-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

بريطانيا في مواجهة أخطر أزمة

بريطانيا في مواجهة أخطر أزمة

اختتم التفاوض على اتفاق الخروج بين بريطانيا والاتحاد الأوربي، وصادق عليه قادة دول الاتحاد، لكن يلزمه أيضا تصديق البرلمان البريطاني بعد التصويت عليه، وهو ما سيُدخل حكومة تيرزا ماي في أزمة قد تطيح بحكومتها، إذا ما رفض البرلمان هذا الاتفاق.
سيؤدي رفض المصادقة على الاتفاق، حسب مخاوف تيريزا ماي، إلى “غموض خطير بالنسبة إلى البلاد، وخطر حقيقي يتضمن إمكانية عدم الخروج، أو مغادرة الاتحاد دون اتفاق”.
وكان البريطانيون قد انقسموا بين رغبة البقاء أو الخروج، وكان الفوز لكفة الخروج، فالبريطاني خاضعٌ في هذا الاختيار الصعب لعواطف الانتماء إلى مملكةٍ اعتادت تبوُّؤ مركز القيادة في أوروبا، وترفض الانقياد في تكتل أوروبي يبحث عن شرعية أمة موحدة.
بريطانيا التي وضعت مستقبل وجودها في تكتل أوروبي، رهين بنتائج صندوق اقتراع، أرادت أن تحسم صراعا داخليا، ظل يتنامى بين مُدافع عن أشكال البقاء في الاتحاد الأوروبي، لما يجنيه من مكاسب لا حصر لها، أو راغب في الخروج انتصارا لسيادة إمبراطورية لم تكن تغيب عنها الشمس في زمن مضى.
مُني معسكر المدافعين عن البقاء بالهزيمة، برغم امتلاكه الخطاب البراغماتي، وتغليب حجم المصالح الكبرى في قارة تحيط بها البحار والمحيطات، مفتوحة بواباتها لمن انضم إليها.
أما معسكر المؤمنين بالخروج بلا رجعة، فينظرون إلى سيادةٍ بريطانية تنتقص في ظل تقديم التنازلات للاتحاد الأوروبي، فهم باختصار لا يريدون لبريطانيا أن تقاد من مركز القرار في بروكسل، وتدفع له ثمن بقائها.
16.3 مليار دولار، هو المبلغ الصافي لمساهمة المملكة المتحدة في ميزانية الاتحاد الأوروبي لعام 2014، وهي عبارة عن رسوم العضوية التي تؤمِّن الوصول إلى السوق الأكبر في كافة أنحاء العالم.
ويعدُّ ذلك المبلغ أقل من المبلغ الذي يجب أن تلزم به بريطانيا، المقدر بــ31.3 مليار دولار قبل أن تحصل على خصم فريد تم التفاوض عليه في الثمانينيات من قبل رئيسة الوزراء الراحلة مارغريت تاتشر، فضلا عن خصم الدعم الحكومي للمزارعين، ومواد أخرى تستعيدها المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي، ما يجعل المساهمة النهائية تنخفض لتصل إلى 16.3 مليار دولار.
ويرى حاملو شعار الخروج أن كلفة العضوية في الاتحاد الأوروبي، يمكن إعادة استثمارها في دعم الاقتصاد البريطاني، لكن حاملي شعار البقاء في الاتحاد الأوروبي يرون أن “التجارة الحرة مع أوروبا وما يستتبعها من زيادة في الوظائف والاستثمارات تكفي لتعويض هذه المبالغ” وضمان استرجاعها.
ومستقبل علاقة بريطانيا مع الاتحاد الأوروبي، لا يتحدد من زاوية تكاليف مالية فحسب، فالأمر له أبعادٌ استراتيجية متعددة، تتعدى البُعد الاقتصادي، حين تصل إلى البُعد الأمني العالمي، والبُعد السياسي، الذي تدرك أوروبا وأمريكا وروسيا قيمته، كما لا يدركه المتمسكون بمبدإ الخروج من “الأورو”.
على الصعيد الجيوسياسي، فإن أوروبا قد تضطر إلى اتخاذ سياسات مهادنة إزاء روسيا بخروج بريطانيا الذي تتمناه موسكو ويعبِّر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عن هذه الأمنية بصراحة.
لن يتأثر التعاون العسكري البريطاني– الأوروبي، ولن يعاني حلف الناتو من خلل غير متوقع، وستبقى “الأعين الخمس” مفتوحة بمنظار: “أمريكا وبريطانيا وأستراليا وكندا ونيوزلندا” حتى بخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، لكن المعطيات المتراكمة، ترسم تجدد الحضور البريطاني في “الأورو” من أجل ألا تبقى في آخر الطابور.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!