفيون الى السلطة،فهل طبقوا الشريعة ؟و هل حاربوا الصهاينة ؟ و هل اغلقوا السفارة او الغوا اتفاقية كامب ديفيد؟
    سيقول قائل انهم ايضا عملاء للامريكان،لكننا سنحيله على القاعدة نفسها،الم تمسك المحاكم الاسلامية السلطة في الصومال فهل طبقوا ما كانو يتشدقون به ، فزايد عليهم الشباب المجاهدون فسالت الدماء و انتشر الوباء و ضربت المجاعة 12 مليون صومالي ؟

  • دازنميتر

    الخلافة وهم وان تحقق سيضل مجرد فكرة هلامية في عقول المسلمين
    الخلافة تسمى في العلوم السياسية ( ديكتاتورية )
    الخلافة تسمى في التاريخ السياسي بنظرية التفويض الالهي حيث يدعي الحاكم انه وكيل الله اي انه يطبق حكم الله بالوكالة ولا يحاسب ابدا لان لا احد يجرؤ على الاحتجاج على حكم الله