-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

ثلاثة محاور تقسِّم المنطقة العربية

صالح عوض
  • 711
  • 2
ثلاثة محاور تقسِّم المنطقة العربية
ح.م

في مرحلة الفراغ الاستراتيجي بسبب غياب الدولة العربية الرائدة أو الجبهة العربية المتماسكة أصبحت المنطقة العربية ساحة تصارع ثلاثة محاور إما بالأصالة أو الوكالة.. ومن الواضح أن هذه المحاور لن تلتقي على مشترَك لصالح المنطقة وهي تتصارع في مناطق الغير لتفرض وجودا وحضورا لها في ميزان ترتيبات سياسية قد تشهدها الخارطة السياسية في المرحلة القادمة.

من العبث أن نحاول التفصيل حول هذه المحاور وأدوارها وكيفية عملها قبل الامتلاء يقينا بدور المعلم الأساسي وهو الولايات المتحدة الأمريكية ومنافسها التقليدي في القطبية العالمية روسيا.. كما أنه من العبث عدم الانتباه إلى الدور الصهيوني في صراع هذه المحاور أو في تشكل بعضها لأن الصراع بحد ذاته لمصلحة إسرائيل كما أن مؤسسات الكيان الصهيوني الأمنية والاستراتيجية تتدخل مباشرة في استدامة الصراع وتحقيق أهداف استراتيجية ضد العرب.. وهنا نريد أن يكون واضحا تماما أن أي تحليل لا يأخذ بعين الأولوية هذه المسألة فإنه سيكون بمثابة تضليل لصانع القرار وللرأي العام في آن واحد.

المحور الأول: محور تتزعمه إيران ويشمل سورية النازفة ومجموعات شيعية في العراق والحوثيين في اليمن ومجموعات شيعية في البحرين وشرق السعودية وإلى حد ما له تقاطعات كبيرة مع حماس والجهاد الفلسطينيين.. ويرفع هذا المحور في حركيته شعارات كانت لعقود طويلة محل الإجماع في الأمة لاسيما موضوع فلسطين والتصدي للأجانب وضرورة طردهم من المنطقة..

المحور الثاني: محور تركيا وقطر والإخوان المسلمين وهو محور يمتد واسعا في المنطقة العربية لاسيما في النخب الثقافية والاجتماعية التي استطاعت أن تكون جسم الربيع العربي الأكبر وتمكنت من الوصول إلى الحكم في مصر وتونس وأصبحت ذات حضور كبير ومهمّ في ليبيا.. ويتحرك هذا المحور في ظل تهدئة استراتيجية مع الغرب الاستعماري بل وتقاطعات تكبر وتصغر من مكان إلى آخر.. وتعدّ تركيا ونموذجها الاقتصادي والسياسي ملهمة في هذا المحور.

المحور الثالث: محور الإمارات العربية والسعودية ومصر، وتأتي خطورة هذا المحور وأهميته لكونه بأضلاعه الثلاثة عربيا ويمتلك قوة اقتصادية وكتلة بشرية مذهلة تعتمد على وزن مصر الاستراتيجي تمكنه من التأثير على مجريات الصراع في أي منطقة.. واستطاع هذا المحور أن يُفشل الربيع العربي وينقضّ عليه في أكثر من مكان ويلحق به خسائر فادحة.. ورغم أنه لم يكن محددا بدقة لأهدافه إلا أنه كان قوة رهيبة في التأكيد على أن المنطقة أصبحت موزَّعة على محاور.

بين هذه المحاور صراعٌ حاد لفرض الهيمنة على المنطقة العربية لاسيما مناطق التنازع والصراع كسورية والعراق وفلسطين وليبيا.. وفي حين كانت المعركة واضحة المعالم في سورية وكان كلام ولي العهد السعودي واضحا للسوريين: أخرِجوا الإيرانيين وخذوا منَّا ما شئتم للإعمار.. وقد سبق للسعودية والإمارات الدفع بمئات ملايين الدولارات لمجموعات النصرة والمجموعات المسلحة الأخرى وتزويد المسلحين بالمال والسلاح.. في حين وقفت إيران مع الدولة السورية تقاتل باستماتة، وفي الجانب الآخر كان الإخوان وقطر وتركيا يحاولون جهدهم أن ينتزعوا السيطرة على المعارضة من القوى الأخرى، إلا أن نتائج الصراع الدامي أفقدت تركيا ومحورها الفوائد الكبيرة، كما أنه أثبت لمحور الإمارات أنه لن يتمكن من تشكيل الوضع في سوريا، وكذلك يواجه المحور الإيراني لحظات صعبة بعد أن جر الروس كل الانتصارات لهم وحددوا إحداثيات للتواجد الإيراني وكشفوا الغطاء عن الأهداف الإيرانية في سورية فأصبحت عرضة لقصف جوي إسرائيلي من حين إلى آخر..

وفي اليمن كان تدخّل الإمارات والسعودية العنيف بحجة مواجهة المحور الإيراني، مواجهة أثبتت السنوات السابقة أنها مكلفة للغاية وأن الإماراتيين والسعوديين أصبحوا أهدافا لعمليات مسلحة في اليمن بعد أن توزعوا مناطقه على نفوذهم.. فيما يحاول أردوغان إرسال مندوبين إلى اليمن لتنشيط العلاقات الاقتصادية معه ووضع قدم له في اليمن بعد أن ركز له قدما في الصومال والسودان..

أما العراق بعد أن أعلن عن الاتفاق لسحب القوات الأمريكية منه فقد تطور التصارع بين تيار موال لإيران، وآخر للسعودية، ونشبت تنازعات كثيرة وواضحة في المشهد السياسي الذي هو عبارة عن افتراءات وتلفيقات.. ولم تكن تركيا بعيدة عن المشهد العراقي وحاولت كثيرا الحصول على هيمنة على جزء منه ودخلت مماحكات عديدة مع الحكام في المنطقة. والأمر ينسحب على التفصيلات الأخرى الكثيرة في ساحات الاشتباك الأخرى.

تعيش هذه المحاور حالة توازن قوة إلى حد كبير في اتجاه بعضها ويتقاطع المحور السعودي الإماراتي المصري في علاقة مع الأمريكان لغرض مشترَك وهو إبعاد المحور التركي الإخواني القطري من المنطقة، سورية مثالا، كما سيكون تلقائيا إبعاد الإيرانيين، وهو ينال في ذلك تأييدا على مستوى الدول الغربية. وما يقال عن سورية يقال عن العراق حيث بلغ الاحتدام أوجه بين من يدعون إلى العلاقة مع السعودية وبين الرافضين لها والداعين بتوثيق العلاقة مع الجمهورية الإسلامية وهي معركة شرسة أظهرت شخصيات على الجانبين الشيعي والسني في عملية استبدال مواقع في الصراع..

ماذا يعني هذا؟ بوضوح يعني أن الصراع على أرضنا العربية أصبح موزعا على ثلاثة محاور متنازعة لا يقبل أحدها حضور المحورين الآخرين.. وقد يكون لبعض أطراف المحاور ومركزيتها علاقات اقتصادية وتجارية في ما بينهم وإنما التصارع بينهم في ساحات الاشتباك على الأرض العربية كما هي العلاقة بين تركيا وإيران مثلا.

من الواضح أنه سيكون صعبا أن ينتصر محور من المحاور المطروحة ويفرض نفسه ويغيِّب المحورين الآخرين، أو فلنقل على الأقل ان الصياغات الكبرى للمنطقة معمولة بهذه الطريقة لكي تستنزف المنطقة ثرواتها في شراء السلاح غالي التكلفة وتقديم خسائر فادحة في الأرواح والمجتمعات وليس من منتصر فيها.

 إن صراع المحاور الثلاثة تجاه بعضها البعض سيستمر إلى أمد بعيد وهو سيكون الوصفة الأكثر مثالية بالنسبة إلى الأمريكان الذين يوزعون الأدوار أو يدفعون بالبعض إلى أدوار ما.. ومن غير الواضح أن ينتصر أحد المحاور انتصارات استراتيجية على المحورين الآخرين ولن يكون مقبولا له أن ينتصر.. هنا تصبح الحقائق مكشوفة أن المنطقة العربية منطقة تطاحن واستنزاف وسيظل الأمر كذلك حتى يتم تحرك دول عربية وازنة تفرض على الجميع إخلاء الساحة من الصراع الإقليمي والدولي..

لن يجد الأمريكان أحسن من هذه الخارطة السياسية الممزقة في المنطقة على محاور ثلاثة لذلك سيعملون باستمرار على ألا يُفض الاشتباك في ما بينها.. فمتى نتمكن من تجاوز أسوار المؤامرة والتحرك نحو فرض صيغة عربية في المنطقة العربية بعيدا عن الارتباطات المخلة حينها سيملأ الفعل العربي الحيز الجغرافي الاستراتيجي ليصبح العرب قادرين على المساهمة مجددا في الحضارة الإنسانية.. ويفتحوا علاقات أخوية بالجيران تركيا وإيران في صيغ تكامل وتعاون من أجل خير الأمة.. تولانا الله برحمته.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
2
  • جزائري اصيل

    المحور الذي لم تذكره هول ما تسميه انقسام الدول العربية هو أن كثير من هذه الدول ليست عربية اصلا. فدول شمال افريقيا هي دول أمازيغية فلا يهمنا شؤون العرب. واتركونا نحن كامازيغ كذالك وشاننا.

  • عبد النور

    التغيير الوحيد الذي أراه سيأتي بنتيجة إيجابية للمنطقة ، هو سقوط نظام آل ثاني في قطر، ونظام آل سعود في الحجاز ونجد. وقيام نظام شعبي جمهوري عادل في البلدين (أو توحدهما في بلد واحد) يستغل كل تلك الثروات للتقريب بين وجهات النظر في الدول العربية ومساعدتها إقتصاديا وسياسيا والإطاحة بالإمبراطوريات الإعلامية الفاسدة ، وتعويضها بأخرى عادلة واعية مصلحة . ونفس الشيء في المجال الديني.