-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

بوحجة.. رجل دولة؟!

بوحجة.. رجل دولة؟!

ما يجري من كرّ وفرّ وسجال وجدال، منذ أيام تحت قبة زيغود يوسف يبدو غريب الأطوار، لكنّ الأغرب منه هو تلك الشطحات الإعلامية والسياسيّة التي برزت في ملاحقة السعيد بوحجّة، حتّى إنّ بعضهم وصف خروج الرجل لارتشاف فنجان قهوة في الهواء الطلق بأنه “خرقٌ للبروتوكولات”، وزاد عليه “زعيم” حزب كبير أنّ خرجة رئيس الغرفة السفلى للبرلمان إلى الشارع “لا تليق بمستوى رجل دولة”!
لا يعنينا إطلاقًا في هذه المساحة حقيقة النزاع المحتدَم بين الطرفين، ولسْنا بصدد إبداء أيّ موقف منه، بيْد أنّ التصريحات النّشاز التي أطلقها هؤلاء، تعكس في تقديرنا ثقافة خطيرة ما فتئت تزيد من حجم الهوّة العازلة بين الشعب ومنْ يُفترض فيهم أنّهم “نخبٌ سياسيّة”، تمثّله في المحافل الرسميّة وتتبنّى تطلعاته داخل مؤسسات الدولة.
ما معنى أن يُعيَّر بوحجّة بالخروج إلى الشارع؟ هل أضحى الشعب في نظرهم “دابّة” جرْباء لا يجوز الاقتراب منها؟ أمْ إنّ تولّي المسؤوليّة عندهم يقتضي الابتعاد عن الرعيّة، إذ إنّ رؤيتها ومخالطتها لا تروق للرّاعي الذي يسكن الأبراج العاجيّة، آبِيًا أن يأكل الطعام مع النّاس أو يمشي في أسواق “الرعاع”؟
أنْ تكون مسؤولاً ساميًا في عرف “عليّة القوم” وأبواقهم الممجوجة، هو أن تعتزل المواطنين البُسطاء، ولو كان بينهم العالم والمثقف والطبيب وسواهم، فلا تحدِّثهم ولا تجالسهم ولا تسأل عن أحوالهم، وإنْ بادرُوك بالتحيَّة والسلام، فلا تنزل إلى مستواهم، فضلاً عن ارتياد نواديهم، وإلّا كيف ينعت أحدُهم الجلوس في مقهى شعبيّ بـ”تجاوز البروتوكولات والأعراف الرسميّة”؟!
لماذا لا يقبل البعض أن يكون الرجل مسؤولاً رفيعًا، وفي ذات الوقت يعيش حياته اليوميّة وسط الناس بكلّ عفويّة، مع أفراد عائلته وجيرانه وأصدقائه ومحيطه العامّ، فيتواضع لهم مهما سمت وظيفته ومكانته الاجتماعية، وهم بالمقابل ينزلونه منزلة تليق بمقامه ويعرفون له قدره؟ لأنّ هؤلاء لم يكونوا يومًا نتاج النضال السياسي النزيه، ولم ينحدروا من مسار العمل الجواري والشعبي.
العزلة التي يفرضها المسؤول السياسي الجزائري على نفسه، طبعًا مع الاستثناء القليل، لا يبرّرها فقط الحسّ الأمني، بل هي للأسف تحصيل سيّئ لعلاقة مضطربة ورؤية خاطئة لمآلات التواصل والاحتكاك بين الطرفين.
هذه المعادلة المختلّة في علاقة بعض سياسيّينا بشعبهم هي التي تفسّر تلك القطيعة والاستقالة الجماعيّة لأفراد المجتمع من تدبير الشأن العام، لأنّ القناعة راسخة لديهم بأنّ روّاد السياسة في بلادنا مجرّد نفعيّين انتهازيين لا يهمّهم مصير الشعب ومعاناته في شيء، بل يجعلون منها مطيّة لتحقيق مآربهم الضيّقة والتمكين لحاجاتهم الشخصيّة، على حساب المصلحة العامّة المهدورة والمغدورة.
عوراتُ الفعل السياسي في الجزائر وعيوبه لا تعدّ ولا تُحصى، بيد أنّ الفترة الأخيرة برهنت أن العجز في التعبير السليم والتواصل العامّ فادحٌ للغاية، وأنّ الأولوية القصوى هي الارتقاء بلغة الخطاب، لأنّ الكلمة، بقوتها وإحساسها ومصداقيتها، تعبّئ الشعوب في مواجهة كل الأخطار، مثلما قد تُشعل فتيل الأزمات الاجتماعيّة وحتىّ الحُروب، عندما لا يأبهُ مُصدّروها برجْع الصدى لدى جمهور المتلقّين.
لا شكّ في أنّ المُتجاوزين لفظيّا في حقّ الشعب يُدركون هوْل ما يقترفون من سوء الكلام، غير أنهم يكابرون في العناد، لاعتقادهم أنّ المواطن ليس فاعلاً في موازين القوى.. لكن، محال أن تستمرّ الحال على هذا المنوال.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
4
  • ترمب

    والمسمى ولد عباس أم الدولة....أكيد...مع يقيني أن الأم أسمى من هذا الكائن

  • عبد النور

    لابد من إعادة تعريف بعض المصطلحات .
    الدولة = الشعب + الحكومة + الجيش + التاريخ والثقافة والهوية ..الخ.
    ملك الدولة = الملك العام = ملك الشعب
    الملك العام = الثروات الطبيعية ، الأراضي ، التعليم ،الصحة ، التأمينات ، أموال الخزينة، الشركات الوطنية ، مدخول الضرائب ..الخ ، كل فرد له حق في أي ثروة أو شركة أو مدخول ، يتحصل عليه عبر الحقوق المجانية ، والبنى التحتية و صنع الثروة والحقوق الإجتماعية ..
    الحكومة والمسؤولين = جماعة مواطنين تم توكيلهم من طرف الشعب للتصرف في أمواله وثرواته (الملك العام)، يعني هم موظفون عند الشعب.
    الجيش = جزء من الشعب ، يدفع له الشعب أجرة مقابل حمايته وحماية الوطن.

  • mahi

    اصبح التلاحم مع الشعب يعبر عند البعض خروج عن بروتكول رجل الدوله بالله عليكم هل من يقول مثل هذا الكلام له ذره من عقل او ذره من فهم للسياسه يا اخي البروتكول هو جزء من التحرك الرسمي لرجل الدوله اما خارج سياق التحرك الرسمي فالمسؤول قبل كل شي هو مواطن عادي ومن يقول غير ذلك فعليه ان يبحث عن بلد اخر يتعلم فيه الفرق بين النشاط الرسمي والحياة العاديه. هل الاختلاف في وجهات النضر يعمي البصيره الي هذا الحد .

  • ترمب

    لاتهن او تزدري من الرجولة يا سي عثمان..هؤلاء لاهم من الرجال ولا الرجولة تقبلهم