-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

تلغيمٌ لغوي لتفجير اجتماعي

عمار يزلي
  • 1087
  • 0
تلغيمٌ لغوي لتفجير اجتماعي
ح.م

لا أحد يستطيع أن يقنعني اليوم بأن البلاد بخير أو أنها تتعافى من خير إلى خير منذ أن رحل العربي بلخير.. فقد قرأت الحلقات الأولى لمذكرات الرئيس الشاذلي وفهمت ما كنت أفهمه ولا أعرفه، فهمت أن المصالح كانت وراء الاختفاء اشتراكية بومدين، رجال لا يؤمنون بها وإذا آمنوا بها لا يطبقونها وإذا طبقوها “يكفسون لها جد والديها”.

عنصر اللغة الذي يراد له أن يكون حصان طروادة، كان صنيع فرنسا من زمان. أولم يحدث الانقلاب على الشاذلي قبيل أسابيع فقط من مشروع وحدة مع ليبيا؟ أولم يقبر بوتفليقة قانون تعميم استعمال اللغة العربية الذي بعثه زروال مجددا، بعد سنوات من التجميد، وعمَّم استعمال الفرنسية بدل العربية؟ ألم يمرّر أيضاً الأمازيغية بمرسوم وليس باستفتاء؟

اللغة الفرنسية مسألة استراتيجية لفرنسا وأتباعها في حزبها هنا… الفرنسية، في أحضان بوتفليقة صارت لغة “وطنية” فيما تحولت العربية إلى لغة وثنية. عمل بوتفليقة ترضية لفرنسا على المساس بعناصر الهوية ربحا لاستقرار كرسيّه هو، غير مبال بما يلي بعده، فكل من ترضى عنه فرنسا باق، وكل من تغضب عنه أمُّه لا يقيه واق.

وجدت نفسي مرة، إزاء تكسير القواعد، أغيِّر شفرة لغة بيتي اتقاءً للتسريب: أكسر العامية وأتعامى عن التكسير.. وجدت نفسي أتلقى مكالمة من ابني يسألني فيها عن مسائل داخلية بعدما سافرت أمه ولم تترك له ما يأكل وأنا أيضا، وحولي الدرك في حالة استنفار لوجود إرهابي مسلح بالمنطقة. قلت له في الهاتف الذي كنت أخفيه وأهتف من تحت معطفي الكاكي الخشن خوفا من زخات المطر محتميا بجدار مخفر كانت الحراسة فوقها وتحتها وبين الإسمنت والبريك، لا تكف عن الحركة: قلت له: اسمع، راني قريب ننفذ العملية عن بُعد، راه عندك المودباص، أدخل للسيت، وكليكي على القراص. قبل هذا، تأكد بللي حتى واحد ما شافك. الفولفو راها تسنى فيك برة. هي خفّ، من بعد راني نكون عندك.”

في هذا الوقت، كنت بين أيديهم، بين أيدي الدرك وقد لووا ذراعيّ، ووجدت نفسي في مركز تحقيق أقدم أسئلة بدل إجابات.. فأنا من كان يبحث عن الإجابة أكثر من غيري. وجدت تهمة “الإرهاب” جاهزة، ومصيري معلق بين هاتف ورقم وتفسير غامض لمدونة لغوية لم يفهمها أحد. قلت لهم أني كنت بصدد التحدث مع ابني الذي لم يجد ما يأكل فاتصل بي مستفسرا فقلت له بأني سأنفذ العملية قريبا، أي أني “قريب من البيت لشراء الدجاجة المشوية التي يحبها” (والتي سمعوها على هذا النحو: “راني قريب ننفذ العملية عن بُعد”)، وأنه عندك المفتاح (مودباص) وادخل للسيت (المطبخ)، وحل الكونجيلاتير (كليكي على الزناد)، وتأكد بأنك لم تترك الكنجيلاتير مفتوحا.. (لأن الباب كان لا يُغلق بشكل جيد، ما يجعله يتثلج أكثر من سيبيريا)، سوف تجد الحريرة مجمدة أتركها تسخن في الخارج. (في الأصل: الفولفو راها تستنى فيك برة.. لأنه في حومتنا، عندنا شاحنة خاسرة مصدية من 63 وهي برة).

حين فهموا هذا “المورس” الملغم، وأفهموني أنهم “ما يحبوش يفهمو”، قررت أن أعود إلى قواعد اللغة لأكون مثلي مثل الآخرين الذين علّمنا منطق الطير منذ نعومة أظافرنا وعلمنا كيف نتكلم ومثل ما يراد لنا أن نتكلم.

لهذا، علينا أن نعود إلى قواعد لغتنا.. عربية وأمازيغية.. لكن بروح وطنية.. لا رائحة لفرنسا فيها.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!