-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

بين مشروع “الزّوجة الصّالحة” ومشروع “إصلاح الزّوجة”

سلطان بركاني
  • 1057
  • 6
بين مشروع “الزّوجة الصّالحة” ومشروع “إصلاح الزّوجة”
ح.م

كثيرة هي مشاريع الدّنيا التي يسعى كلّ واحد منّا لتحقيقها والنّجاح فيها؛ من مشروع النجاح في الدراسة إلى مشروع المنصب والوظيفة، إلى مشروع السكن… نهتمّ بها، وحُقّ لنا ذلك، ونتفانى لأجلها، وتأخذ بألبابنا وجلّ أوقاتنا.. وبإزائها مشاريع أخرى، نبدؤها جميعُنا، لكنّ قلّة بيننا من يولونها ما تستحقّه من اهتمام، مع أنّها أهمّ المشاريع على الإطلاق؛ منها مشروع الذرية الصّالحة الذي يفترض في كلّ مسلم أن يجعله ضمن أولوياته، ويعطيه أهمّ أوقاته، لأنّ نجاحه في هذا المشروع يعني نجاحه وسعادته في الدّنيا وفلاحه وفوزه في الآخرة، بإذن الله.

جوهرة زوجها

مشروع الذرية الصّالحة، على أهميته، ينبني على مشروع آخر أكثر أهمية، هو مشروع الزّوجة الصّالحة، وإن شئنا قلنا: “مشروع إصلاح الزّوجة”.. الظّفر بالزّوجة الصّالحة هو مشروع العمر؛ فلا أسعد ولا أهنأ للعبد المؤمن في هذه الدنيا بعد استقامته على طاعة الله من أن يوفّق لاختيار زوجة صالحة تعينه في دينه وعلى دنياه.. زوجة إن وجدت شكرت وإن فقدت صبرت.. إذا حضر زوجها ابتسمت وبشّت في وجهه وأطاعت أمره واهتمت بشأنه، وإن غاب حفظته في نفسها وماله وأولاده.. تُحوّل البيت إلى جنّة في نظافته وترتيبه وتنظيمه.. زوجة تذكّر زوجها إذا نسي وتشحذ همّته لطاعة الله وأكل الحلال.. تحافظ على صلاتها ولا تنشغل عنها بمسلسلات ولا حفلات ولا أحاديث مع القريبات أو الصّديقات أو الجارات.. زوجة تربّي أبناءها على أنّ دينهم هو أغلى ما يملكون في هذه الدّنيا، وتذكّرهم بأنّهم في هذه الدّنيا يخوضون غمار أهمّ امتحان في الوجود، امتحان بعده روضة من رياض الجنّة أو حفرة من حفر النّار.. زوجة ترغّب أبناءها في حفظ القرآن والمحافظة على الصّلاة وتربّي بناتها على العفاف والسّتر والحياء، وتعلّمهنّ أنّ التّفاضل ليس باللّباس ونوع الهاتف إنّما بالعلم والأخلاق.. زوجة كأنّها الجوهرة في بيت زوجها؛ تتزيّن له وتتعطّر وتتذلّل له في الكلام وتتغنّج، لكنّها إذا أرادت الخروج، لبست أستر ثيابها، واعتدلت في مشيتها، وإذا كلّمت الرّجال كلّمتهم كلاما معروفا لا تذلّل فيه ولا ميل. كما قالت العبّاسة أخت الخليفة العبّاسيّ هارون الرّشيد: “نحن نساء مع رجالنا، رجال مع غيرهم”، أو كما قالت تلك الصّالحة: “نحن جواهر في بيوت أزواجنا خيام خارجها”.. زوجة تحافظ على حجابها وحيائها، في كلّ مكان تحلّ به، في الشّارع أو في وسائل المواصلات أو في الإدارات. لا تكشف حجابها إلا أمام محارمها، وترفض أن يطّلع عليها رجل أجنبيّ إلا لضرورة.

مشروع الزّوجة الصّالحة.. أصبح نسيا عند كثير من الشّباب!

تلك هي أوصاف الزّوجة التي يتمنّاها كلّ رجل مسلم يرجو السّعادة في الدّنيا والآخرة.. لكن مع كلّ أسف والحقّ يقال إنّ هذه الأوصاف ما عادت تخطر على بال كثير من شبابنا في هذا الزّمان؛ فكثير من الشّباب أصبح الواحد منهم يهتمّ بمظهر الزّوجة ومالها، ولا يكاد يسأل عن دينها، وإن سأل فإنّه يسأل عن الخمار فقط، ولا يسأل عن مدى تعلّقها بالدّنيا، بل قد يتغاضى عن نقائص كثيرة لا يحسن التّغاضي عنها، ويمنّي نفسه بأنّه سيصلح زوجته ويربّيها على يديه.. لا يلبث بعد زواجه بضعة أسابيع أو أشهرا حتى يفاجأ بزوجة قلبها معلّق بالدّنيا، حديثها كلّه عن الدّنيا، عن اللّباس والذّهب والسيارة والمسكن.. لا مكان للدّين والآخرة في حديثها ولا في همّها.. لا تتحدّث عن البيت المسلم ولا عن الأسرة المسلمة ولا عن الذرية الصّالحة.. يُصدم في بداية مشواره، ويحاول التّغاضي عن الأمر، وتتوالى الأشهر وتتفاقم الأمور وتبدأ الخلافات والمشاكل.. والمعضلة الأكبر أنّ كثيرا من الأزواج وبدل أن يسعى الواحد منهم لإصلاح زوجته وتخفيف ثقل الدنيا على قلبها، يبدأ في الذّوبان شيئا فشيئا، حتى يركن هو الآخر إلى الدّنيا، وتنزل همّته.

أزواج تمنّوا الإصلاح لكنّهم ذابوا أمام زوجاتهم!

بعض الأزواج، يجد زوجته صاحبة عقل صغير وهمّة تحوم حول المظاهر، وبدلا من أن يسمو بعقلها ويعلو بهمّتها، إذ به يهبط بعقله ويصير مثلها، يصبح همّه حبيس الصّغائر والتّوافه، يتحدّث بحديثها ويتكلّم بكلامها وربّما ينطق بلسانها في كلّ مجمع: فلان زارنا وفلان لم يزرنا، فلان دعانا إلى فرح ابنه وفلان لم يدعُنا، فلان اشترى وفلان جاء وفلان ذهب!

بعض الأزواج، يفاجأ بزوجته تنفر من أمَّه وأهله، وبدلا من أن يبذل الجهد في تقريب وجهات النظر وإزاحة وساوس الشّيطان ونزغاته، تجده يتّبع زوجته فيبتعد عن أمه وتفتر علاقته بها، ويعادي أخواتِه وربّما يقاطع إخوته، ويظلّ رهن إشارة زوجته، يعادي من تعاديه زوجته، ويخاصم من تخاصمه، ويحبّ من تحبّه، وكأنّه عبد تابع لها أو طفل صغير يتعلّم على يديها!

بعض الأزواج، يجد زوجته مضيّعة لصلاتها، وبدلا من أن يجتهد في إقناعها بضرورة وأهمية المحافظة على الصّلاة وبأنّ صلاح الحال والمآل في المحافظة على الرّكن الثّاني من أركان الدّين؛ بدلا من هذا، يتأثّر هو بحالها، فيبدأ بالتهاون في صلاته والتكاسل عنها، حتى يتركها! بدلا من أن ينقذ زوجته توبقه وتهلكه!

بعض الأزواج، يجد زوجته قد غرقت في أودية الدّنيا، ولم تترك مكانا في حياتها للاهتمام بالدّين والآخرة؛ لا حديث لها إلا عن اللّباس والموضة والقديم والجديد والأسعار، وعن فلانة التي لبست وعلانة التي اشترت، وهكذا، وبدلا من أن يحرص الزّوج على تذكيرها بأنّ المظاهر التي استحوذت على قلبها وعقلها هي من متاع الدّنيا الزّائل الذي ينبغي ألا يعمر قلوب عباد الله المؤمنين ويأخذ كلّ أوقاتهم؛ فهناك همّ هو أهمّ منه وأبقى، ويذكّرها من حين إلى آخر بأنّ هذه الدّنيا زائلة وأنّه وإياها ضيفان في الدّنيا، لا يدريان متى يرحلان عنها، وأنّهما حين يرحلان عنها سيرحلان في كفن من دون جيوب، ولن يأخذا معهما ثوبا ولا ذهبا ولا فضة.. بدلا من كلّ هذا، يركن الزّوج إلى زوجته، ويسمح للدّنيا بأن تستولي على قلبه، ويصبح همّه هو الآخر لا يتعدّى الدّنيا الفانية، بل الأنكى من هذا حين تصبح زوجته هي معلّمته وهي الآمر والنّاهي في شؤون اللّباس والذّوق والجديد والقديم والموضة وغير ذلك، وتصبح هي من تقرّر في شأن لباس أبنائها وبناتها، وهي من تقرّر في كلّ شؤون الأسرة الخطيرة.. ويستقيل الزّوج –في المقابل- من كلّ واجباته ويتخلّى عن قوامته، وتموت الغيرة في قلبه، فلا يسأل عن زوجته ولا عن حالها في بيتها ومع هاتفها ولا يسأل عن حالها في مكان عملها، فربّما تتحدّث إلى الرّجال في هاتفها وعبر وسائل التواصل، وهو لا يدري أو يدري ولا ينبس ببنت شفة، وربّما تضاحك زملاءها في مكان العمل وتمازحهم وتتحدّث معهم في الخصوصيات، وزوجها حيّ كالميّت، لا يجرؤ على أن ينكر عليها صنيعها خوفا من ردّ فعلها، وربّما لأنّه هو الآخر يخادن النّساء في الهاتف والواقع.

والله إنّه لأمر مؤسف حقا أن تكون هذه حال كثير من الأزواج، وبينهم من يصلّي ويصوم ويحضر الجمعات ويسمع الخطب، ومع ذلك لا يغار على زوجته ولا ينكر عليها منكرا تفعله.

مشروع إصلاح الزّوجة

كثير من الشّباب، تساهلوا في أمر اختيار الزّوجة الصّالحة، ثمّ ندموا أشدّ النّدم، لكنّهم ما زادوا على أن استسلموا للأمر الواقع!.. صحيح أنّ التهاون في اختيار الزّوجة الصالحة قد يكلّف صاحبه فاتورة باهظة في دينه ودنياه.. لكن مع ذلك، ينبغي للزّوج ألا ييأس أبدا من إصلاح زوجته.. ينبغي له أن يستعين بالله في إصلاحها، ويدعو مولاه القريب المجيب أن يصلحه ويصلح له زوجته، ويردّد باللّيل والنّهار: ((ربّنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين))، ويكون صاحب شخصية قوية، يسعى ليؤثّر في زوجته ويأخذها إلى طريق الهداية والسّعادة بدلا من أن تأخذه إلى طريق الغفلة.. لا يجوز ولا يليق أبدا بزوج عاقل أن يرى زوجته تسير في طريق الهلاك وهو ساكت لا يحرّك ساكنا؛ لا يأمرها بمعروف ولا ينهاها عن منكر. بل الواجب عليه أن يَعظها ويذكّرها ويوفّر لها وسائل وأسباب الهداية، ويستفرغ وسعه لهدايتها بكلّ رحمة وشفقة، وأهمّ ما في الأمر أن يكون قدوة لها في صلاحه ومحافظته على صلاته وحرصه على النّوافل وتلاوة القرآن وعلى الرّزق الحلال.. يقول الله تعالى: ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُون)) (التحريم: 6).

الزّوج الذي يهتمّ بهداية وصلاح زوجته، يذكّرها من حين إلى آخر أنّ في هذه الدّنيا أشياءَ مهمة كثيرة تستحقّ أن تُنافس فيها القريبات والصديقات والجارات؛ أشياء أهم من طبق الطّعام اللّذيذ ومن طاولة الطعام المزيّنة بكلّ الألوان، وأهمّ من ستائر الصّالون المتناسقة مع الأرائك.. هناك أشياء أهم من براعتها في المطبخ، وأهمّ من لون شعرها ولون بشرتها ومن قوامها، وأهمّ من الثياب والأساور.. هناك ما هو أهمّ من رضا الناس وسخطهم ومن نظراتهم.. هناك رضا الله غاية المُنى، رضا الله الذي تحلّ به البركات وتنزل الخيرات ويوفَّق لحسن الخاتمات، وتنار القبور وتنال الدّرجات في الجنّات.. هناك قيام ليلٍ يسعد به القلب وتهنأ الرّوح ويرتاح البدن. هناك تلاوة قرآنٍ تأنس بها الرّوح ويضيء القلب. هناك ذكرٌ لله يطمئنّ به القلب.. يعلّمها ويذكّها بكلّ هذا، ويُعلي همّتها عن السّفاسف والتوافه، ويُظهر حرصه على نجاتها في الدّنيا والآخرة، ويذكّرها من حين إلى آخر أنّه يتمنّى ألا تنقطع عشرتهما بالموت، ويتمنّى أنّ تستمرّ وتدوم إلى أبد الآبدين.. يتمنّى أن يلتقي بها بعد الموت في لقاء لا فراق بعده، في خيام الجنّة وقصورها ونعيمها: ((إِنَّ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ الْيَوْمَ فِي شُغُلٍ فَاكِهُونَ * هُمْ وَأَزْوَاجُهُمْ فِي ظِلَالٍ عَلَى الْأَرَائِكِ مُتَّكِئُونَ * لَهُمْ فِيهَا فَاكِهَةٌ وَلَهُمْ مَا يَدَّعُونَ * سَلَامٌ قَوْلًا مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ)).

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
6
  • tadaz tabraz

    كما هناك زوجات صالحات هناك أزواج صالحون والعكس صحيح ثم الزوجة تصلح ان صلحت أسرتها وان تربت وترعرعت في بيئة نقية بل بيئة القيم والمبادئ والأخلاق أما في حالة العكس فلا يمكن اصلاحها ونفس الشيء يقال عن الأزواج فالقضية قضية تربية وقضية محيط وبيئة وقضية مدرسة وقضية مجتمع . فكلها تلعب دورا في بناء شخصة هذا وذاك .

  • 3%شحن

    زوج 3%
    رواية صدرت عن دار نشر سلسييل
    مفادها ان فتاة وهي ملاك كانت ستدرس وعندما جاء رجل لخطبتها وافقت تزوجت وترك رسالة عبى الميسانجر كان في منزل ابوه وملاك احضرت مستلزمات البت وطبخت ااالاكل ولم تتصل به واذا بهاتفها ينطفئ اشعلته ببطارية ضعيفة وصلت 3%فوجدت رسالة يقول فيها لم تعجبني خرجتك تلك وسافعل ما يجب يالثلاثة طالق

  • 3%شحن

    زوج 3%
    رواية صدرت عن دار نشر سلسييل
    مفادها ان فتاة وهي ملاك كانت ستدرس وعندما جاء رجل لخطبتها وافقت تزوجت وترك رسالة عبى الميسانجر كان في منزل ابوه وملاك احضرت مستلزمات البت وطبخت ااالاكل ولم تتصل به واذا بهاتفها ينطفئ اشعلته ببطارية ضعيفة وصلت 3%فوجدت رسالة يقول فيها لم تعجبني خرجتك تلك وسافعل ما يجب

  • ج ج المقدس

    بين مشروع “الزّوجة الصّالحة” ومشروع “إصلاح الزّوجة” ... وأين هو مشروع الزوج الصالح ومشروع اصلاح الزوج ... كيف لا لزواج تستيقظ زوجته باكرا للذهاب للعمل كممرضة أو أستاذة ..... الخ وهو لا يستيقض الى بعد منتصف النهار ولا يعرف للعمل سبيلا لكن في نهاية الشهر أي يوم يصب أجر زوجاته في حسابها فهو من سوف يتفضل بسحبها أي تلك الأجرة حيث ينفق غالبيتها على التفاهات : " الحطة والكماليات " كما يقال وان تفوهت الزوجة بكلمة هددها بالطلاق . أم أن انتقاد أشباه الرجال وكم هم كثيرون حرام في زماننا .

  • كمال

    الامر ليس كذلك . فمثلما نحن بحاجه لصلاح الزوجه نحن بحاجه لصلاح الزوج لماذا لا نتكلم عن تفاهه الازواج ؟
    المعادله بسيطه و هي الزوج الصالح يختار زوجه صالحه و العكس صحيح .
    القلوب تهوى و تنجذب لشبهها و المرء على دين خليله

  • المقراني

    الخلافة الاسلامية يا سلطان يجب ان تقام بالمدينة المنورة باعربية السعودية كما بدات ايام الصحابة الكرام رضي اللهه عنهم
    الخلافة الاسلامية يجب ان تؤسس بالسعودية ارض التوحيد وقبلة المسلمين وبلاد الحرمين ونحن ننتظر منكم ومن كل علماء السلفية الوهابية الكبار وكذا دعاتهم ان يدعو الملك سلمان بن عبد العزيز ال سعود خادم الحرمين بالمبادرة الي هذا الشيء العظيم الذي سوف يخدم المسلمين ودينهم .
    اذهبوا الي السعودية فبها ملك لا يظلم عنده احد واقيموا خلافة المسلمين هناك يا سلطان بركاني