-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

توفير مزيد من الأحذية لحَراك بلا حاذ

حبيب راشدين
  • 1734
  • 4
توفير مزيد من الأحذية لحَراك بلا حاذ
ح.م

كانت جمعة الأمس آخر جمعة في “حَراك” يكمل اليوم عامه الأول مُكرَّما بقرار رئاسي أضاف إلى أيامنا الوطنية الكثيرة يوما يحتفل فيه بـ”التآخي بين الشعب وجيشه” في ما يشبه إنكار السلطة للشعارات التي يرفعها بقايا الحراك ضد الجيش، مع راية مستنسَخة لعلم “الماك” الانفصالي، ودورانه في حلقة مفرغة، تستبطن دعوة الإطاحة بالعهدة الأولى للرئيس تبون والدخول بالقوة في “مرحلةٍ انتقالية” تسوِّق اليوم لشتات الحراك كـ”نهاية للتاريخ”.

لا حوار مع السلطة على ما تعتبره زعامات الحراك “حقوقا مكتسبة” يقول السيد مصطفى بوشاشي في لقاء مع قناة “بربر تيفي” حتى تفتح السلطة للحراك أبواب العاصمة يومين في الأسبوع، ويعود “الإخوة” من الدرك إلى ثكناتهم، ويسرَّح النشطاء المعتقلون، وتحرّر القنوات التلفزيونية خالصة لقيادات الحراك والمجتمع المدني، ثم لا يُقبل من السلطة أقلّ من “تسليم السلطة” وهي صاغرة لـ”شعب الحَراك المختار”.

هذا هو ملخَّص الخطاب السائد في شعارات “جمع الحراك” وقد أجمل جملَه المفككة المحامي بوشاشي، ونقرأها تباعا في ما صدر حتى الآن من مبادرات تتغذى من بعضها البعض لما يُسمَّى بـ”البديل الديمقراطي” الرافض لحكم الأغلبية عبر الصناديق، وقد دخل بدوره في حالة إنكار للواقع القائم منذ 12 ديسمبر، باستعادة النظام للمبادرة في الداخل والخارج، ودخوله في مسار إعادة بناء مؤسسات الحكم تبدأ من تعديل الدستور.

ومن جهته، يكون النظام قد علق في حالة إنكار لما آل إليه الحراك من تطرُّف، ومن انطواء مرضي على قناعات مستغرقة في معاداة هوية الرأي الغالب في المجتمع، تجعل من أي حوار معهم أشبه بـ”حوار الطرشان” إلا إذا كان هذا التطرُّف والهروب إلى الأمام هو محض تكتيك لتمرير ابتزاز ينقذ لنخبة الحراك ما يمكن إنقاذه، خاصة أن ما بقي من الحراك قد فقد دعم بعض أحزاب المعارضة من الإسلاميين، وبات يخشى أن تفتضح حاله كحراك لقواعد وصفوة “مجتمع الأقلية”.

وإذا كان الرئيس قد أثنى على الحراك في لقاء مع يومية “لوفيغارو” وذكّره بانجازاته: بدءا بإسقاط العهدة الخامسة، وإحباط التمديد للرابعة، واستقالة الرئيس، فإنه قد بات لزاما أن يذكِّر العقلاء ما بقي من الحراك بإخفاقاته المتراكمة، يأتي على رأسها فشله في تخريج قيادات ممثلة، وبناء برنامج حكم بديل ذي مصداقية، قادر على المنافسة في ظل المسار الدستوري القائم، أو في ما كانت ستفرزه المرحلة الانتقالية على منوال ما استدرج إليه حراكُ السودانيين، فكان أعظم إنجازاته التطبيع المهرول مع الكيان الصهيوني.

غير أن أكثر ما يؤاخَذ به نشطاء الحراك، هو هذا التغرير الآثم بالألوف من شباب الحراك، وقد أوهموهم بتصدر “ثورة” يصفونها اليوم بـ”ثورة الابتسامة” لا تمتلك المخالب التي تؤهِّل في العادة الثورات لقلب نظم الحكم بكلف باهظة، نتابع مساراتها المدمرة في سورية واليمن، وما كان لما يُسمَّى بـ”الثورات المخملية” في أوروبا الشرقية أن تنجح في الانقلاب على النظم الاستبدادية إلا بدعم غربي غير محدود، آزر شطرها حتى استغلظ على سوقه.

بعيدا عن ثقافة الإنكار الأحمق لموازين القوة على الأرض، ومنها مراكمة السلطة لأدوات التسيير الآمن لحراك شعبي لا يكلفها أكثر من توفير حماية شُرطية محترفة لـ”المشَّائين” فإن البلد قد يتحمَّل سنة أخرى من المسيرات الأسبوعية السلمية، التي باتت تخدم النظام من حيث لا تحتسب، باستنزافها لذخيرة الاحتجاج من الجبهة الاجتماعية الأكثر خطورة على الاستقرار، والأكثر قدرة على تضييق الخناق على الحكومة والرئيس.

أكثر ما يمكن استشرافُه من تداعيات لسنة ثانية للحراك، أن يرتفع معدَّل استهلاك الجزائر للأحذية، وقد قدَّرته اليوم جهة مختصة بتسعين مليون حذاء في السنة، بمعدل حذاءين وربع الحذاء لكل مواطن ومواطنة وشيخ ورضيع، يدعمه تقريرٌ آخر يُثبت على الجزائريين “جريمة” إتلاف ملايين الأرغفة يوميا في صناديق القمامة، استهلاكٌ مفرط يمنع الحَراك من فرصة رفع شعار “ثورة الجياع الحفاة”.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
4
  • عبدالله FreeThink

    الحراك الحقيقي انتهى بعد الجمعة السابعة. ولم يبقى سوى من ركب الموجة وتحرك إرضاءا لشهوته في الجري وراء السلطة أو لحماية فساده، والمحركون غربيا.

  • محمد

    لقد برهن الحراك الجزائري على فشل الطبقة السياسية بأكملها في استغلال إقالة بوتفليقة لبناء نظام جديد ديمقراطي وعصري مثلما فشلت الجزائر إثر أحداث أكتوبر 1988 في إنشاء دولة الحرية.اليوم برهنت الأحداث أن العنصرية والجهوية أصبحت سيدة الموقف وأن المجتمع مفكك لا تربط وشائجه لا الدين ولا اللغة ولا المصير المشترك.كل ذلك مستمر لأن النظام لا ينوي حل المشاكل من أصولها وما يهمه إلا تمديد بقائه.حتى تغيير الدستور يقع بعيدا عن آراء المواطنين المبعدين عما أوكل للتقنيين عوض استغلال الظرف للتركيز على وحدة الوطن والمجتمع قصد عزل الخونة وعملاء الاستعمار والعنصريين.منذ الاستقلال لم تنجح الجزائر في أية معركة مصيرية.

  • مواطن

    أعتقد أن الحراك الذي يجب أن نهتم به و له هو حراك الدولة نحو الجزائر المحرومة أو المنسية التي أعطى رئيس الجمهورية إشارة انطلاقها في اجتماعه مع الولاة. ما لم يعجبني في ما سمعته هو كلام الرئيس عن حل المشاكل اليومية لهؤلاء المواطنين المنسيين و أن ميزانية بـ 180مليار دينار كافية لإزالة المناظر المؤلمة خلال سنة ... هذا حل أشبه بالمسكنات. بينما الحل الحقيقي هو وضع استراتيجية تنموية متكاملة لتحويل الدولة نحو الريف و نحو الداخل و الجنوب لتُوقِف نهائيا مراكمة البشر و الخرسانة في مدن الشريط الساحلي الذي كون طبقة سميكة من المنتفعين الذين استنزفوا كل خيرات البلد و أخلوا بالأمن القومي للبلد.

  • كريم

    منكم صح ولا راكم تتمسخرو