-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

تداعيات الانسحاب العسكري الأمريكي من الشام

حبيب راشدين
  • 1486
  • 3
تداعيات الانسحاب العسكري الأمريكي من الشام
ح.م

القرارُ الأمريكي المفاجئ بسحب القوات المرابطة بإقليم كردستان السوري يكون قد فاجأ أصدقاء الولايات المتحدة وحلفاءها قبل خصومها وأعدائها مع أنه كان على رأس الوعود الانتخابية للرئيس ترامب، وسبق أن لوَّح بتفعيله مرارا حتى وإن كان قد اشترط له من قبل تزامنَه مع انسحابٍ كامل للقوات الإيرانية من سورية.

أكثر الأطراف انزعاجا من القرار هم أكراد سورية الذين وظفتهم الولايات المتحدة في النزاع السوري، واستعانت بهم في التصفية الآمنة لبؤرة “داعش” وفي التعتيم على الدور الأمريكي في صناعتها؛ فقد كان الأكراد في المنطقة يراهنون على الحضور العسكري الأمريكي لتثبيت واقع كردي بسورية شبيهٍ بما تحقق لهم في العراق، ويمهِّد في تقدير نخبهم لقيام اقليم كردي متضامن على ضفتي الفرات، يحضِّر مستقبلا لقيام دولة مستقلة لها هامش التوسع في الجغرافية الكردية في إيران وخاصة في تركية.

الأكراد الذين خذلهم الغربُ في العراق، وأفقدهم كثيرا مما تحقق لهم بعد الغزو الأمريكي، سوف يفقدون كل أمل حتى في تثبيت الواقع الفدرالي المتقدِّم واستقلالية الإدارة المحلية. وبفقدان هذه الصفة، فإنهم سوف يفقدون ما كان للإقليم من جاذبية للاستثمارات الغربية الأوروبية والإسرائيلية التي كانت تراهن جميعا على فرضية قيام دولة كردية في المنطقة، تكون بالضرورة حليفة للغرب وشريكة لإسرائيل في إدارة الإقليم وتحديد مستقبله.

الأوروبيون الذين استثمروا كثيرا في اقليم كردستان العراق سياسيا واقتصاديا يشعرون مثل الأكراد بما يشبه الخذلان الأمريكي الذي ورَّطهم في النزاع السوري، وفي استعداء كثير من عرب الشرق الأوسط وأعاجمه، ليس لهم اليوم خطة بديلة لبناء حضور أوروبي في ملفات الشرق الأوسط، ويأتي قرار الانسحاب الأمريكي كضربة موجعة للحضور الأوروبي تفاقِمُ ما خسروه بسبب القرار الأمريكي المتفرد بنقض الاتفاق النووي مع إيران، والذي كلفهم وسيكلفهم الكثير اقتصاديا وسياسيا ودبلوماسيا، وقد يكون تراجعُ فرص بناء كيان كردي مستقل قد أنهى آخر فرصة لتثبيت حضور أوروبي في الشرق الأوسط، وأخرجهم من لعبة الأمم بالشرق الأوسط.

غير أن الخاسر الأكبر من القرار ـ إن كُتب له أن يُنفذ في بحر ثلاثة أشهر كما يعِد به الرئيس ترامب ـ هو الكيان الصهيوني الذي راهن أكثر من غيره على الأكراد كحلفاء مؤتمَنين، يشاغل بهم أربعَ دول اقليمية مصنفة حكما في خانة الخصوم الاستراتيجيين للاحتلال، وكان الرهان أكبر على قيام اقليم كردي بسورية يضمن حتما لإسرائيل حضورا مؤثرا في الترتيبات الجارية لصياغة حل سياسي، ولأنه ليس بوسع أكراد سورية المطالبة بإقليم له ما لإقليم كردستان العراق من استقلالية مع غياب دعم عسكري قد يضعهم تحت رحمة القوات السورية، وقبلها تحت تهديد الاجتياح العسكري التركي الذي يحظى تحت الطاولة بمباركةٍ روسية وسورية.

وعلى مسوى آخر، فإن قرار سحب القوات الأمريكية سوف يعزز الشعور لدى حلفاء الولايات المتحدة الأمريكية بالمنطقة وعلى رأسهم دول الخليج بخذلانٍ أمريكي آخر يضاف إلى سحب الدعم الأمريكي لدول التحالف في الحرب على اليمن، وتردد الولايات المتحدة في تحجيم الدور الإيراني في العراق حتى مع تعزيز التواجد العسكري في العراق ببناء مزيدٍ من القواعد العسكرية، بما قد يشجِّع دول الخليج على تدبير خطة حماية بديلة، تستشرف المسار الذي بدأ يطرقه آردوغان لتركية مع الدب الروسي الذي يراكم النجاح تلو الآخر، وبدأ يحصد ثمار استثماراته العسكرية في النزاع السوري ويعِد بدور متقدِّم في تسوية أزمات المنطقة أو إدارتها.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
3
  • السعيد احمد

    تعلمنا منك انك لا تحسن فهم العلاقات الدولية وبخاصة سياسة الولايات المتحدة

  • صالح بوقدير

    لعلك تتحدث خارج التاريخ فإسرائليل لم يبق لها عدوا في الشرق الاوسط فالعرب طبعوا والروس تعهدوا بحماية إسرائيل والولايات المتحدة تمكنت من تمرير صفقة القرن وضمنت أمن إسرائيل بما لايترك ثغرة لتهديدها بعد ماحولت ماكنا نعتقد أنهم أعداء لإسرائيل إلى أصدقاء أوفياء لها فالعالم اليوم تحكمه إراد واحدة فكل ماعلى وجهة البسيطة يسبج بحمدها ومانراه من تعدد ماهو إلا تقسيم للأدوار وليس تنافسا على مركز قيادة العالم فقد أثبت الولاية المتحدة جدارتها ومن ورائها إسرائيل فلاصوت يعلو على صوتهما إلى حين.

  • محمد إقبال

    شكرا للكاتب على هذه الخلاصة المركزة، ولكن ماذا عن تركيا ووضعها بمنطق الربح والخسارة في هذا المشهد؟ ولم فعل ترمب ذلك واتخذ هذا القرار؟