-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع
درس الصراع المحتدم بين الثقافة الغربية والعربية ما بين 1925 و1940

بشير بلاح: هذه أبرز مواقف الحركة الإصلاحية الجزائرية من الثقافة الفرنسية

صالح سعودي
  • 1008
  • 3
بشير بلاح: هذه أبرز مواقف الحركة الإصلاحية الجزائرية من الثقافة الفرنسية
ح.م

صدر مؤخرا، كتاب جديد للأستاذ بشير بلاح، بعنوان “مواقف الحركة الإصلاحية الجزائرية من الثقافة الفرنسية 1345-1359/ 1925-1940″، وذلك عن دار الخلدونية للنشر، حيث درس فيه تداعيات الصراع الثقافي في الجزائر بين الثقافة الغربية العصرية المتوسعة، ممثَّلة في الثقافة الفرنسية الغازية؛ والثقافة الجزائرية العربية الإسلامية التقليدية المغلوبة، في ظل التطورات العالمية المتسارعة التي تجاوزت وهمّشت النماذج التقليدية المهيمنة على واقع الجزائريين والمسلمين، وسط تساؤلات حول صياغة مشروع ثقافة جزائرية جديدة (أو متجدّدة)، يُوائم بين القديم الأصيل والجديد الوافد.

أكد الأستاذ بشير بلاح في حديثه لـ”الشروق” أن المعركة بين الثقافة الغربية العصرية والثقافة الجزائرية الإسلامية التقليدية لعببت دورا هاما في تحديد مسار الجزائر المستقبلي على مختلف الصُّعُد. بمعنى أنّ سِماتِ شخصيةِ أيٍّ من الشعوب إنما تتكون من نوعية الثقافة التي يتمثّلها ويحيا بها. وحسب محدثنا فقد فُرض على المجتمع الجزائري ونُخبته واجبات ثلاثة، وهي حتمية تجاوز الانحلال الداخلي للتغلّب على الجمود والفوضى. وضرورة مواجهة الغزو والاستلاب الثقافي الفرنسي لتجنّب الانقراض والتبعية، وإلزامية التفاعل البنّاء مع روح العصر لتفادي العزلة والموت البطيء. ويؤكد الباحث بشير بلاح بأنه برزت في تلك الأثناء حركة إحيائية -إصلاحية إسلامية، تصدّت لمحاولة صياغة وإنجاز مشروع ثقافة جزائرية متجدّدة، كما تميزت بانخراطها العميق في صراع ثقافي مصيري مرير يمسّ مستقبل الجزائر السياسي، بالنّظر إلى تعارُض الدعاية العروبية والإسلامية المصاحبة لتعليمها الحرّ، ولأنشطتها الإعلامية والدّعَويّة والترقوية والتحسيسيّة مع هيمنة الثقافة الفرنسية التي يرتكز عليها النظام الاستعماري، في ظل سيادة فرنسية لا ترضى بأقل من السيطرة الكاملة، فضلاً عمّا تضمّنته من تأكيد على خصوصيات الشعب الجزائري التاريخية والثقافية، وما تطلّبته من جهود جماعية ووطنية مؤطِّرة ومُلهِمة في ظل هيمنةٍ غربية مطلقة؛ يقابلها جمودٌ وتفكّك وفوضى خُلقية واجتماعية وسياسية.. في عالم الإسلام.

من جانب آخر، أوضح الأستاذ بشير بلاح إنه قد تحتم على الحركة الإصلاحية أن تستجيب بتبصّر لتلك التحدّيات، بما يمكّن من تجديد كيان الإنسان الجزائري في إطار ثقافته الإسلامية، بكيفية تراعي وتستوعب متطلبات العصر ومستجدّاته الحاسمة. وقد توصل مؤلف الكتاب إلى جملة من النتائج، وهي أن النهضة الإسلامية الحديثة وحركاتها الإصلاحية، ومنها حركة الإصلاح الجزائرية، ليست سوى تجلّياتٍ لحركة ضمير الأمة الإسلامية في سعيها الدّؤوب لتجاوُز الهوّةِ التي فصلتها عن روح القرآن منذ معركة صِفّين (37هـ/ 657م) حسب رأي مالك بن نبي، كما قيدت جهود الحركة الإصلاحية لامتصاص صدمة الحضارة الفرنسية بعوامل موضوعية، تمثّل في كثير من جوانبها قُصورًا ذاتيًّا. وبذلك تكون الحركة الإصلاحية حسب محدثنا قد أيقظت المجتمع الجزائري حين أقْحمت في الضمير الإسلاميّ فكرةَ مأساته المزمنة، لكنها لم تتمكّن من صياغة خطّة واضحة ومفصّلة تعتمدُها لإخراجه من مأزق التقليد والتبعية والاستضعاف، ووضْعه على طريق التجديد الذاتي الذي يستجيب لاحتياجات العصر وتحدّياته؛ بسبب ظروف الجزائر السياسية، وغلبة الطابع التقليدي على الثقافة العربية الإسلامية، وضعف استجابة المجتمع.

ويرى الباحث بشير بلاح بأن كفاح الحركة الإصلاحية بقيادة الإمام ابنِ باديس قد تمخض عن احتفاظ المجتمع الجزائري بشخصيته العربية الإسلامية التي بذل الفرنسيون كل ما بوسعهم للقضاء عليها، وكانت كل الدلائل تشير إلى اقترابهم بالتدريج من تحقيق ذلك خلال الثلث الأول من القرن العشرين، خاصة في الجهات الحضرية. وأوضح محدثنا في السياق ذاته بأن الحركة الإصلاحية قد تأثرت بالثقافة الفرنسية في مجالات فكرية وعملية عديدة. فلم يتحرّج الإصلاحيون من استعارة كثير من الاصطلاحات والأفكار الغربية للتعبير عن آراء اجتماعية ودينية في قضايا ومشاكل معاصرة تتّفق تمامًا وروحَ الإسلام كما يرى الباحث علي مراد، لكنهم كثيرًا ما حاولوا ردَّ قيمِها الإيجابية إلى الموروث الإسلامي، باعتباره مخزنًا لكل القيم السامية. مضيفا إنّ الحركة الإصلاحية قد أدّت واجبها في مواجهة التحديات الثقافية الخارجية (والداخلية)، كما بلّغها اجتهادُها ومدى اتّساع أفُقها، من تحدي ظروف أمتها القاسية ومعطيات زمانها الحاسمة.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
3
  • محمّد أبو عبد الله

    في الحقيقة أن ابن باديس كان يرى في المرحلة الأولى من نشاطه الإصلاحي أن يركز على النواحي الدينية
    والثقافية ، وأن يخفي أهدافه السياسية لتحرير الجزائر تحت ستار الحركة الدينية كي يتهرب من غدر الاحتل
    الفرنسي الغاشم وبطشه الشديد . لذلك نراه _ في ظل هذا المناخ المضطرب _ يشجع لقاءات المثقفين في نادي
    الترقي الذي تأسس في مدينة الجزائر عام ( 1345 ه= 1926 م) فكان بمثابة واحد من أهم مشاعل النور الذي
    أضاء الطريق أمام شعب الجزائر العربية للتحرر من نير الاحتلال الفرنسي واسترداد عروبة الجزائر وإسلامه
    هذا في الوقت الذي كان فيه ابن باديس يعد العدة لتأسيس جمعية تضم العلماء وترعى النهضة الثقافية
    والدينية

  • TADAZ TABRAZ

    ويرى الباحث بشير بلاح بأن كفاح الحركة الإصلاحية بقيادة الإمام ابنِ باديس قد تمخض عن احتفاظ المجتمع الجزائري بشخصيته العربية الإسلامية ا .. كلام دقيق فابن باديس وجمعية العلماء دافعوا عن الشخصية العربية الاسلامية لكنهم بذلوا النفس والنفيس من أجل الحاق الجزائر بفرنسا وهذا بشهادة الجرائد الناطقة باسم الجمعية : البصائر والشهاب والسنة .. بل وفي جملة المطالب التي قدموها للسلطات الفرنسية بعد المؤتمر الاسلامي المنعقد في الجزائر سنة 1936 نجد في البند الثاني : الحاق الجزائر بفرنسا رأسا . المصدر : الشهاب جويلية 1936 ص 236 - 237 وكتاب الحركة الوطنية الجزائرية ج 3 ص 261 للمؤرخ أبو القاسم سعدالله

  • الجزائري المسلم

    نعم الحركة الإصلاحية قد أدّت واجبها في مواجهة التحديات الثقافية الخارجية الفرنسية خاصة وهو شيء جميل جدا ولولاها لكنا في خبر كان .. الحمد لله على نعمة الاسلام ولتعلم فرنسا واذنابها اننا في حرب متواصلة ومواجهة شرسة للمحافظة عل موروثنا ومكوننا الثقافي ولن نتنازل كما لم يتنازل اباؤنا واجدادنا من قبل .. الثوابت خط احمر .