-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

بين الأقدام السوداء.. والأقدام السمراء!

بين الأقدام السوداء.. والأقدام السمراء!

مفارقة كبيرة! أقدامٌ سوداء تريد العودة إلى الجزائر، وأقدام سمراء تريد مغادرتها! شيوخ طاعنون في السن من جنسيات أوربية مختلفة مازالوا يَحلُمون بالعودة إلى البلد الذي عاشوا فيه ذات مرة، وشباب في مقتبل العمر لم يعرفوا إلا هذا البلد يبحثون عن أول فرصة لمغادرته نحو الضفة الأخرى، حيث الراغبين في العودة إليه!
ما الذي حدث لهؤلاء وهؤلاء حتى يكونوا في مثل هذه الوضعية؟ ما دلالة ذلك نفسيا وحضاريا؟
يبدو أنه علينا أن نستنطق التاريخ لنعرف سر هذه المفارقة.
ما كان للأقدام السوداء، أن يبقوا طوال عقود من الزمن متعلقين بالعودة إلى هذا البلد لو لم يكن بالنسبة لهم سبب ثروتهم ووجودهم حتى. لقد جاؤوا من فرنسا واسبانيا وإيطاليا وألمانيا ومالطا ومن أماكن أخرى إلى الجزائر مع الحملات الاستعمارية، وهم بؤساء لا يملكون قوت يومهم، باحثين عن لقمة عيش لم توفرها لهم أوربا القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، فأصبحوا بما وجدوا في هذه البلاد من خيرات، أسيادا بقوة الأمر الواقع، مستفيدين من كل الظروف التي هيأها لهم النظام الاستعماري على حساب أصحاب الأرض الشرعيين “الأنديجينا” الذين نعتوهم بأسوإ الصفات…
هؤلاء إنما يريدون العودة إلى الأرض التي كانوا ذات يوم عليها أسيادا لاستعادة أمجادهم ونقلها إلى الأبناء والأحفاد، فما الذي يدفع بالأقدام السمراء إلى مغادرة أرضهم والتوجه إلى الضفة الأخرى في رحلة عكسية لما حدث للأوربيين منذ قرن من الزمن؟ هل هناك من يحميهم ويدافع عنهم ويُمكِّنهم من الأراضي والممتلكات؟ هل هناك مَن يجعل منهم أسيادا في غير بلدهم؟ هل هناك من يحميهم بالقوانين والتشريعات لكي تكون لهم مكانة بين الشعوب الأوربية؟
لا يوجد شيءٌ من هذا، كل ما هو مُعوَّلٌ عليه، هو أن يُحالفهم الحظ ويتحولوا إلى مواطنين في هذا البلد أو ذاك ويكسبوا قوت عيشهم من أي عمل يقومون به.. ويَسعَدُ مَن استطاع منهم أن يتجنس!
أليست مفارقة عجيبة بين كيف جاؤوا إلى أرضنا بالأمس وكيف نذهب نحن إليهم؟ ألا يثير هذا أكثر من سؤال عن مدى استقلالنا الحقيقي عن الاستعمار الأوربي؟ عن مدى الخواء الحضاري لدى الفرد فينا ليتصرَّف كمنتصر على الأقدام السوداء لا كمنهزم أمامهم؟ عن مدى هيمنة الهزيمة الحضارية لدى الذين مازالوا ينظرون إلى الأقدام السوداء كشريك منقذ، وإلى الأقدام السمراء كبشر يستحق الهلاك؟
إننا لن نتقدم خطوة إلى الأمام ما دمنا منهزمين نفسيا وحضاريا أمام الغرب مُمَثَّلا في الأقدام السوداء أو غيرهم، وما دام هؤلاء لا يرضون دون مكانة السيد المالك وصاحب الأمر وهم يخططون للعودة إلى مكانتهم.. الأمل لن يعود، دون تصحيح هذه المعادلة النفسية والحضارية بين الأقدام السوداء والأقدام السمراء.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
2
  • الطيب

    الأمر في غاية الوضوح يا أستاذ الأقدام السوداء لا تحتاج إلى مَن يصف لها الجزائر أو يزينها لها بالكلام لأنها عاشت فيها و تعلم أنها جنة فوق الأرض لذلك هي تسعى بكل السبل للعودة إليها و آخر السبل التي خطرت على بالهم هي محاولة العودة من باب الاستثمار و الشراكة ! بينما أولادها الذين يبحثون عن جنات من غيرها لا ينكرون أنها جنة و لكنهم وجدوا أنفسهم ينطبق عليهم قول القائل : ليس الموتى موتى القبور و لكن الموتى قبور و هم أحياء !!

  • rahim djalil

    ان التاريخ يعيد نفسه تماما !!!!!! الاقدام السمراء يبحثون عن أول فرصة لمغادرت وطنهم نحو الضفة الأخرى لنفس السبب الذي جاء بالاقدام السوداء الى وطنهم، لانهم بؤساء لا يملكون قوت يومهم، باحثين عن لقمة عيش لم يوفرها لهم وطنهم و للاسف في القرن الواحد و العشرون هذه المرة ، و لهذا السبب انها ليست مفارقة عجيبة .