-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

بلقيس القائدة

بلقيس القائدة
أرشيف

اهتمّ القرآن بعرض النّماذج والصّور التي يمكن أن تتجاوز حرفية الزّمان والمكان ونمطية الأشكال والأسماء، بشكل يعزّز قدسيته وإعجازه، ومن ذلك نجد قصّة “بلقيس” ملكة سبأ، تعرض نموذجا للمرأة القوية الرشيدة، يخضع لحكمها الرّجال، واستحقت هذه المكانة بفضل المؤهّلات التي حظيت بها من رجاحة عقل وفكر راشد، وحنكة في التسيير والقيادة، ويأتي سياق القصة مشوّقا ومثيرا على لسان الهدهد الذي غاب ورجع مستكشفا خفايا هذه القصة في سورة النمل، ((إِنِّي وَجَدتُّ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِن كُلِّ شَيْءٍ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ (23) وَجَدتُّهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِن دُونِ اللَّهِ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لَا يَهْتَدُونَ (24)))؛ إنها امرأة استثنائية، تملك الرّجال والنّساء، بماذا تملكهم؟ بحسن إدارتها، وسياستها الرشيدة، نموذج خاص بمؤهلات فريدة لا يمكن أن تتكرّر، وأهمّ مقوّمات الشّخصية القوية تتوفر في ملكة سبأ هي الحزم ورجاحة العقل، الثّبات في الموقف، الكياسة والحذق في القيادة، مشاركة أولي النّهى، بالحوار والتشاور، ويظهر الحسّ القيادي عند بلقيس لافتا للنظر، في تفضيلها المصلحة العليا وهي المحافظة على الأمن والاستقرار على الانتصار للعواطف والأهواء، مثل ما جاء في قوله تعالى ((قَالَتْ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتَابٌ كَرِيمٌ (29) إِنَّهُ مِن سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَٰنِ الرَّحِيمِ (30) أَلَّا تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ (31) قَالَتْ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي أَمْرِي مَا كُنتُ قَاطِعَةً أَمْرًا حَتَّىٰ تَشْهَدُونِ (32) قَالُوا نَحْنُ أُولُو قُوَّةٍ وَأُولُو بَأْسٍ شَدِيدٍ وَالْأَمْرُ إِلَيْكِ فَانظُرِي مَاذَا تَأْمُرِينَ (33) قَالَتْ إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً وَكَذَٰلِكَ يَفْعَلُونَ (34) وَإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِم بِهَدِيَّةٍ فَنَاظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ (35))).
تعدّ قصّة بلقيس نموذجا حقيقيا يصوّر تمكين المرأة من القيادة، ويعرض قدرتها الفذّة في ذلك، ولكن يجب أن لا يأخذ الموضوع طابع الهيمنة والانتشار، بحيث يخرج من فرادته كنموذج، وهذا ما نلمسه في واقعنا المعاصر، الانشغال بفخامة وتفخيم الأسماء النسوية على حساب المضمون الحقيقي الذي خلقن من أجله تربية الأجيال، فبات وبالا على الأسرة بالتفكك والناشئة بالدمار والتشرد، لماذا ظاهرة الخلع في تزايد في مجتمعنا المعاصر؟ لماذا الطلاق والضّنك؟ من زرع الوهم بالإكثار من النماذج النسوية وتمكينها من صنع القرار؟ فكان القرار للأسف الشّديد بعيدا كلّ البعد عن الاستقرار والاستمرار في طبيعتها الأنثوية الرقيقة، لأنّ اختلال التحكّم في المواقف هو السّبب الرّئيس في البؤس الذي تتخبّط فيه الآن، وتكون نهاية القصّة متّسقة مع منطق الأحداث، حيث تقود بلقيس رعيتها إلى الإيمان بالله، ويوضح القرآن خطه المتوازن في عرض النّموذج بحيث لا يفقد طبيعته وخصوصية أثره، لأنّ الإكثار منه يَخرج به إلى التّمييع والتّحريف والفساد الكبير.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
4
  • القاسمي

    هيه عندك الحق فيه كلش فيه حتى حب لملوك البنان والكيوي والدلاع والبطبخ والسنرية وطاماطيش وازفيطي.

  • أصيل

    الحكمة الربانية أن بلقيس وما تملك .... دخلت في النهاية تحت حكم سليمان .... وعاشت تحت ظله وحكمه وحكمته .... سبحان الله

  • يتبع

    اجد الامر معقد وفي غاية الصعوبة بل هو تيار جارف انها ( اكذوبة المدنية )ولا سبيل لمقاوته ومن يقف في وجهه فهو يضر بنفسه من حيث لا يدري والغريب انهم حين يقاومون التيار اول الامر يرضخون له اخيرا راينا كثيرا من الواعظين يحرمون التبرج والسفور ثم اسفرت بناتهم بعد ذلك ويحرمون كاميرا كاشي ثم يتفرجون عليها في بيوتهم كانه ابليس يدخل الباب بناب الحية وهم اليوم يحرمون الرقص والتغنج ومن يدرينا لعلهم سيرقصون على انغام الجاز وتهزيز مارلين

  • لويزة سامبرانو ( باحثة ود كتورة )

    في واقع الامر المرءة هي المدرسة الاولى التى تتكون فيها شخصية الانسان والطفل والمجتمع الذي يترك اطفاله في احظان امراة جاهلة وخانعة لا تفهم من الحياة الاهاتيك السفاسف والاباطيل التي تنبعث من عفن البيت وضيقه مجتمع كهذا لا ينتظر من افراده خدمات جليلة تفيدالبلد ولست اقصد اني راضية بهذا الوضع الذي وصلت اليه المرؤة في خلاعتها وحريتها المفرطة و مما لا شك فيه انو سيؤدي الى عواقب اجتماعية وخيمة ولكن هذا لا يعني اننا نقف في وجهها صارخين ارجعي الى البيت فهو مكانك الطبيعي ! فالوضع القديم كان خير للمرؤة والمشكلة ان رضاي وغضبي لا شأن لهما في هذا الار