-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

توزيع المنح والتربصات والمكافآت في تعاونيات الثورة الزراعية الجامعية

توزيع المنح والتربصات والمكافآت في تعاونيات الثورة الزراعية الجامعية
ح.م

 في جامعاتنا الجزائرية -وجميع الأساتذة يعرفون ذلك ويصرحون به علنا- لا يهم أن تعمل أو لا تعمل، أن تواظب على الحضور أو أن تتغيب عادة أم عمدا، أن تكتب أو لا تكتب، أن تُؤلف أو لا تُؤلف، أن تنشر أو لا تنشر، أن تقدم كتابا علميا محترما للطلبة، أم ترمي لدى حوانيت الطباعة مطبوعة هزيلة، أن تلتزم بالحضور قبل مجيء الطلبة، أم تأتي متأخرا ولا يهمك أمر التكوين والتعليم، أن تستهلك الحصة في التعليم والتدريس والتربية، أو أن تسرق  نصفها بالحكايات والتفاهات الفارغة أو بحجة تلقي مكالمة مهمة ويجب عليك الاستئذان والخروج، أن تشارك بمداخلة في مؤتمر دولي ترفع اسم جامعتك والجزائر عاليا، أم تتقاعس وتتخاذل وتجلس في المقاهي وشاشات الحاسوب تغتاب وتنتقد الرجال الذين يعملون بكبرياء وصمت..

سيَّان كل هذا في جامعتنا الجزائرية، أن تكون نبيلا أصيلا متميزا، أم حقيرا ومهرِّجا منتفعا.. لأن معايير التفاضل غائبة ومُغيَّبة، وموازين البروز والانتقاء عادمة ومعدومة، وضوابط التقديم والتأخير والتصدير والتصنيف غير مكترثٍ بها البتة، لأن معاييرنا الجامعية –للأسف- معايير بدائية شوفينية متعصّبة منغلقة، معايير قبلية وعشائرية وأسرية وجهوية مقرفة، ومعايير شللية نفعية وتحالفية آنية مكسبية دنسة، معايير لا تُقيم وزنا ولا مكانا للعلم وللإنتاج العلمي، أو المعرفة والثقافة وللإنتاج المعرفي والثقافي والأدبي أهمية، فضلا عن تقييم للموازين المهنية أو الدينية الأخلاقية اعتبارا. معايير لا تأبه حتى بالقوانين الوضعية والمراسيم الأساسية واللوائح التنظيمية التي يخفونها في قراطيس ويبدونها فقط لمن يريدون معاقبته أو تحطيمه أو تحويله إلى المجلس التأديبي وأخلاقيات المهنة زورا وعبثا، لأنه خرج عن طوق القبول بالأمر الواقع التافه والمرذول الجامعي السائد.. أو ندد بفداحة وشناعة الحاضر، وقتامة ورداءة الماضي الغابر، وكارثية وعدمية المستقبل..

وهو –للأسف الشديد-  الوضع الذي تسكت عنه النقابات الجامعية بمختلف أصنافها، بل تتجاهله البتة، ولا ترفعه في وجه السلطة، إلاّ حالما أُغري ممثلها وعصبته بمنصب أو ترقية أو منافع سياسوية ومنفعية ضيقة وآنية خاصة هو وشلته.

وتعالوا أتلو عليكم صورا مؤلمة من واقع الجامعة العلمي والمعرفي والأدبي والثقافي والديني البائس جدا والمؤسف جدا..

1 – المنح والتربصات:

الجميع يعلم أن كل الأساتذة -الذين يُعَدُّونَ في كل كلية بالمئات- يحصلون على منحة التربص بشكل تلقائي وطبعي واعتيادي وآمن، ولا تتحرك خواطرهم خشية أو خوفا من أن تحرمهم الإدارة من الاستفادة منها إذا جاء دورهم من الاستفادة في تعاونيات الثورة الزراعية البائدة، لأن الإدارة تخشى مكر وانقلاب وثأر عصباتهم، وتخاف من تكتلاتهم وارتباطاتهم وتحالفاتهم الرخيصة على مثل هذه الشنائع والأموال الحرام في حال فكرتْ في حرمان واحد أو مجموعة من المستفيدين، هذه المنح التي تُشترى بها الذمم، وتُسكتُ بها الأفواه، فالحصول عليها أمرٌ سهل وميسَّر، المهم أن تكتب طلبا وتحدد الوجهة (دبي، إسطنبول، ماليزيا، باريس، لندن، روما..)، وأن تنتظر أن يجيء دورُك في القائمة، ولا تحتاج أن  تُكلف نفسك لتقديم بحث علمي محكم، ولا كتاب منشور في سلسلة علمية محكمة، أو عرض بحث متميز أُلقي في مؤتمر دولي خارج الوطن، أو مقال علمي كُتب في مجلة من المجلات العربية والإسلامية، أو مقال كُتب في جريدةٍ وطنية يومية أو أسبوعية..

وهذا أطرف وأشنع وأسوأ عملية شراء للذمم وتوزيع للأرباح على مستفيدي مؤسسات وتعاونيات الثورة الزراعية الجامعية المفلسة، فمتى تستيقظ السلطة إلى شناعة هذه الممارسات، وترتقي بعض الشيء في ممارساتها تجاه من بقي محترما من النخبة الجامعية، وتقتصر على منح التربص لمن هو أهل له، بحيث يقابله إنتاجٌ معرفي يليق بمكانة الأستاذ الجامعي كما هو في بقية الجامعات العربية والإسلامية. هذا أحد أوجه مساير ومؤشرات التعرف على نية السلطة الحسنة والجهات الوصية حيال الرؤية المستقبلية لإصلاح حال الجامعة المنكوبة، وفي انتظار ذلك نمرُّ إلى حقل آخر من حقول تعاونيات الثورة الزراعية المفلسة.

2 – مخابر البحث العلمي:

الجميع يعلم أن جُلّ الأساتذة الجامعيين الذين يملؤون المشهد الجامعي الفارغ اليوم ليسوا بباحثين أصلا، ولم يتكوّنوا ولم يتدربوا على مزاولة البحث أصلا منذ سنهم المبكرة، فضلا عن أن يكونوا قد تلقوا خلال مسارهم الجامعي الأجوف تكوينا منهجيا يؤهِّلهم للبحث العلمي الأكاديمي المنضبط والمتميِّز والمثمر، بل إن طريقة مرورهم إلى الجامعة سرعان ما تكشف لنا بوضوح إن كانوا هم المؤهلين الحقيقيين للفوز بتلك المناصب الحساسة، إذ أن معايير الاختيار والانتقاء غير متحكم بها، أمام تيار الفساد الطاغي في رحاب الجامعة، وعليه فجلُّ الشاغرين للفراغ الجامعي البحثي من هذا الصنف الرديء، ولاسيما بعد رحيل جيل العمالقة من أمثال: (أبو القاسم سعد الله وتركي رابح ويحي بوعزيز ومحمد الصغير غانم و..)، عدا من بقي حيا منهم كـ(ناصر الدين سعيدوني وعبد الرزاق قسوم وعمار طالبي..) ولِداِتهم من الأكابر ومن أبنائهم الروحيين وتلامذتهم المخلصين والأوفياء المتواجدين والمرابطين على آخر ما تبقى من نقاوة ركح الفضاء الجامعي النبيل.. والسبب بسيطٌ جدا في كشف حقيقة هؤلاء الشاغرين للفراغ البحثي الجامعي، وذلك لعدم تقديمهم لأي إنتاج معرفي أو علمي أو منهجي معتبر ومهم وقيِّم في المشهد الجامعي عدا العشرات منهم من بين عشرات الآلاف من المستفيدين من تعاونيات الثورة الزراعية المفلسة.

وحال المخابر العلمية الجامعية اليوم يائس وسيئ ومؤلم جدا، هذه المخابر التي تتصايح وتتعالى بها بيانات السلطة في مناسبات التباهي والتفاخر بالأسرة الجامعية في افتتاح الموسم الجامعي كل عام، والتي تبيِّن فيها حرص السلطة على تشجيع وتمويل ودعم البحث العلمي الذي –طبعا- لا يُنتج شيئا، سوى إشغال وإلهاء وتسلية المتفرغين للانقضاض على المال العام بهذه الطرق الوضيعة جدا، تلك المخابر التي تُصرف فيها الملايين بل المليارات من دماء الأمة الجزائرية المقهورة، وفي نهاية الخمس أو الست سنين من إهدار المال العام.. لا تُقدِّم تلك المخابر شيئا يُذكر من الناحية العلمية والمعرفية والمنهجية والتاريخية والبحثية والقيمية والأخلاقية والدينية.. والجميع يعرف كثيرا من وحدات البحث ومخابر البحث العلمي بمختلف الصيغ طيلة سبع سنين ولم تقدم –للأسف- شيئا علميا يُذكر مع استهلاكها للمليارات دون أن تتحرك السلطة، وتنزع حتى اللافتات التي يُصدر بها لصوص المال العام بوابات الغرف التي يشغرونها في الكليات والجامعات، والتي تحمل عنوان (مخبر فلان في دراسات وأبحاث كذا وكذا وكذا…) طبعا من الفراغ وسرقة المال العام.. بل لا يجرؤ أي مسؤول أن ينزع تلك اللافتة حتى بعد إغلاق وإنهاء صلاحية وقانونية هذا المخبر المزعوم، لأن فلانا له يدٌ طولى لدى الجهات الوصية.. ويُخشى من مكره وانتقامه..

وصار اليوم مسؤولو البحث العلمي يرسلون إلى أصحاب المخابر –وأنا واحد منهم اعتمد مشروعي سنة 2019م- وثيقة متواضعة أيام العطلة، ويطلبون منه ملأها وإرسالها بسرعة على البريد الإلكتروني نفسه، وقبل حلول الساعة الخامسة من مساء يوم السبت، وإلاّ عُدَّ مشروعُه مرفوضا، ولن يصير له حق التمتع بالمكافآت المالية، وللأسف لا تطلب الوثيقة المُرسَلة التعرف على حجم وكمِّ المنجَز من البحث المسجل، وإنما يُطلب منه فقط أن يملأ وثيقة ولو كذبا –وللعلم لم أرسلها ولم أملأها- يدَّعي فيها أنه هو وأعضاء فريقه قد حضروا مؤتمرا دوليا أو مغاربيا أو وطنيا، أو ساهموا في كتابة مقال أو بحث في مجلة فقط، أما الاطلاع والتعرف على مسار البحث وضرورة إرسال المنجَز منه فلا يلتفتون إليه البتة، لأن الأصل هو تقديم مساعدة مالية للأستاذ وطاقمه الفني من المال العام، وتلويثه وتوريطه في تهمة نهب المال العام، حتى لا يجرؤ على فغر فيه بكلمة الحق، لأنه يكفيه أن يملأ الورقة ويدّعي فيها دون تقديم تبرير أو وثيقة تُثبت ذلك ليُدخلوا اسمه –المسكين- تلقائيا في المتمتعين بالريع العام، ويندرج اسمُه في قائمة آكليْ المال الحرام إسلاميا، ويصير من المطلوبين يوما ما أمام العدالة بتهمة الفساد ونهب المال العام على ضآلة ما نهبه أمام أباطرة الفساد وقياصرة النهب، وأكاسرة السرقة، والكل يعلم أن جُلَّ الأساتذة لا يكتبون ولا ينشرون ولا يحضرون الملتقيات إلاّ لمناسبات الترقية فقط.

وهذا أسوأ وأرذل ما يسقط فيه الأستاذُ الجامعي الذي هو في مرتبة ورثة الأنبياء والمرسلين والصحابة والتابعين في تعليم الناس وإرشادهم إلى العلم والخير، وتنوير طريقهم والأخذ بيدهم نحو الأفضل.. فمتى ترعوي السلطة وترتدع تلقائيا ومن نفسها عن مثل هذه الممارسات الشعبوية وتكف عن توزيع المال العام على مستخدمي تعاونيات الثورة الزراعية البالية البائسة، التي جرّتْ على أمتنا الجوع والاستيراد بعد أن كنا نموِّل السوق الأوربية المشتركة بالغذاء؟

وهذا أحد أوجه التعرُّف على نية السلطة الحسنة والمستقبلية للتعامل مع هذا الملف العلمي المقدَّس الذي لا يحسنه هؤلاء المستفيدون في الفراغ؟ مع صمت النقابات عن التنديد بمثل هذه الممارسات الوضيعة.

3 – المجلات والمنصة:

المجلات الجامعية الجزائرية بما فيها المصنفة على المنصة مطعونٌ في مصداقيتها، وهي غير مصنفة حسب المعايير العالمية، بل حسب المعايير العربية والإسلامية، لأنها كلها تشترك في ارتكاب موبقة وخطإ علمي ومنهجي وإداري ومعرفي كبير، وهو السماح لرئيس ومدير وهيئة التحرير بالنشر فيها أثناء توليهم إدارتها في فترة العشر أو العشرين سنة التي يهيمنون عليها بالطرق الفاسدة، وهذا أكبر مطعن يُسقطها من التصنيف، ومعه تُطرح الأسئلة التالية: من حكَّم لكم؟ وهل ثمة سرية في التحكيم؟ ولمن أرسلتم التحكيم؟ وكيف تم اختيار المحكمين؟ وغيرها من الأسئلة التي يجب أن تتعلموها من المجلات العربية والإسلامية المصنفة.. ما يطعن في مصداقيتها كلها، لأن هذا الإجراء والشرط معمولٌ به في المجلات العالمية، فلا يحقُّ لرئيس ومدير وهيئة التحرير النشر فيها طيلة فترة إدارتها، عدا كلمة الافتتاح لرئيس التحرير، وكلمة التعريف بموضوعات المجلة لمدير التحرير. ثم يأتي المطعن الثاني المخالف لما هي عليه المجلات العالمية المصنفة وهو تصدير موضوع رئيس التحرير في الغلاف كعنوان متميِّز وعريض.. وفي الصفحات الأولى من المجلة، وكذلك شلة التحرير المستفيدة من الوضع والمرحلة، وبالتالي لا قيمة ولا مصداقية لهذه المجلات لدى الجهات الجامعية والعلمية الأكاديمية المحترمة والمنضبطة بالمعايير.

أما المنصَّة الإلكترونية فهي ألعوبة، بل ملعبة لدى قوى خفيَّة تعمل في جهازها وكادرها التكنولوجي، فثمَّة مجلات وأبحاث تجدها على المنصة، ويمكنك فتحها، وثمة أخرى لا يمكنك فتحها البتة، ويتم إخفاؤها عن القراء والباحثين، ونحن نتساءل عن بحث ما نُشر في عدد من المجلات، ثم نفتح المجلة فنجد كل الأبحاث، كما نجد ملخصاتها، وإذا ذهبنا إلى البحث الذي نريد البحث عنه لا نجده، أو يخرج لنا مجرد صور ورسومات، فيُحجب عن الباحثين.. و(المثال العملي متوفر عن المنصة) فأي مصداقية لهذه المنصة؟ ننتظر الجواب وحسن النية من السلطة اتجاه هذه المنصة.

وللألم الجامعي قصة باكية مازالت جروحُها تنزف يوميا مع عمليات التشويه والمسخ للمعارف والعلوم الجامعية العالية في معضلة توزيع مقاييس الدراسة على من لا يستحقها، ومن هو ليس أهلا لها، في الحقلة القادمة إن شاء الله.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
1
  • إسماعيل الجزائري

    أكثر كلامك صواب يا سي عيساوي.