-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

تعزيز سيادة العربية.. كيف؟

حسن خليفة
  • 730
  • 7
تعزيز سيادة العربية.. كيف؟
ح.م

لا ريب أن من موجبات مسايرة المطالب الشعبية المنادى بها في الشارع، والمعبَّر عنها في الكتابات في مختلف الفضاءات النشيطة، والتي لا تعود إلى الفترة الأخيرة فحسبُ، أي فترة الحراك الشعبي.. وإنما تمّ التعبير عنها منذ مدة طويلة.. من تلك الموجبات: نُصرة اللغة العربية، والذي أتصوّر أنه واجب من أوكد وأهمّ الواجبات الدينية الوطنية والثقافية والأخلاقية، بل هو من واجبات الوقت أيضا، في ضوء “الحرب” البشعة المعلنة على العربية، قصدا من الأعداء والخصوم، أو استسهالا من بنيها وبناتها، وضعف إدراك لما يُحاك ويدبَّر من أجل تجفيف منابع الدين في أوطان المسلمين والعرب، وخارج أوطانهم، في المهاجر؛ حيث يتمدد اليمين المتطرّف في أوروبا وغيرها ويعلن صراحة عداءه للمهاجرين واللاجئين وخاصة منهم المسلمين والعرب، في دينهم وثقافتهم ولغتهم.

قلتُ عطفا على محمول المقال الموجِب لأهمية نُصرة العربية وتعزيز استعمالها وتحسين تداولها وتوسيع دائرة استخدامها في كل ميادين الحياة والنشاط والعلم.. أرى أن البرامج والخطط العملية هي الأنسب في الطرح والاقتراح، وبسط الخطط الواقعية الممكنة التطبيق، تأسيسا على الموارد البشرية والإمكانات المتوفرة التي يمكن تسخيرُها لخدمة العربية.. سيكون ذلك مفيدا ونافعا، أفضل من الإغراق في الطروحات النظرية والتصورات الذهنية والانخراط في البكاء على الأطلال والبقاء في دائرة التاريخ مدحا وتمجيدا.

أوّلا: مما يجب التأكيد عليه أن أهمّ عمل في نظام تعزيز العربية وحمايتها واستخدامها على نحو واسع مكين، هو القرار السياسي الصريح والإرادة السياسية السيادية بخصوص تنزيل وجرأة تطبيق كل ما يتعلق باستخدام العربية على أرض الواقع، ليس فقط بتفعيل القوانين والضوابط التي تندرج في هذا الخصوص، لكن بإيجاد ترجمة عملية لتلك القوانين وتطبيقها في أرض الواقع، في آجال زمنية محددة، على أن تعمّ كل المجالات والحقول ذات الصلة بالتداول والاستخدام اللغوي: كتابة وشفاهة.. كالاقتصاد، والإدارة، والتجارة، والتربية، والتعليم العالي، وسائر المؤسَّسات والهيئات الوطنية.. بإيجاب تطبيق رزنامة عمل يتم بموجبها إعادة السيادة على نحو صريح وواضح للعربية في موطنها، ووجوب تعامل الإدارات خاصة بها في مراسلاتها وتواصلها وأعمالها. وليس كل ذلك بعزيز لو أن الحراك الوطني الشعبي السلمي العالي الزخم أوصل رسالة واضحة إلى الهيئات المعنية ـ بالحكم ـ والحرص على أن تجعل ذلك من مطالب الحراك الأساسية.. باستعادة الهوية الوطنية ممثلة في هذا البعد التواصلي القيمي. ولن يكون صعبا أبدا تحقيق ذلك وتطبيقه بتدرُّج على مدى زمني معتبر. وقد فعلت ذلك كثيرٌ من الدول والمجتمعات.. ولعلّ الله تعالى ييسّر هذا الأمر فتربح العربية معركة كبيرة من معاركها مع المتنفذين الذين حاربوها على مدار عقود لحساب لغة أجنبية متراجعة عالميا.. ولا تتقدم إلا في ديار أهل المغرب العربي للأسف الشديد .

ثانيا: مما يلحق الجزء الأول والذي أشرنا فيه إلى الإرادة السياسية الصريحة.. ما يتعلق بتعريب المحيط، فالجميع يعرف مدى تمدد الفرنسية خاصة، وغيرها من اللغات في لافتات لوحات المؤسسات والمصانع والحوانيت والدكاكين والمحلات التجارية.. حتى إن المرء حين يزور بعض المدن يشك أن يكون في بلد عربي، عندما يرى ذلك الطغيان للغة الفرنسية في شوارعها وأزقتها.. وتفنّن أصحاب المحلات في اختيار الحروف والكلمات الأعجمية كلافتات وعناوين لمحلاتهم.. وهي لعمري سيئة من سيئات الاستلاب الحضاري الذي ضرب أطنابه في النفوس والعقول، حتى فيما يتصل بأبناء الشعب البسطاء.. وإلا ما الذي يدعو حلاقا إلى كتابة لافتة على محله باللغة الأجنبية، وما الذي يدعو صاحب محل لبيع المرطبات أو مخبزة أو جزار، أو بقال، أو مكتبة ووراقة؟ إنها نُذر شؤم وضعف شخصية وانبهار أمام الغازي.. وتحقير واحتقار للشخصية الوطنية الإنسانية الأصيلة، قبل احتقار العربية كلغة.. ودون شك تتحمل الدولة كل المسؤولية في هذا الشأن؛ لأنها هي التي تسمح أو تمنع، وهي الناظم لحياة الناس وهي التي تقود عندما يتصل الأمر بالرأي العام وبشخصية الوطن وقيمه. لكن مرت علينا سنون جنون كان من نتائجها هذا التمدد الرهيب للغة الأجنبي ونمط عيشه ونمط تفكيره وأسلوب حياته. ولا بد من تصويب هذا الخطأ الكبير، والدولة تقدر على ذلك.. بالتعاون مع المواطنين طبعا.

ثالثا: مما يستوجب العزم والحزم هو تجنُّد فئات كثيرة متعددة الألوان والأعمال، من الجنسين، من الوطنيين ومحبِّي العربية، وهم في مواقع متعددة، وأهل قدرة واقتدار، لعلهم عشرات الآلاف، إن لم نقل الملايين، لو اجتمعت كلمتهم وحددوا لهم أهدافا واضحة، بعد تشخيص ودراسة للواقع اللغوي في الوطن، لاستطاعوا أن يأتوا بالأعاجيب في تعزيز العربية وإعادة مجدها المطموس والرقيّ بها إلى المكانة التي هي مكانتها الأصلية لغة سيَّادية مستخدَمة على نطاق واسع رسميا وشعبيا، دون التضييق على أي لغة أخرى، وإنما المكانة الأساس للعربية باعتبار التاريخ وباعتبار المتكلمين بها، وباعتبارها مقوّما من مقومات الوطن .

فهل يمكن أن يوجد نفرٌ ممن يجعلون هذا الأمر واحدا من همومهم الحضارية الجميلة ويعكفوا مجتمعين وفرادى على دراسة الخطط المناسبة لهذا الأمر الجليل، والتفكير السليم الجاد سيقود حتما إلى وضع تصوّر جامع واقعي يرضي الجميع ويحقق المطلوب في سنوات قليلة.. فمن لها؟

رابعا: وجوب التعاون الحقيقي المُثمر بين مؤسسات متخصِّصة كالمجلس الأعلى للغة العربية والمجامع اللغوية والمخابر المتخصِّصة أيضا في الجامعات، وكذا كليات الآداب واللغات بأساتذتها وخبرائها وطلابها وطالباتها، وهم ألوفٌ مؤلفة فيهم أرفع المقتدرِين وأقوى اللغويين وأكبر القامات من أهل الاختصاص. إن تعاونها سيحقق الكثير، ليس بتكثير سواد المهتمِّين والمشتغلين فقط، بل بخططٍ عملية تحقق للعربية علوّ المكانة ودوام الاستخدام، والارتقاء بالأداء اللغوي والذائقة اللغوية وتوسيع دائرة جماليات العربية في النفوس والعقول.. وينبغي أن تكون له ـ أيضاـ خطط وبرامج وأنشطة وفعاليات.. والأمر متيسِّر لو حسُنت النيات.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
7
  • seddik

    al mochkil alisa fi an tabdaa mina assifr wa lakin al mochkil houwa an tabka fi assifr fa man badaa yantahi wa yokallilo yawman ma

  • seddik

    indama kanat athawra kana achohadda yokhatibouna abnaa watanihim bi al arabia fa istajabou wa labou an nidaa wa fi istiklal nara attaali alaina bi loghat al mostaamir wa kaanna bi chab al jazaier batard wa lam yakon yaarif al kalam naam man faalou hada hom al khawanato hakkan fal firansi youaddim al almania mthala wa hia loghat at tiknologia

  • Dragados

    يحاول القومجيبن تضليل القراء عبر جعل المشكلة اللغوية قائمة بين ضدين هما : ( اللغة العربية ) و ( اللغة الفرنسية ) بينما هي في الأصل قائمة بين ( اللغة الأمازيغية ) باعتبارها اللغة الأصلية للجزائر و بين ( اللغة العربية ) باعتبارها لغة وافدة اليها مثلها مثل باقي اللغات القادمة مع الغزاة كالفرنسية و الاسبانية الخ
    الاسبان وفدوا الى الأرجنتين بلفتهم الاسبانية لكنهم لم يجعلوا الأرجنتينيين ( اسبان ) لمجرد تحدثهم بالاسبانية ، و البرتغاليين اوفدوا الى البرازيل بلفتهم البرتغالية لكنهم لم يجعلوا البرازيليين برتغاليين لمجرد تحدثهم بالبرتغالية ، و النيجيريين ليسوا انجليز لمجرد تحدثهم بالانكليزية

  • أنا

    إلى (فريد) : الجزائر بلد اللغة العربية رغماً عنك و هي لغة القرآن و لغة سيدنا محمد صلى الله عليه و سلّم شفيعنا يوم الدين و من لا يحبها فليراجع نفسه قبل فوات الأوان.

  • أنور freethink

    أشياء لم تذكرها ، يجدر الإشارة إليها ، تدريس القرآن كاملا في الصغر ، كما كان أجدادنا يفعلون ، بحيث يكتسب الطفل عشرات الآلاف من الكلمات في صغره ، وأيضا ، الحافز الإقتصادي ، فالإنجليزية أغلب توسعها كان بسبب الحافز الإقتصادي ولذلك تنمية التجارة الخارجية بالعربية مع دول عربية قد يساعد في ذلك ، إضافة إلى الإدراة والإقتصاد الداخلي .
    أيضا، الثقافة، الإنتاج الكرتوني والسينيمائي والتلفزيوني ،والموسيقى والرواية والكتاب العلمي المتخصص والتراجم ..الخ.
    فهم العربية جيدا ، هو أول سد ضد التطرف، إذ من يتمكن فيها ويدرس التفسير بفكر حر، يفهم القرآن جيدا، ولن يضلله أحد.
    وهي السيالة العصبية للمجتمع.

  • فريد

    بمعنى نعاودوا نرجعو لصفر، ومن قال لك ان اللغة العربية موطنها شمال افريقيا، كلامك مجرد احلام واوهام بعيد عن المنطق والعقلانية،

  • محمد

    بصراحة ما رأيك في معلمي اللغة العربية من الابتدائي إلى الجامعة وفي جميع المواد لا يرون تدريسهم قد وصل إلى الهدف المنشود إلا حينما يتحفون سامعيهم بمفردات فرنسية لا يحسنون حتى النطق بها سليمة أما كتابتها فحدث ولا حرج.السؤال الغريب الذي يجب طرحه هل كان لأبنائنا الذين لم يعيشوا مع الفرنسيين ولم يعرفوهم سوى عن طريق وسائل الإعلام هل كان لهم أن يبرزوا تحضرهم إلا بلغة يجهلون حتى قواعدها الإنشائية؟إنهم يفعلون ذلك لأنهم لم يتوصلوا رغم تعلم لغتهم العربية أكثر من عشرين سنة إلى اكتشاف محاسنها وجمال فنونها الحضرية.أما المدافعون عنها لما ينهزم مؤيدو فرنسا عندنا فلا ميزة لهم سوى الخذلان يوم تتلاطم قوة الأفكار