-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

تعاسة الجمهورية الثانية..

محمد سليم قلالة
  • 1471
  • 12
تعاسة الجمهورية الثانية..
ح.م

العالم يتحول نحو الرؤية الحضارية الواسعة، وبعضنا يُضيِّق على نفسه وعلينا جميعا، مجال الرؤية إلى درجة الاختناق.. الصين أعلن رئيسها “شي جي بينغ” في مؤتمر الحزب الشيوعي التاسع عشر عن كون الصين ستتبنى من الآن فصاعدا مفهوما جديدا لرؤيتها الحضارية، جسَّدتها في دستور الحزب الشيوعي المعدل في 24 أكتوبر 2017 بعبارة “الحضارة الاشتراكية الروحية” التي أصبحت متداولة اليوم على نطاق واسع.. وروسيا أيضا طرحت من خلال “النظرية السياسية الرابعة” لمفكِّرها “الكسندر دوغين” المستشار الخاص للرئيس “فلاديمير بوتين” رؤيتها الجديدة المتمثلة في أن “المستقبل هو للمقدَّس وليس للمستباح”، وأن القالب الأوراسي (اوراسيا) للنظام العالمي ينبغي أن يُعوِّض القالب الأطلسي الذي تحوّل إلى مصدر مآسي العالم منذ أكثر من قرنين من الزمن. وتركيا تبنت من خلال فلسفة رئيسها  “رجب طيب أردوغان” مسألة الديمقراطية الحضارية بديلا  للديمقراطية الغربية اللائكية.. وكثير من المفكرين العالميين (جوزيف فرانكل، ايحزقيال درور، يوفال هاراري… من منظري العلاقات الدولية الغربيين المعاصرين)، وجزء كبير من علماء السياسة الغربيين أصبحوا يتوجهون اليوم إلى المنظور الحضاري الواسع الذي يستطيع استيعاب الدين واللغة والقيم والفروق المختلفة، وكل ما نَتَجَ عن التقدُّم التكنولوجي المعاصر.

وفي هذا دليلٌ واضح، على الاضمحلال التدريجي لِما أوقعت فيه الليبرالية الغربية المتوحشة نفسها من رفض للقيم الشرقية وللدين على وجه الخصوص، ودليل آخر على ما ستكون عليه التحوُّلات السياسية المستقبلية في العالم، بما سيضع حدا لحقبةٍ بائدة كانت فكرتها الأساسية قائمة على اللائكية والإباحية في كل شيء تحت غطاء الحرية، والتعامل مع الإنسان كسلعة تباع وتشترى وكرغبات مادية صرفة ينبغي الاستجابة لها من دون أيِّ ضوابط دينية أو أخلاقية، تحت غطاء اقتصاد السوق…

وعلينا أن نحمد الله تعالى أن هذه المنهجية في التفكير البائدة التي مازال يتعلق بها بعضٌ مِمّن يزعمون التمدن ويعيشون في القرن الـ19، قد حكمت عليها القوى الصاعدة المشكِّلة لغالبية البشر بالفشل.. وما المسلمون في جميع أنحاء العالم سوى جزءٌ من هذه الغالبية الساحقة.

لذا أعجبني موقفُ جمعية العلماء المسلمين الجزائريين الأخير عندما  ربطت رؤيتَها للحل بالمنظور الحضاري، نافية بذلك كل أفق ضيق أراد البعض أن يعطيه للإسلام، وللجمعية في الجزائر. ذلك أن المنظور الحضاري كما يستوعب الأزمة المُرَكَّبَة التي تعرفها الجزائر اليوم يطرح الحلول لها ضمن إطار مشكلات الحضارة بالمفهوم الذي طرحه “مالك بن نبي” رحمه الله حتى قبل “هتنغتن” و”دوغين” و”تُفلر”… .

ولعلي أقول إنه أصبح لزاما علينا اليوم، أن نتجاوز حلول ضيِّقي الأفق غير القادرين على الخروج من منهجية التفكير الفرانكوفونية التي تعدُّ وَحْدَها في العالم التي تُمَجِّد جمهوريتها الأولى 1792 التي لم تصمد سوى 12 سنة لتتحول إلى إمبراطورية بقيادة “نابليون” في سنة 1804. ويسعى بعض المُستلبين مِن داخلنا إلى التغني بما يُشبه جمهوريتها الثانية التي لم تستمر أكثر من 3 سنوات 1848-1851 لتعود الإمبراطورية من جديد…

ويريدنا بعض أتباع غير المُتَسَرْوِلين اليومles sans culottes ، غير متعظين بالتاريخ، ولا متابعين لتطورات الفكر المعاصر، أن لا نبحث على تطابق استراتيجي لنا مع المنظور الحضاري الشرقي الجديد ضمن إطار رؤية القوى الصاعدة في القرن الـ21، وأن نبقى أسرى الأفُق الضيِّق للتاريخ الفرنسي ونُنادي عن جهل بجمهوريةٍ ثانية على طريقتهم.. لم تستمرّ سوى حقبةٍ قصيرة في التاريخ.. يا لهم من تعساء ومن ضيِّقي أفق، ويا لها من رؤية حضارية رحبة وصناعة للأمل.. ذَكَّرَتْنا بها جمعية العلماء.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
12
  • يوسف ابن تاشفين

    والله يا أستاذ لما تتحدث لنا عن المنظور الحضاري الشرقي تصيب الجميع بصدمة وحيرة ، ففي الوقت الذي تستضيف في الدول الواعية علماء الفيزياء النووية و تقنية النانو و الطب و الهندسة الفلكية ، يعمل الكثير من الجزائريين على أستضافة شيوخ دين من هذا المشرق الجاهبل أصلا ، هل نحن في حاجة إلى هذا المنضور وهل نحن في حاجة إلى مواعظ هؤلاء الشيوخ أليس في الجزائر فطاحلة في الدين يغنوننا عن مواعظ هؤلا الشيوخ و يغنوننا عن صرف أموال طائلة على أستضافة شيخ من غزة أو الأردن أو الإمارات ؟؟؟

  • يوسف ابن تاشفين

    أي منظور حضاري شرقي هل تخريب الأوطان في سوريا والعراق و اليمن منظور حضاري ...

  • نسومر الأوراس

    كيف تحكم على الجمهورية الثانية بأنها تعيسة و أنت لم تجربها ؟؟؟ جربها أولا و سترى الفرق بينها و بين حكم العصابة ....

  • شكر و اقتراح

    لله دركم ياأستاذ!
    شكرا جزيلا على إسهاماتكم في التوعية و التثقيف.
    هذا العمل أصبح فرض عين على كل مسلم مثقف صادق. فالتحدي كبير و الطريق طويل خاصة في هذه المنعرجات التي كثر فيها الدجالون والخونة!
    في هذا السياق، أقترح عليكم أن تفتحوا قناة "يوتيب" لإيصال التوعية لللأغلبية و تبسيط المفاهيم. والله المستعان.

  • محمد لعباشي .. اولاد جلال

    أن ميل المفكرين للجانب الحضاري مرده إلى ديمومة استقرار الأمم عندما تعتنقها شعوبها كهوية ... لكن بالمقابل داخل هذا المفهوم المنطقي بذرة حرب قد تنمو و تظهر لاول خلاف ديني وجداني .. واكبر دليل الحروب الصليبية و المجازر المذهبية في كل الأديان ... و التصفيات العرقية الطائفية هنا وهناك ... اقول بذرة و ليست ظاهرة دائمة ... و بالنسبة لبلادنا و لنا كعرب ... لم يكن لنا شأن الا لما تلحفنا بالحضارة الإسلامية على ما شابها من نزاعات و فتن ... نريد دولة عصرية المبنى و المظهر . عربية و إسلامية المضمون تجمع تحت مظلتها الأقليات و الأديان و المذاهب كما جمعهم المكان .

  • منور

    كلام جميل للأكادمين والباحثين وعلم الأجتماع ورجال السياسة حسب اعتقادي ،نحن لا نبحث على مدينة أفلاطونية ولكن على أفضلية العيش في كرم العدل والمساوات والفرص المسموحة للجميع ،كل السلبيات التي نراها يوميا هي ردفعل داتية منها ماهو عن وعي ومنها ماهو عن غير وعي ؟صحيح تطبيق القوانين الرادعة تأتي بالنتائج قد تكون ايجابية كما قد تكون سلبية ،من يراها سلبية يحكم على تطبيقها بالدكتاتورية ومن يراها أيجابية يحكم على تخويف الجميع بالردع المادي والجسدي والمعنوي ،ما بقي لنا أن ننظر الى :التعليم،الصحة،العدالة أنظر هدا الثلاثي كيف هو محطم ؟الأطفال يرفضون،من يملك يريد العلاج برة،من لايملك يقبل بالحكم؟تحياتي

  • محمدمحمد

    يا سي قلالة، حتى و إنا كنا نتمتع بمستوى مساهماتك، إلا أنه وجب علينا أن نبسط الأمور، فالجزائر تحتاج الى تطبيق القوانين لا غير: مثلا مكافة ظاهرة التأخر عن العمل و ظاهرة العطل المرضية التي تكاثرت بشكل رهيب. وجب أيضا تصفية سوق العمل من أجل القضاء على ظاهرة معروفة في قطاع التربية و في غيره : أساتذة يزاولون النشاط التجاري بواسطة سجلات تجارية باسمهم أو باسم زوجاتهم. و اذا أردنا أن نرفع مستوى التعليم في بلادنا، علينا أولا مكافحة ظاهرة الاكتضاظ في الأقسام بدل تضييع الوقت في التفلسيف. لاحظ معي أن هذه الظواهر موجودة في بلدنا بالرغم من تمسك شعبنا بدينه لأن ما ينقصنا فعلا هو الخوف من سلطان القانون.

  • جزائري

    يتبع. السلطة كانت فعلا فاشلة لكن هل مجتمع يروحو قاع كان ناجحا في مسؤولياته هو. على سبيل المثال وليس الحصر و بغض النظر عن السلطة المستبدة هل الاسرة الجزاءرية تحمل ثقافة افضل. اليس في الاسرة والمجتمع الجزاءري استبداد ايضا. اليس في المجتمع فساد متناغم مع فساد السلطة . التغيير يجب ان يكون جذريا من السلطة الى المجتمع والا فلا تغيير . في الشارع مظاهر قوية لفساد ثقافة المجتمع. الفوضى العارمة في الطرقات. مثلا في بومعطي في الحراش. يختلط السوق مع رصيف المارة مع شارع السيارات مع الدراجات النارية مع الملابس مع الزبالة من النفايات مع محطة الحافلات مع ركن السيارات ........في مكان واحد ! بني ادم ام ماذا !

  • جزائري

    السيد سليم . ثقافتنا مصنوعة من خشب لا تستطيع استيعاب مثل تلك الافكار اللتي تحدثت عنها. كان يكفينا الاستثمار في السنن الالهية ويكفينا اتباعها لو كان لنا عقل. الله يقول ان الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بانفسهم. لكننا نقول يروحوا قاع اما نحن فاننا خشب لسنا معنيين بالتغيير! انا متاكد اننا رغم تشدقنا بالاسلام ففي الحقيقة لا نؤمن بالاسلام عندما يضعنا في زاوية وجوب تغيير أنفسنا ونلقي المسؤولية على غيرنا في كل شيىء. هذه الاية بالذات هي مربط الفرس في الخروج من الظلمات اللتي نحن فيها لكن لمن تقرا زابورك يا داوود. نحن امة يروحو قاع غير احنا بدلا من امة التغيير.

  • مراقب السديم

    الرقم {1} حسبك ما ارتضيت لنفسك اسما ، تناطح به جبلا !!!!!!!!!!!!!!!!!!!!

  • الخلاط الجلاط

    سبقناهم إلى ذلك فكان الميثاق الوطني الذي لم يعد ميثاقا قل ماشئت ولكن اعمل ماتستطيع فالعبرة ليست بالادعاء والقول لاتقحم نفسك في متاهات تعلم مسبقا أنك تائه فيها

  • عبد الله FreeThink

    أوجزت فأبدعت يا أستاذ ، شكرا لك.
    من يدرس الثورة الفرنسية من مصادر مستقلة ويوسع دائرة البحث يتبين له ما تقول ، ثورة لم تأت لتلبي رغبة الشعب ، بل لترسخ نظاما عالميا جديدا تصنعه تحالف قوى الشر الماسونية والصهيونية وأذرعها المالية والبنكية وجماعات ضغطها الفاسدة والمفسدة.
    حزمة من الأفكار ظاهرها الرحمة وباطنها العذاب ، يتغنون بالحرية وإسقاط الدين والقيم والتحرر ، وهم لايريدون سوى إستعباد البشر.