-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

تعاسة الجمهورية الثانية..

تعاسة الجمهورية الثانية..
ح.م

العالم يتحول نحو الرؤية الحضارية الواسعة، وبعضنا يُضيِّق على نفسه وعلينا جميعا، مجال الرؤية إلى درجة الاختناق.. الصين أعلن رئيسها “شي جي بينغ” في مؤتمر الحزب الشيوعي التاسع عشر عن كون الصين ستتبنى من الآن فصاعدا مفهوما جديدا لرؤيتها الحضارية، جسَّدتها في دستور الحزب الشيوعي المعدل في 24 أكتوبر 2017 بعبارة “الحضارة الاشتراكية الروحية” التي أصبحت متداولة اليوم على نطاق واسع.. وروسيا أيضا طرحت من خلال “النظرية السياسية الرابعة” لمفكرها “ألكسندر دوغين” المستشار الخاص للرئيس “فلاديمير بوتين” رؤيتها الجديدة المتمثلة في أن “المستقبل هو للمقدس وليس للمستباح”، وأن القالب الأوراسي (اوراسيا) للنظام العالمي ينبغي أن يُعوِّض القالب الأطلسي الذي تحوّل إلى مصدر مآسي العالم منذ أكثر من قرنين من الزمن. وتركيا تبنت من خلال فلسفة رئيسها “رجب طيب إردوغان” مسألة الديمقراطية الحضارية بديلا للديمقراطية الغربية اللائكية.. وكثير من المفكرين العالميين (جوزيف فرانكل، ايحزقيال درور، يوفال هاراري… من منظري العلاقات الدولية الغربيين المعاصرين)، وجزء كبير من علماء السياسة الغربيين أصبحوا يتوجهون اليوم إلى المنظور الحضاري الواسع الذي يستطيع استيعاب الدين واللغة والقيم والفروق المختلفة، وكل ما نَتَجَ عن التقدُّم التكنولوجي المعاصر.

وفي هذا دليلٌ واضح، على الاضمحلال التدريجي لِما أوقعت فيه الليبرالية الغربية المتوحشة نفسها من رفض للقيم الشرقية وللدين على وجه الخصوص، ودليل آخر على ما ستكون عليه التحوُّلات السياسية المستقبلية في العالم، بما سيضع حدا لحقبة بائدة كانت فكرتها الأساسية قائمة على اللائكية والإباحية في كل شيء تحت غطاء الحرية، والتعامل مع الإنسان كسلعة تباع وتشترى وكرغبات مادية صرفة ينبغي الاستجابة لها دون أيِّ ضوابط دينية أو أخلاقية، تحت غطاء اقتصاد السوق…

وعلينا أن نحمد الله تعالى أن هذه المنهجية في التفكير البائدة التي مازال يتعلق بها بعض مِمّن يزعمون التمدن ويعيشون في القرن 19، قد حكمت عليها القوى الصاعدة المشكِّلة لغالبية البشر بالفشل.. وما المسلمون في جميع أنحاء العالم سوى جزء من هذه الغالبية الساحقة.
لذا أعجبني موقف جمعية العلماء المسلمين الجزائريين الأخير عندما ربطت رؤيتها للحل بالمنظور الحضاري، نافية بذلك كل أفق ضيق أراد البعض أن يعطيه للإسلام، وللجمعية في الجزائر. ذلك أن المنظور الحضاري كما يستوعب الأزمة المُرَكَّبَة التي تعرفها الجزائر اليوم يطرح الحلول لها ضمن إطار مشكلات الحضارة بالمفهوم الذي طرحه “مالك بن نبي” رحمه الله حتى قبل “هتنغتن” و”دوغين” و”تُفلر”…

ولعلي أقول أنه أصبح لزاما علينا اليوم، أن نتجاوز حلول ضيِّقي الأفق غير القادرين على الخروج من منهجية التفكير الفرانكوفونية التي وَحْدَها في العالم التي تُمَجِّد جمهوريتها الأولى 1792 التي لم تصمد سوى 12 سنة لتتحول إلى إمبراطورية بقيادة “نابليون” في سنة 1804. ويسعى بعض المُستلبين مِن داخلنا إلى التغني بما يُشبه جمهوريتها الثانية التي لم تستمر أكثر من 3 سنوات 1848-1851 لتعود الإمبراطورية من جديد…

ويريدنا بعض أتباع غير المُتَسَرْوِلين اليومles sans culottes ، غير متعظين بالتاريخ، ولا متابعين لتطورات الفكر المعاصر، أن لا نبحث على تطابق استراتيجي لنا مع المنظور الحضاري الشرقي الجديد ضمن إطار رؤية القوى الصاعدة في القرن الـ21، وأن نبقى أسرى الأفق الضيِّق للتاريخ الفرنسي ونُنادي عن جهل بجمهورية ثانية على طريقتهم.. لم تستمر سوى حقبة قصيرة في التاريخ.. يا لهم من تعساء ومن ضيقي الأفق، ويا لها من رؤية حضارية رحبة وصناعة للأمل.. ذَكَّرَتْنا بها جمعية العلماء.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
7
  • نور الدين مصطفاي

    وددت لو أني أستطيع أن أوصل الرسالة للأستاذ قلالة الذي نجله ونحترمه لنؤكد له على صدق ما قاله في حق المفكرين بالوكالة في الجمهورية الثانية، غير أنّ ما ينحوا نحوه أتباع النظرية الجديدة ليس كما يتصوّر تماما بل هي دعوة باطنية تسير ها قوى لا تظهر على الواجهة ولو تكلف الأستاذ أن يبحث عن خلفيات أمثال كل من دوغين صاحب الطريق الرابع وأضيف له آخر لم يذكره في مقاله وهو غارودي الذي يحسبه الكثير على الإسلام، ولو تتبع كل الذين بسطرون لهذا الطريق الجديد للحضارة التي يصفها سيجد أنهم يساريين في الأصل وهو ما أسميه الشيوعية إصدار 2.0 والحديث في الموضوع له روابط عديدة وأبعاد كثيرة لا تسعها خانة التعليق تصل إلى ...

  • أحمد سالم

    و الله معك الحق يا أستاذ. يلزمنا أن نبني دولتنا و دستورنا وفق منهج حضاري خاص بنا كشعب؛ أي يجب مراعاة ديننا و ثقافتنا الإسلامية العربية البربرية. لا للعلمانية في الجزائر لأنها فشلت في تونس و فرنسا...لا للبيرالية لا للاشتراكية و لا لكل النظريات البائدة. نعم لديمقراطية حضارية تحترم ديننا و ثقافتنا. و لبناءهذه الديمقراطية نحتاج لسياسيين و مفكرين متشبعين بثقافتنا و منفتحين على تطور العالم في العلوم و التكنولوجيا.

  • محمد

    حتى لا يلقى الشتم جزافا أقول بأني تتلمذت سنة 1947 بمدرسة لجمعية العلماء المسلمين بالتوازي مع المدرسة العمومية الفرنسية.ما بقي لي من أثر من تلك الحقبة المضطربة أن الشعار الوطني وزخم نشر تعليم عصري عربي مسلم كانا يحفزان الشباب على اكتساب المعارف للتفوق على المستعمر الأجنبي.كانت المدارس الفرنسية ترتكز على الدقة في المعارف ومفيدة اجتماعيا واقتصاديا.في المقابل حماس مدارس الإصلاح المتدفق كان يشكو عجزا تنظيميا لأنه عاطفي غير فعال نتج عنه زوال بعضها.من غير المفيد التنويه بمساوئ النظم السياسية لأن عبقرية الشعوب تظهر في رسمها دون المس بالمبادئ الأساسية لشخصيتها خطة تتكيف مع الأحداث وفق المصالح الآنية .

  • زواف

    نريدها جمهوريه ديموقراطيه تحفظ حقوق الانسان مدنيه متفتحه عن العالم واللغات فيها فصل السلطات القانون فوق الجميع دوله المناصب بالكفاءات لاشرقيه ولاغربيه ولكنها جزائريه بتاريخها الدي يستمد جدوره من الماضي البعي لاباديسيه ولانوفمبريه لان هدا كان في الماضي ةنحن الان في الحاضر والمستقبل لابد ان يكون طموحنا كبير ليس له خطوطحمراء تقيدنا علي التقدم

  • AISSA

    بما أنك بدأت باتخاذ الصين وروسيا مثالا فإن ماكتبته لايستحق القراءة

  • جزائري حر(لا ينافق)

    الشيطان هو الجهل الدي عشش في بطونكم حتى أصبحتم تظنون ان من يأكل ويشبع راجل ودكي ونسيتم أن البطنة تعفن الفطنة وأهملتم الدراسة وطلب العلم والمعرفة التي هي بالنسبة لكم مضيعة للوقت واللي قرا قرا بكري حتى أصبح التجار والقهاوجية رمزا لكم في الرجولة والدكاء.

  • إستدمار

    (( يا معشر الجزائريين: إن الاستعمار كالشيطان الذي قال فيه نبينا صلى الله عليه وسلم: (إن الشيطان قد يئس أن يعبد في أرضكم هذه، ولكنه رضي أن يطاع فيما دون ذلك)، فهو قد خرج من أرضكم، ولكنه لم يخرج من مصالح أرضكم، ولم يخرج من ألسنتكم، ولم يخرج من قلوب بعضكم، فلا تعاملوه إلا فيما اضطررتم إليه، وما أبيح للضرورة يقدر بقدرها )).
    من أول خطبة جمعة بمسجد “كتشاوة” بعد الاستقلال للبشير الإبراهيمي