-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

تقرير ستورا وعودة الخطاب الاندماجي

تقرير ستورا وعودة الخطاب الاندماجي
ح.م

أثار تقرير بنيامين ستورا حول “مسائل الذاكرة المتعلقة بالاستعمار وحرب الجزائر”، المقدم للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في 20 يناير 2021، العديد من ردود الأفعال. في هذا الإطار، نشر الأستاذ الهواري عدي مقالا في يومية “ليبرتي”، الصادرة بالفرنسية في الجزائر يوم 28 يناير 2021، اخترت أن أتحدث عنه لاعتقادي بأنه يعبر عن إيديولوجيا فرنسية- جزائرية معينة تعمل عملها فيه وفي تقرير ستورا معا. وبالنتيجة، يكشف لنا الأستاذ عدي، دون إرادة منه، مصادر هذا التقرير الخفية.

هذه الإيديولوجيا هي، في الواقع، نسخة مكررة للتصورات الاندماجية القديمة، في قالب جديد بالكاد، أظهر التاريخ عيوبها ووفر انهيارها إمكانية إضافية لفتح الطريق إلى تحريرنا. لنتابع.

بنيامين ستورا: مؤرخ رسمي

بدأ الأستاذ عدي مقاله وختمه أيضا بنقل فقرة تعكس بدقة التوجه الرئيسي الذي يحكم تقرير ستورا: “إن الجزائر لا تنتظر من فرنسا أن تعتذر أو تندم أو ما هو أقل من ذلك، كتقديم تعويضات مالية. إنها تنتظر من هذا البلد العظيم أن يساهم في تنميتها الاقتصادية (…)، وأن يستقبل مزيدا من الطلبة…”.

يا لها من جسارة! كيف سمح الأستاذ عدي لنفسه بالتكلم باسم الرأي العام الجزائري حول هذه المسألة وبأن ينسب إليه رأيه الخاص؟

وعلى كل حال، نلاحظ أيضا أنه يقترح علينا أن نبقى سجناء العلاقات الاقتصادية القديمة والإطار الاستعماري عموما، وهذا في الوقت الذي يشهد العالم تغييرات في غاية الأهمية، على مستوى الاقتصاد والسياسة والعلوم، يكشف عنها صعود الصين والهند وبلدان أخرى عديدة.

وقد جعل الأستاذ عدي من تعيين ستورا فرصة لإطلاق سلسلة من الانتقادات تتعلق بالطريقة التي تتم بها، حسبه، معالجة التاريخ في الجزائر. جاء أول تلك الانتقادات على شكل مقارنة بين قرارَيْ رئيسَيْ فرنسا والجزائر: في فرنسا، يقول الأستاذ عدي، تم اختيار مؤرخ، بينما في الجزائر تم اختيار موظف في الدولة (مدير الأرشيف الوطني)، لأن السلطات الجزائرية “تجعل من الماضي ذاكرة مسيرة إداريا”.

بقيةُ المقال تدفعنا إلى الاعتقاد بأن الأستاذ عدي لم يطرح هذه النقطة، في الحقيقة، سوى لكي يوفر لنفسه فرصة إبداء احتقاره للمؤرخين الجزائريين، مستثنيا منهم أولئك الذين أشار إليهم بالاسم وهم فرنكوفونيون، بعضهم مقيمٌ مثله في فرنسا. لم يأت على ذكر أي مؤرخ جزائري من بين من أفنوا حياتهم باحثين في مصادر تخصصهم باللغات القديمة والحديثة ومكونين لأجيال من المؤرخين الشباب باللغة العربية، من بينهم في مقدمة الأحياء والأموات، أبو القاسم سعد الله، لقبال، قنان، سعيدوني، شنيتي، بوبة مجاني، بن نعمية، عائشة غطاس، خالد كبير علال…

يجب التذكير بأن نفس الاحتقار كان وراء بروز شعار “شعوب بلا تاريخ” الذي كيّفه الرئيس الفرنسي الأسبق، جيسكار ديستان، حين قال أثناء زيارته للجزائر، في أبريل 1975: “فرنسا التاريخية تحيي الجزائر المستقلة”.

أشار الأستاذ عدي ثلاث مرات على التوالي إلى أنّ ستورا كتب تقريره حول موضوع الذاكرة بطلب رسمي من رئيس الدولة الفرنسية، من دون أن يتطرق إلى سبب هذا الاختيار. لماذا ستورا بالذات؟ هل تم اختياره فقط لأنه مؤرخٌ تخصص في تاريخ الجزائر المعاصر؟ أم لأنه “المؤرخ الذي يهمس في أذن الرؤساء” الفرنسيين، كما يقال عنه، والذي رافق كلا من الرئيس هولاند ثم الرئيس ماكرون خلال زيارتيهما إلى الجزائر؟ أم لأنه وُلد في الجزائر من عائلة يهودية متجنسة غادرت إلى فرنسا بعد 1962 وأصبحت معنية بما يسمى هناك “مطالب جماعات الذاكرة”؟ أم لأنه تولى عدة وظائف حساسة في الدولة الفرنسية مثل عضوية “مجلس توجيه المدينة الوطنية لتاريخ الهجرة” وعضوية مجلس إدارة “الديوان الفرنسي للهجرة والإدماج” ورئاسة “المتحف الوطني لتاريخ الهجرة”؟

باختصار، ألا يمكن وصف ستورا بالمؤرخ الرسمي؟

وعلى ذكر الهجرة ووضع المهاجرين من ذوي الأصول المغربية والإفريقية في فرنسا، والموصوف بـ”الانديجينا الجديدة”، أشار الأستاذ عدي إلى ضرورة العودة إلى الأسباب الاجتماعية الكامنة وراء ذلك الوضع التمييزي، لكنه انتقل بسرعة إلى الحديث عن استمرار تأثير الإيديولوجيا الاستعمارية الفرنسية في المجتمع الفرنسي محمِّلا مسؤوليته إلى اليمين وحده تقريبا. ثم صاغ فقرة طويلة قدَّم من خلالها النظرية التالية: “سيظل بيجو وقالييني من أبطال القصة القومية ما دام الفرنسيون من أصول مغربية وإفريقية لا يشكلون قوة اجتماعية في الاقتصاد وفي الوسائط السمعية البصرية وفي الجامعة، ولا يحوزون على نفوذ في الحقل الانتخابي”. إننا نقرأ هنا، في الواقع، وثيقة إقرار واضح بأن العلاقة الاستعمارية متواصلة من خلال الوضع الذي يعيشه هؤلاء المهاجرون.

أثناء النصف الأول من القرن العشرين، كان زعماء اليسار يعِدُون أبناء المستعمرات بأن الطبقة العاملة الفرنسية سوف تحررهم من السيطرة الاستعمارية؛ وها هو الأستاذ عدي يقول لأحفادهم، في الربع الأول من القرن الواحد والعشرين، بأنهم سوف يحررون فرنسا من الاستعمار.

وأدان الأستاذ عدي ما يعتبره “استمرار الطرف الجزائري في اختزال فرنسا في بُعدٍ واحد، هو الاستعمار، كما لو كان الاستعمار جوهرا ثقافيا، بينما هو ظاهرة تاريخية مرتبطة بولادة الرأسمالية”. بالرغم مما يزعمه في آخر هذه الجملة المضطربة، ينتسب الأستاذ عدي، كما أشرنا أعلاه، إلى من يدافعون عن الشكل الثقافي للاستعمار الفرنسي. وقبل أن نرى المزيد، ينبغي أن نقف الآن على محاولته، التي سبق لغيره القيام بها منذ عشرينيات القرن الماضي، لفصل فرنسا، بل الدولة الفرنسية، عن النظام الاستعماري، حتى لا يبقى جيشٌ استعماري ولا إدارة استعمارية ولا مجازر مرتكبة لنزع الملكية ولا استيطانٌ ولا اقتصاد استعماري ولا ثقافة استعمارية ولا بحث جامعي استعماري… باختصار، حتى لا يبقى بعد ذلك الفصل إلا من يشير إليهم الأستاذ عدي بعبارة “أغنياء المستوطنين”، كما لو كان هؤلاء يسبحون في فراغ تاريخي.

إن إرادة تبرئة فرنسا من خلال التفريق بين الدولة الفرنسية والاستعمار نعثر عليها، كما هو معلوم، لدى الطرف الفرنسي في كل مناسبة رسمية. لقد سبق للرئيس هولاند أن قام بالتنديد بالنظام الاستعماري وليس بالاستعمار الفرنسي، أثناء زيارته للجزائر في ديسمبر 2012، وكذلك فعل الرئيس ماكرون، أثناء زيارته للجزائر في 2019، إذ ندد بالاستعمار بوصفه “جريمة ضد الإنسانية” قبل أن يتراجع، لكنه لم يندد بالاستعمار الفرنسي. يجري على الدوام تعويض هذه العبارة بعبارة “النظام الاستعماري” الغامضة، فيصبح الاستعمار، بالنتيجة، وكأنه قضاءٌ وقدر لا يتحمل أحدٌ مسؤوليته، ما عدا التاريخ.

ومع ذلك، إن أخطر ما جاء على لسان الأستاذ عدي في مقاله هو، من دون شك، إيحاؤه بأن الجزائريين لم يكونوا بحاجة إلى مكافحة الاستعمار الفرنسي حين كتب: “كانت إزالة الاستعمار قد أصبحت حتمية بعد هزيمة النازية.” كم هو سهلٌ التنبؤ بما حدث في الماضي! ولماذا التوقف في نهاية الحرب العالمية الثانية؟

لقد قام الأستاذ عدي بذلك حتى لا يخوض في موضوع حرب التحرير الجزائرية وما نجم عنها من شرخ عميق في وعي الفرنسيين- الجزائريين. كما أنه قام بذلك أيضا حتى يتمكن من القيام بعملية جمع بين العديد من الأسماء والحركات: جورج كليمانصو، الذي ارتبط اسمه بإصلاحات 1919، الهادفة إلى تكوين نخبة فرنسية- جزائرية، الحركة العمالية السياسية والنقابية الفرنسية، فرحات عباس وعبد الحميد بن باديس، كاتب ياسين و حركة نشر اللغة الفرنسية في الجزائر بعد 1962.

يذكِّرنا هذا التركيب بأسطورة “الأمة في طور التكوين” في الجزائر. بهذا الصدد، يجب ألا نستغرب إلحاح الأستاذ عدي على إنكار وجود “جوهر ثقافي” في الاستعمار الفرنسي، لأن هذا البُعد يكتسي أهمية قصوى بالنسبة للنخب الفرنسية- الجزائرية التي تدين له بوجودها وكذلك بنفوذها. من جهة أخرى، يؤكد ذلك الإلحاح، مرة أخرى، على استمرار الأستاذ عدي في السعي لتجريد الاستعمار من مادته الحسية، وصولا إلى تبرئة فرنسا بالنتيجة. هل المصالحة مشروطة بالقبول بهذه النتيجة؟

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
2
  • tadaz tabraz

    ستورا على الاقل قام بعمله . قدم تقريره . وقال كلمته ... بغض النظر عن نوعية العمل الذي قام به : مقبول أو غير مقبول . ..... لكن أين هو نظيره الجزائري عبد المجيد شيخي ؟؟؟ لا تقرير ولا تصريح ... !!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!

  • عبد الغني بوصنوبرة

    بالمقابل اين تقرير الطرف الجزائري و بالتالي معرفة وجهة النظر الرسمية الجزائرية ام اننا نتحرك في اطار ردود الافعال و لماذا لم يقع الاختيار على مؤرخ جزائري ذي مؤلفات و كتب و بحوث و مقالات متخصصة نضاهي به المؤرخ الفذ بنجامين سطورا و اختير من اختير