-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

ثقافة المقاطعة.. هل ستُعمّم في واقعنا؟

سلطان بركاني
  • 1774
  • 3
ثقافة المقاطعة.. هل ستُعمّم في واقعنا؟
ح.م

روى أبو نعيم في “حلية الأولياء” أنّ الإمام العالم الزّاهد إبراهيم بن أدهم (ت 162هـ) رحمه الله، شكا إليه بعضهم غلاء اللّحم، فقال: “أرخصوه أنتم”. قالوا: كيف نرخصه ونحن نشتري ولا نبيع؟! قال: “أرخصوه بالتّرك، أي: لا تشتروه”. (حلية الأولياء،8/ 32). وروى ابن معين في تاريخه، عن رزين بن الأعرج -مولًى لآل العباس- قال: غلا علينا الزبيب بمكة، فكتبنا إلى علي بن أبى طالب –رضي الله عنه- بالكوفة أنّ الزبيب قد غلا علينا، فكتب أن أرخصوه بالتّمر. (تاريخ ابن معين، 1/ 86).
هكذا كان أعلام الأمّة يؤسّسون لسياسة اقتصادية ناجعة في مواجهة غلاء الأسعار والتهابها، وهي السياسة التي تنتهجها في زماننا هذا كثير من الشّعوب الواعية، لإجبار الجهات المسؤولة وكبار التجّار على خفض الأسعار، وقد آتت أكلها في كلّ حالاتها، كما حصل مع تجّار البيض في الأرجنتين قبل سنوات، حينما تواطؤوا على رفع الأسعار، فأطلق الشّعب الأرجنتينيّ حملة واسعة لمقاطعة البيض، لم يشذّ عنها أحد، ما أجبر التجار على خفض أسعاره، لكنّ الشّعب ظلّ مصرا على المقاطعة لتأديب التجار الذين اضطرّوا أمام هذا الإصرار إلى خفض الأسعار إلى الرّبع ممّا كانت عليه قبل رفعها.
المقاطعة سلاح ناجع، لأنّها تعتمد قانونا ثابتا هو قانون العرض والطّلب الذي ينصّ على أنّ السّلعة إذا نقص عليها الطّلب انخفض سعرها، وإذا زاد عليها الطّلب ارتفع السّعر.
لقد تنادى بعض الجزائريين لحملة أطلقوا عليها شعار “خليها تصدّي” للامتناع عن شراء السيارات، على خلفية الأسعار الجنونية التي عرفتها أسواق السيارات الجديدة منها والقديمة، والتي بلغت أرقاما قياسية لم يشهدها العالم من شرقه إلى غربه، وقد بدأت تؤتي أكلها بفضل الله وعونه، على الرّغم من الحملات المعادية التي شنّتها بعض وسائل الإعلام التّابعة لسماسرة الاقتصاد وبعض القنوات والمواقع التابعة للمنتفعين من ريع التهاب الأسعار.. لكنّ المؤسف في القضية عندما انبرى بعض المحسوبين على العلم ليفتوا بعدم جدوى هذه الحملة، في الوقت الذي كان منتظرا من أهل العلم أن يثمّنوا هذا المسعى ويدعوا إلى تعميمه لتصبح “المقاطعة” ثقافة مجتمع، ليس فقط ضدّ غلاء الأسعار، ولكن أيضا ضدّ الفساد وأسبابه ووسائله.
إنّنا في أمسّ الحاجة إلى إعلان القطيعة مع وسائل الإعلام التي تسعى في نشر الميوعة والانحلال وكسر الحواجز والطابوهات وإماتة الحياء وهدم الأخلاق، وتسعى لتجهيل المجتمع وتحويله إلى قطيع من الأغنام لا همّ له إلا المآكل والمشارب والملابس بعيدا عن هموم الأمّة وقضاياها.. كما أنّنا في أمسّ الحاجة إلى مقاطعة هذه البرامج التافهة التي ترصدها كثير من القنوات لرمضان، والتي تهدف من حيث شعر منتجوها أو لم يشعروا إلى إلهاء الصّائمين عن روحانيات الشّهر الفضيل، وعن الانشغال بطاعة الله في ليالي رمضان كما في أيامه.. إنّنا في أمسّ الحاجة إلى مقاطعة السّلع التي تنشر الميوعة والفساد في أوساط نسائنا وبناتنا وأبنائنا؛ خاصّة هذه الموضات والصّيحات الجديدة من الألبسة التي حوّلت بناتنا إلى عارضات أزياء في الشّوارع وأبناءنا إلى مهرّجين في أزياء ومظاهر مزرية يندى لها الجبين.
بسبب غياب ثقافة المقاطعة عن واقعنا لعقود من الزّمان، وجد تجار الشّهوات ومصّاصو الدّماء من رجال الأعمال والأموال أسواقا رائجة في أوساطنا، وحقّقوا ثروات هائلة من جيوبنا، وأفسدوا ديننا ودنيانا.. فهل آن لنا أن نفيق ونقول لهؤلاء: “انتهى وقت العبث”.. رمضان فرصة مناسبة لنؤسّس لثقافة “المقاطعة” ونرسي دعائمها في واقعنا، فهل سنكون لها؟

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
3
  • عادل - وهران

    وماذا عن مقاطعة البدع و المعاصي

  • جزائري

    لم اعثر على آية قرآنية لا تقرن الإيمان بالعمل الصالح. يعني لا إيمان بدون عمل صالح يؤكد الإيمان. إذا لم يقترن الايمان بالعمل الصالح فقد نكون أمام حالة نفاق وليس ايمان. ما نشاهده في الواقع اليومي الغالب لمليار ونصف مسلم مفترض لا يدل البتة على الإيمان بدليل غلبة مظاهر السوء والفساد على مظاهر العمل الصالح. في رمضان يكاد الأمر يزداد سوءا بدليل استفحال هذه المظاهر كالجشع. هل تصدق فينا اية :قالت الأعراب آمنا. العمل الصالح هو الدليل الوحيد على صحة الايمان والا فعلينا التساؤل أن لم نكن في خانة النفاق والعياذ بالله. في الاخير العمل الصالح مفصل بدقة في القرآن إلا لمن لا يريد أن يعرف

  • ابراهيم

    ياريت الشعب يتضامن مع بعضاه باش يتقن حملات المعارضة و خاصة التي تحدث فسادا