-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

تعديل الدستور.. قراءة في بعض السطور

جمال غول
  • 756
  • 1
تعديل الدستور.. قراءة في بعض السطور
ح.م

منذ نشأة الدولة الجزائرية وإلى استقلالها في عام 1962 مازلنا نحاول ربط الجسور بين معالم مشروع الشهداء (مجاهدين وعلماء) للانتقال إلى الجزائر المنشودة وفق أرضية صلبة صاغها المخلصون في بيان أول نوفمبر 54 بعدما كانت لا تحتاج إلى بيان كونها واضحة كالنهار الذي لا يحتاج إلى برهان.

تغيرت دساتير الجزائر من دستور 1963 فدستور 1976 إلى دستور 1989 الذي يراه كثير من المهتمين أنه أحسن الدساتير، ثم دستور 1996 الذي أكل الأخضر واليابس، ليعطي صلاحيات إمبراطورية للرئيس كما يقال، كما أنه شرّع تأنيث المجالس المنتخَبة عن طريق المحاصصة المفروضة في كل القوائم الانتخابية في مسرحية مقرفة لم يسبق إخراجها في كل دساتير العالم أنتجت لنا برلمانا يسمى ببرلمان الحفافات!

وكانت عقدة النقص اتجاه المصادر التي ينبغي أن تكون المورد الصافي لكل تشريع راقٍ تلاحق كل تعديل سبق في الماضي، كما أن الانبهار بالزائف مما عند الغرب فوَّت التوصل إلى دستور يراعي خصوصية الأمة الجزائرية التي لا يمكن لها أن تكون أمة أخرى ولو أرادت. بالإضافة إلى أن عدم تجسيد ما جمُل وحسن من مواده كان معضلة أذهبت ما تبقى من هيبة ومصداقية كانت ستشفع لمهندسي التعديلات الذين فاتهم تحصين ذلك الحسن والجمال فباؤوا بكل وزر جاءت به تعديلاتهم التي أصابت مجتمعنا في مقتل وكانت أحد أهم الأسباب التي أوصلتنا لما نحن فيه من نكبات ونكسات.

وها نحن اليوم أمام تعديل جديد لهذا الدستور انطلق من أرضية كلف بها رئيس الجمهورية اللجنةَ المنصبة لهذا الأمر في14 جانفي 2020 على أن تنهي عملها في مدة ثلاثة أشهر بغرض الوصول إلى دستور توافقي موحد جامع ذي ديمومة، وحددت محاور التعديل في النقاط الآتية:

– تعزيز الحقوق والحريات الفردية والجماعية.
-تعزيز أخلقة الحياة العامة ومحاربة الفساد.
-تعزيز الفصل بين السلطات.
-تعزيز الرقابة البرلمانية.
– تعزيز المساواة بين المواطنين أمام القضاء.
-تعزيز استقلالية القضاء.
-تعزيز التكريس الدستوري للانتخابات.

فهل ستكون الجزائر أمام تعديل قادر على تدارك نقائص ما مضى والتخلص من عقد ودسائس من جنى وتحقيق طموح نضالات من سعى لأجل أن تساس الدولة الجزائرية سياسة شرعية حكيمة ترفعها إلى مصاف الدول التي جعلت دستورها أول أداة للحفاظ على مقوماتها الفكرية الحضارية قبل المادية الاقتصادية؟

ولأن الموضوع طويل، نكتفي بالإشارة إلى بعض السطور منه، ما ينفع من ملاحظات واقتراحات تُبعد الرتابة والفتور وتُسهِّل تحقيق المطلوب على النحو الآتي:

أولا: إدراج أهل التخصص في الشريعة ضمن مختلف المجالس والهيئات مثل:
– مجلس حقوق الإنسان.
-المجلس الاجتماعي والاقتصادي.
-المجلس الدستوري.
-المجلس الأعلى للغة العربية.
– المجلس الأعلى للغة الأمازيغية وغيره.
مع الأخذ بالانتخابات وسيلة لتشكيل هذه المجالس وتجنيبها سياسة التعيين.

ثانيا: إذا كان الدستور الحالي يحيل مبدأ الحقوق والحريات إلى الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، فإنَّ تعزيز هذا المبدأ يحتم تعديل هذه الإحالة إلى ما هو أرقى من ذلك وهو وثيقة المدينة المنورة التي أعلنها رسول الله الذي لا ينطق عن الهوى صلى الله عليه وسلم.

ثالثا: تعزيز أخلقة الحياة العامة ومحاربة الفساد لا يمكن تحقيقه إلا من خلال سد ثغرة مصدر التشريع في الدستور بالتنصيص الصريح على الشريعة، وترقية العقوبات إلى درجة الردع فقديما قالوا (من أمِن العقوبة أساء الأدب) مع ضرورة توفير سبل التظلم ودسترة الحق في تقديم الشكوى لكل هيئات الدولة وكذا دسترة تجريم خطاب الكراهية لمنعه وضبطه حتى لا يطال مبدأ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وكذا حرية التعبير.

رابعا: إذا كان الدستور الحالي ينص على مبدأ الفصل بين السلطات كما في الفقرة 11 من المقدمة وكذلك ما أشير له في المادة 15، فإن تعزيز هذا المبدأ يقتضي إعطاء كل سلطة الصلاحيات الكفيلة لمواجهة السلطة الأخرى، كما أن الحد من الصلاحيات الممنوحة للرئيس والتي بلغت 93 صلاحية أصبح لا نقاش فيه، وكذلك الحد من التوسُّع الفاحش في الإحالة على السلطة التنظيمية لرئيس الجمهورية الذي جعل المجال مفتوحا ليشمل كل فراغ فيُسير بهذه السلطة.
كما أن تعديل منصب الوزير الأول بات لا مناص منه لينتقل من مجرد منسِّق بين الوزراء مطبِّق لبرنامج فخامته سابقا إلى رئيس حكومة سيدٍ لتطبيق برنامج حكومته لا برنامج الرئيس !

خامسا: إذا كان الدستور الحالي ينص على الرقابة البرلمانية فإن تعزيز هذه الرقابة يقتضي أن يكون الاقتراع سريا لا بالتزكية العلنية، وإلغاء مجلس الأمة يصير حتما لازما لإنهاء عهد المقصلة التي نُصِّبت في طريق أي مشروع ينجو من قبضة الغرفة السفلى إذا كان لصالح البلاد والعباد، وتوفير ما يكبد خزينة الدولة من أموال ضخمة لتوجيهها للصالح العام.

سادسا: إذا كان الدستور الحالي ينص على مبدأ المساواة بين المواطنين أمام القضاء، كما في الديباجة وفي المادة 32، فإن تعزيز هذا المبدأ يقتضي رفع التناقض الحادث بسبب مواد الامتياز القضائي التي تجعل لقلة من المواطنين على عمومهم درجات، كالمسؤولين الذين لا يُحاكمون إلا في المحكمة العليا، وكإعفاء البعض الآخر من الإلزامات القضائية كما هو الحال بالنسبة للبرلماني الذي إذا امتنع عن دفع نفقة أولاده لزوجته المطلقة فإن وزير العدل شخصيا لا يملك إلا أن يحيل طلبا محتشما إلى رئيس الغرفة طالبا منه القيام بما يراه مناسبا!

سابعا: إذا كان الدستور الحالي ينص على استقلالية القضاء فإن تعزيز هذا المبدأ يقتضي أن نصل إلى استقلال القاضي بحيث لا يكون خاضعا لأي سلطة مع توفير الحماية القانونية والمالية اللازمتين، وعندئذ سنكون أمام محكمة عليا بإمكانها أن تتصدى لأي قرار عَدَل عن الحق والصواب ولو كان من قبل رئيس الجمهورية.

ثامنا: إذا كان الدستور الحالي ينص على التكريس الدستوري للانتخابات فإن تعزيز هذا المبدأ يقتضي معالجة الآفات التي ابتلي بها قانون الانتخابات، فعلى سبيل المثال ما تعلق بموضوع المرأة فإن المادتين 35 و36 تنصان على ترقية حقوقها وتوسيع حظوظ تمثيلها بحيث يفرض ترشيحها في كل القوائم بنسبة تصل إلى النصف كشرط لقبول القائمة رغم أن المادة 32 تنص على أن المرأة أخت الرجل!

وأخيرا، فإنه لا مناص اليوم من معالجة الداء وعدم الاكتفاء بمعالجة الأعراض، وبدل تقديم المُسكِّنات التي آلت إلى حراك عرِم خالف سنن التسكين في العالم، وجب الانتقال إلى تقديم العلاجات الفاعلة الناتجة عن الخبرة والدراسات العلمية الموثوقة وإسقاطها على المجتمع الجزائري في قالب يجعل دستورها أيقونة على مر العصور وكر الدهور.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
1
  • عبد الرحيم

    إذا كان الدستور الحالي ينص على مبدأ المساواة بين المواطنين لمذا فما يخص التقاعد فيه فرق كبير بين من حصل على منصب في الوظيف العممي كإطار سامي والذي عمل في مؤسسة ما. فالأول يحصل على تقاعد يساوي 100 من100 راتب المنصب والثاني لا يحصل إلا على 80 من 100 من الراتب المجمد. والطريقة الأولى يستفيد منها النواب و السيناتورات والظباط السامين.