-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

انفراجٌ هشّ للأزمة الليبية

حبيب راشدين
  • 726
  • 4
انفراجٌ هشّ للأزمة الليبية
ح.م

 إعلان حكومة السراج والمجلس الرئاسي عن وقف شامل لإطلاق النار عبر كامل التراب الليبي استقبِل بترحابٍ سريع من قبل بعثة الأمم المتحدة، وسوف يحظى بلا شك بتثمين من قبل دول الجوار والمجموعة الدولية، وسوف يفتح آفاقا جديدة أمام انبعاث مسار للتسوية السياسية التي تراهن عليها دولُ الجوار كحلٍّ وحيد، قادر على تجنيب الشعب الليبي تداعيات التدويل المتنامي، والتهديد بالتقسيم، قرارٌ يحتاج إلى تأكيد وتعضيد، بترقية المبادرة المشترَكة بين حكومة السراج وبرلمان طبرق التي تعِدُ باستئناف إنتاج النفط، ومراجعة تشكيلة المجلس الرئاسي، وتثبيت وقف إطلاق النار، واعتبار منطقة سرت – الجفرة منطقة منزوعة السلاح وربما تحويلها إلى عاصمة مؤقتة لليبيا في المرحلة الانتقالية.

القرار الذي جاء من غير مقدِّمات، وعلى خلفية تصعيد كان قد شهده المشهد الليبي خلال الأسبوع الماضي، بعد زيارة الوفدين العسكريين التركي والقطري لطرابلس، لم يحمل أي تفصيل حول كثير من الشروط التي كانت قد وضعتها حكومة السراج والطرف التركي الداعم لها، في ما يشبه تراجعا ملموسا لحكومة السراج عن بعض الشروط المعطلة، هي التي تكون قد شجعت عقيلة صالح على القبول بالعرض الأمريكي الذي حظي بدعم ألماني، ولم تعارضه صراحة لا مصر التي رحبت سريعا بالقرار، ولا روسيا التي تربح من أي خيار يضعف غريمتها تركيا.

أهم ما جاء في المبادرة وفي الإعلان عن وقف إطلاق النار هو التغييب المتعمد لخليفة حفتر، وتصدُّر عقيلة صالح للمشهد، ليس بوصفه رئيسا وناطقا رسميا لمجلس النواب، بل بوصفه قائدا عاما للجيش الليبي كما جاء في وثائق أمريكية مسرَّبة بعد لقاء عقيلة بالسفير الأمريكي، مما يعني أن المفاوضات القادمة سوف تخصَّص لتثبيت تفاصيل الإعلان عن وقف إطلاق النار، وتفعيل اقتراح إخلاء مدينة سرت من القوات، وإعدادها لتكون عاصمة مؤقتة لليبيا خلال المرحلة الانتقالية، والتوافق أخيرا على ضمان إعادة إنتاج النفط، وحلِّ إشكاليات اقتسام ريعه بين الغرب والشرق الليبيين.

ومع أن هذا الانفراج جاء مفاجئا، فإنه قد سبقه عملٌ دبلوماسي حثيث على خلفية اقتراح أمريكي اشتغل على محور تحويل جبهة المواجهة سرت – الجفرة إلى منطقة منزوعة السلاح، طوِّر لاحقا باقتراح نقل مؤقت للعاصمة الليبية إلى سرت، يقابله الإفراج على حقول النفط ومنشآته بالهلال النفطي شرق سرت الذي حرصت الولايات المتحدة على تأمينه، مع وجود نية أمريكية بتحرير القوى السياسية بالشرق الليبي من التأثير المصري وخاصة الروسي، يوازن بلجم الأطماع التركية بتشييد قاعدتين بحريتين بمصراتة، وجوية بالوطية.

حتى الآن ما تزال كثيرٌ من الأطراف الليبية متحفظة حيال البيان والمبادرة، خاصة مع غياب موقف تركي من إعلان المجلس الرئاسي وحكومة السراج، واستبعادهم لقبول تركيا بهذه المسار الذي ينسف جميع جهودها واستثماراتها، وقد ينتهي مع قيام مؤسسات ليبية شرعية بتخريب الاتفاق الأمني الذي تعوِّل عليه تركيا في تعضيد مطالبها حيال اقتسام المناطق الاقتصادية بشرق الأبيض المتوسط، إلا إذا كانت تركيا قد حصلت على ضمانات أمريكية بحمل الأطراف المتنازعة على تلبية بعض المطالب التركية المشروعة.

وفي كل الأحوال، ما يزال الوقت مبكرا للحكم على هذا الانفراج وعلى قدرة حكومة السيد السراج في إقناع شركائه الكثر في الغرب الليبي وخاصة منها ميليشيات مصراتة: القوة الضاربة للتيار الإخواني في الغرب الليبي، يضاف إليها القوى الوافدة من المرتزقة التي تسيطر عليها مباشرة تركيا، كما ليس من المؤكد أن السيد عقيلة صالح يكون قد استعاد زمام القيادة والسيطرة على قوات حفتر وحملها على القبول بمخرجات هذه المبادرة، وعلى رأسها إخلاء منطقة سرت والجفرة التي سوف تؤدي حكما إلى تحييد حفتر من المسار السياسي القادم.

بعيدا عن موقف حكومة السراج وعقيلة صالح، فإن الانفراج ـ إن تأكّد ـ يكون قد تحقق بموجب توافق ثلاثي أمريكي تركي روسي، كانت أعظم عقدة فيه: مخاوف الولايات المتحدة من حضور عسكري روسي دائم بقاعدة الجفرة، ورفض روسي ومصري لقيام قواعد جوية وبحرية تركية تمنع قيام أي تسوية سياسية مستقبلا، وهي فوق ذلك مرفوضة من قبل دول الجوار، وقد يكون الطرف الروسي والمصري قد حصل على ضمانات أمريكية بإقناع تركيا بصرف النظر عن بناء قواعد بحرية وجوية، مع توافق الجميع على تهميش الدور الفرنسي والإماراتي: الخاسران البارزان في هذا الانفراج.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
4
  • امين

    اولا كان عليك ان لاتنسي مرتزقة فاغنجر و الجنجويد ...و غيرها الذين مع حفتر و من جهة اخري تركيا تعرف ان الانتخابات سوف تفرز حكومة موالية لها و لو كانت الامارات و مصر و روسيا تعلم ان الانتخابات تفرز موالين لحفتر ما دعموه ليحصل عي السلطة بالقوة العسكرية و عيله مهما كان كرهك للتيار الاسلامي لا يمكنك قلب الحقائق تركيا مع الشعوب و اما الذين تدافع عنهم مع الطغاة و النتيجة زاضحة لمن في النهاية

  • محمد

    الغريب في الأمر أن هذا المشروع عرضه على الملإ ممثل عن جناح القذافي من سرت منذ أكثر من شهرين مما يعطينا ما لأمريكا من علاقات مع كل الأطراف الليبية حتى بينت أنها صاحبة القرار في تحديد مستقبل ليبيا.طبعا إن هذا المخرج يرضي حكومتنا التي تخلت منذ زمن عن لعب دورها خارج الوطن مما سمح لغيرها بأن يغوصوا في الماء العكر فاكتشفنا عودة (فرنسا وروسيا ومصر وتركيا وحتى دويلات الخليج و اليونان) الدول الإمبريالية العالمية لتتطاحن فيما بينها لتوزيع خيرات ليبيا البلد المفكك سياسيا.من هنا لا نرى من فائدة في بقاء المغرب العربي المشلول بوفاة أعضاءه.إننا تعلمنا من تلك الأزمة مدى عجزنا عن الدفاع عن بعضنا وعن أنفسنا.

  • SoloDZ

    كل شيء يزداد هشا استاذ ثم يتقوى مع مرور الزمن هذه سنة الله تعالى في خلقه المهم ان الدماء تحقن ومخطط التقسيم يدفن وتقام دولة المؤسسات الجمهورية الديمقراطية الشعبية واتوقع ان تحتضن الجزائر اتفاق المصالحة الليبية كونها مركز ومحور وقلب ورائد وقاطرة المغرب العربي وبما ان ليبيا مغاربية وامتداد طبيعي وتاريخي جغرافي للجزائر وكون الجزائر ايضا لها رصيد في هكذا مواقف نذكر مثلا لا حصرا نزاع العراق ايران واثيوبيا اريتيريا وازمة رهائن ايران امريكا وازمة مالي وتوتر مصر ليبيا وتوتر المروك موريتانيا وازمة رهائن طائرة امريكية ووو ناهيك عن دعم حركات التحرر يعي الليبيون ان الجزائر هي الارض التي تغرس فيها مصالحتهم

  • elarabi ahmed

    أكبرر الخاسرين إن تم الاتفاق فعلا هم الجوار الجغرافى . الاتفاق المزعوم هو عبارة عن استغلال خيرات المنطقة بعيدا عن مصلحة شعوبها لأسباب يخجلون مندكرها . فلو كانت المبادئ والشعارات التى يتغنى بها النظام
    السابق بالرغم من سداجتها مطبقة على الارض لجنبت المنطقة الكثير من المآسى .