-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع
ثاموغلي

بجاية… جهود لترقية تحفيظ القرآن والعلوم الشرعية (1/2)

بجاية… جهود لترقية تحفيظ القرآن والعلوم الشرعية (1/2)

دع العراق وبغداد وشامهما *** فالناصرية ما إن مثلها بلد هذا مطلع قصيدة رائعة للشاعر الحسن بن الفكون القسنطيني (من القرن 13م)، تغنى فيها بحضارة بجاية أيام عزها، عندما كانت منارة للعلم في شمال إفريقيا، تـُشد إليها الرحال لطلب العلم، ويُروى أن الوافدين إليها كانوا يتوضؤون قبل الدخول إليها، تقديرا لسمو مكانتها العلمية،المشرّبة بالتربية الصوفية السنية التي شعشعت أنوارها هناك على يد القطب سيدي بومدين شعيب، الذي استوطنها لمدة لا تقل عن خمس عشرة سنة، ثم شاء المولى تعالى أن يدفن بالعباد (تلمسان)، وهو في طريقه إلى المغرب، التي قصدها نزولا عند رغبة سلطانها يعقوب المنصور.

  • ومن الطبيعي أن تبذل الجهود بعد الصحوة، من أجل إحياء التعليم الأصلي بطرائق حديثة تنسجم مع روح العصر. ولهذه الغاية النبيلة تأسست في بجاية جمعية دينية لإحياء زاوية سيدي التواتي العريقة، التي كانت أحد مصابيح المعرفة في المدينة منذ القرن الخامس عشر الميلادي، إلى أن توقف نشاطها قبل دخول الفرنسيين بسنوات قليلة، في ظروف غامضة. وغاية هذه الجمعية واضحة، تتمثل في بعث تعليم القرآن الكريم والعلوم الشرعية ببجاية. ومن دواعي التفاؤل أنها (أي الجمعية) مؤطرة بفريق من الأخيار من مختلف الأعمار، مشهود لأعضائه بالكفاءة التربوية والعلمية، يشرف عليه السيد بن موهوب محمد الطيب، بمعية نائبه السيد واشق محمد الشريف. ورغم حداثة نشاط الجمعية، فقد تم تسجيل نتائج جد إيجابية، أكدتها بعض العروض الثقافية التي قدمتها براعم المدرسة.
  • واعتبارا لأهمية المشروع وسمو المهمة، فقد نظم المشرفون على الجمعية، الملتقى الوطني الأول للعلامة سيدي محمد التواتي، في موفى شهر أفريل الفارط، بدعم من السلطات المحلية – خاصة البلدية التي لم تدخر أي جهد من أجل إنجاح المشروع – والمجلس الأعلى للغة العربية، والمجلس الإسلامي الأعلى، وقد حضر رئيساهما أعمال الملتقى. وتشرفتُ بتلقي الدعوة للمشاركة في هذا الحدث الثقافي البارز، وقد لبيت الدعوة بغبطة وسرور.
  • جانب من الحضور
  • حضر اللقاء علماء وباحثون وضيوف قدموا من جهات عديدة من الوطن، أذكر منهم على سبيل المثال لا الحصر، ضيوفا من وادي سوف الذين سجلوا حضورهم بقوة، والأستاذ مُحند أكلي آيت سوكي (من جامعة سطيف) الذي قدم مداخلة مفيدة بعنوان: “العلاقة بين سيدي التواتي والشيخ يحيى العيدلي”. والسيد جميل عيساني، المعروف بجهوده العلمية الراقية في إطار جمعية جهيماب المتخصصة في دراسة تاريخ الرياضيات بمدينة بجاية. وتمحورت مداخلته حول إقامة الأميرال التركي العثماني پيري رايس بزاوية سيدي محمد التواتي في أواخر القرن 15م، وفوائدها العلمية التي استثمرها في مؤلفه المشهور حول البحرية (le Kitab i-Bahriye ). أما الدكتور نذير حمادو (من جامعة قسنطينة) فكانت مداخلته بعنوان: “دور الزوايا في بناء الشخصية الروحية والوطنية”. في حين قدم الدكتور خلفات فاتح (من جامعة مسيلة) مداخلة بعنوان: “دور علماء الزواوة في تأطير الحياة الفكرية في المشرق العربي- الإسلامي، في عهد الأيوبيين والمماليك نموذجا”. وتمحورت مداخلة الأستاذ الباحث محمد الصغير بن لعلام، حول شخصية عيسى أبو الروح المنڤلاتي (من عرش آث منڤلات)، وهو من علماء القرن 13م، طبقت شهرته الآفاق، وانتهت اليه رئاسة فتوى المالكية بمصر والشام، وكان عنوانها: “الوسطية والاعتدال في فكر علماء المنطقة،العلامة الموسوعي عيسى بن مسعود أبو الروح المنكلاتي نموذجا”.
  • بعض محاور الملتقى
  • هذا وتناول المحاضرون والمحاضرات عدة مواضيع هامة، شملت جهود المشذاليين، ويحيى بن المعطي الزواوي (من القرن 13م) في إثراء العلوم الشرعية، وتقديم قراءة في كتاب عنوان الدراية الشهير الخاص بعلماء بجاية.
  • ومما تجدر الإشارة إليه أن التراث الأمازيغي كان حاضرا في الملتقى، من خلال تقديم محاضرتين حول النظم الاجتماعية والقوانين العرفية ذات الأبعاد التضامنية والإنسانية، الدالة على وجود فكرة جنينية لمفهوم المدنية وحقوق الإنسان، قدمت من طرف د/ إقروفة زبيدة، والأستاذ تريكي فريد، وفي المجال الشعري شنفت آذان الحاضرين بقصيدة أمازيغية حول بجاية ( ثاشماعث) قدمها السيد فريد عتيق المعروف بإبداعاته باللسان الأمازيغي أذكر منها على سبيل المثال، منظومة شعرية أمازيغية خاصة بفقه العبادات (سأخصص لها مقالا مستقلا لاحقا).
  • وفضلا عن ذلك فقد تم تقديم بعض أعلام الزواوة، وفي هذا السياق تمحورت كلمة الأستاذ سي حاج محند حول شخصية فاطمة أنسومر المجاهدة، في حين تحدث الأستاذ عبد الكريم بوعمامة عن أعلام آث يعلى. أما الأستاذ محمد الصالح أيت علجت فقد تناول في كلمته دور زاوية سيدي يحيى العيدلي في مقاومة الاستعمار الفرنسي. في حين تمحورت مداخلة الكاتب كمال بوشامة حول تواجد الجالية الجزائرية في الشام، من سيدي بومدين شعيب إلى عهد الأمير عبد القادر.
  • زيارات ثقافية هادفة
  • وبعد انتهاء الأشغال، نظم مسؤولو الملتقى على شرف المشاركين، رحلة ثقافية، يوم فاتح شهر مايو، وكانت زيارة المسجد الجديد بإغزر أمقران، محطتها الأولى. وأنجز بفضل تضافر جهود أهل البلدة، وهو عبارة عن تحفة معمارية رائعة، أنجزت على النمط العمراني الإسلامي المغربي- الأندلسي. ورجاؤنا أن يزود هذا المسجد بمكتبة تكون فضاء معرفيا، يدعم الجانب الروحي، وأن تفكر السلطات المحلية من الآن في شأن تسييره وصيانته، التي تتطلب -على الأقل – فتح بعض مناصب شغل لتأطير حضور الوافدين إليه للعبادة، والزيارة، وطلب العلم.
  • وعقب ذلك اتجه الجمع الغفير إلى متحف مؤتمر الصومام، وقدمت للضيوف شروح وافية حول ظروف انعقاد هذا المؤتمر، وأسباب اختياره من طرف قيادة الثورة، رغم ادعاء الفرنسيين بأنهم تمكنوا من السيطرة على هذه المنطقة الجبلية الوعرة. (يـتـبـع)
أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
1
  • عبدالله

    ستعود القلعة الحصينة بالعلم إن شاء الله
    بجاية الناصرية ...يا سلام ىعلى الاسم الجميل