-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

توقيع المصير المشترك بدماء “سيدي يوسف”!

توقيع المصير المشترك بدماء “سيدي يوسف”!
ح.م

الثامن فبراير من كل عام، سيظل ذكرى عظيمة ورمزا ساطعا للعهد الأخوي والتلاحم الوجداني بين الشعبين الشقيقين الجزائري والتونسي. كيف لا وهو تاريخ خالد وشاهد على امتزاج دم الإخوة في معركة الحرية ضدّ الاستدمار الفرنسي الغاشم؟

إنه يوم الملحمة الثوريّة من عام 1958، التي كانت قرية ساقية سيدي يوسف على الحدود بين سوق أهراس ومدينة الكاف مسرحا لها، في جريمةٍ نفذها جيش الاحتلال، انتقاما من سكانها العزّل، الذين فتحوا قلوبهم وبيوتهم وجيوبهم لوحدات جيش التحرير الوطني، وجعلوا منها قاعدة خلفية للعلاج واستقبال جرحى ومعطوبي الثورة.

ولم تفلح تحرُّشات الاحتلال بالأشقاء التونسيين في ثنيهم عن إيواء المجاهدين، ما ألجأ قادة الاستعمار إلى العقاب الجماعي بغارة وحشية بأوامر من السفاح “روبر لاكوست”، مخلفة استشهاد 79 شخصًا.

ومع ذلك، لم ينجح العدوان في الفصل بين الشعبين، بل جددت دماء الضحايا الأبرياء وأرواح الشهداء عهد التضامن والتآزر، لأنّ الحدود المصطنعة لم تكن يوما حاجزا أمام تقرير المصير المشترك.

وها نحن اليوم نستحضر تلك الوقائع التاريخية المجيدة، التي خطّها الآباء والأجداد بمداد الدم، في كنف الحرية والاستقلال لكل شعوب المنطقة، غير أن بعض الجاهلين بعمق هذه الروابط الأخوية، فضلا عن جهلهم بمقتضيات الأمن القومي، يستكثرون ودائع ماليّة بقيمة زهيدة على أهلنا في تونس، لأنهم واقعون لاشعوريّا تحت تأثير لوبيّات تعمل على كسر كل تقارب عربي- عربي أو عربي- إسلامي، ولو في أبسط الأشكال وصور التعاون المعمول به دوليّا في إطار المصالح المتبادلة، ويريدون لأوطاننا أن تبقى في وضع شاذّ من التباعد وحتّى العداء القومي والجواري.

لقد كان يُفترض أن تتشكّل المنطقة المغاربيّة، وقبل عقود على الأقلّ، ضمن فضاء وحدوي جامع، وهو ما عمل قادة حركات التحرر على تحقيقه والتخطيط له منذ زمن الاحتلال الفرنسي لبلدان الشمال الإفريقي الثلاثة، الجزائر والمغرب وتونس، فقد تأسس في عام 1947 “مكتب المغرب العربي”، لوضع مبادئ وأسس الاتفاق، تحضيرا لمشروع الوحدة المغاربية بعد دحر الاحتلال، ولكن حدث ما حدث.

ويسجّل التاريخ للراحل لحبيب بورقيبة، رحمه الله، مقولة إنّ “شمال إفريقيا كالطير، له جناحان وقلب، تونس والمغرب هما الجناحان، والجزائر هي القلب، فعندما تكون الأجنحة سليمة سيطير الطير”، أي إنه لا أمل في إقلاع دول المغرب العربي إلا بوحدةٍ جامعة، أعلاها التكامل وأدناها العمل المشترك.

لعلّ القدر شاء أن تتزامن ذكرى ساقية سيدي يوسف برمزيتها الوحدويّة، مع موعد الإعلان عن ميلاد اتحاد المغرب العربي يوم 17 فبراير من عام 1989، غير أنّ المؤسف هو أن نستذكر الأولى بمشاعر الفخر والاعتزاز والأمل في تقارب أوسع وتعاون أكبر، بينما تعود المحطة الثانية في كل عام على واقع أشدّ فرقةً وبؤسًا، ومعه نبتعد أكثر عن تطلعات الوحدة المنشودة.

بعيدا عن الأزمة المستفحلة والمعضلة المتمكّنة في المنطقة، على خلفيّة المسألة الصحراوية، فإنه لا مناص من تصحيح الوضع الخاطئ واستدراك الوقت الضائع، بإيجاد آليات جديدة لتفعيل العمل المغاربي، وإذا اقتضت الحال مراجعة “المعاهدة التأسيسية”، مثلما يقترح سعيد مقدم، الأمين العام لمجلس شورى اتحاد المغرب العربي.

فضلا عن الدوافع القومية والتاريخية والجغرافية للوحدة، فإنّ حالة “عدم الاتحاد” تكلف دول المنطقة أكثر من 10 ملايير دولار سنويا، وفقدان أكثر من 250 ألف منصب عمل سنويا، وفق تصريح سعيد مقدّم، لأن التجارة البينيّة المغاربية لا تتجاوز 2 بالمائة، في حين تتعدّى 65 بالمائة في المجموعة الأوروبية.

ولذلك سيبقى إخفاقا يلاحق قادة ونخب المنطقة المغاربية التي تعدّ أضعف حلقة في التكتلات الجهوية بإفريقيا، في وقت تتربع على 6 ملايين كيلومتر مربع وتتمتّع بـ100 مليون نسمة، مع إمكانات مادية وبشرية هائلة.

إن الوضع المغاربي غير طبيعي، ومن الضروري والأخلاقي أن يستثير الشعور الجماعي بالمسؤولية تجاه الأجيال، للشروع في حوار جادّ من أجل إحياء المشروع الموؤود.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!